سلسة تنمية الذات (3)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الأهداف السر الكبير في تحقيق النجاح

 

النجاح أمنية ينتظرها كل إنسان على وجه هذه الأرض، غير أنها تتوقف على أسباب كثيرة، لعل من أهمها، وأكثرها أثراً، الثقة بالنفس، بعد عون الله - تعالى -، وتوفيقه وسداده، وقد سبق في هذه السلسة الحديث عن هذا الموضوع، ودونت لك هناك أهمية هذا الجانب، واليوم أكتب عن الخطوة الثالثة في هذه السلسلة، وأرسم لك بإذن الله - تعالى -معالم النجاح، وأضيء لك شمعة المجد، وأفتح لك طريقاً إلى المعالي، وأهيئ لك أرضاً خصبة للتفوق، وإذا كنت صادق العزم بإذن الله أضمن لك إن شاء الله - تعالى -فواتح الخير، وغايات المجد، وحياة الناجحين. فقط اشترط عليك أن تعيد قراءة الموضوعين السابقين في السلسة (1)، (2) وقبل أن تلج موضوعي الذي بين يديك تفضّل بكسر حواجز الوهن، والكسل التي يعيشها كثير من الناس، وحين تكون مستعداً للبدء حقيقة في مشروع النجاح الكبير الذي ينتظرك تفضل مشكوراً بقراءة هذا الموضوع سائلاً الله لك التوفيق والنجاح: إن أول خطوة بعد توثيق الصلة بالله - تعالى -، وتوثيق الصلة بنفسك أن تكتب لك أهدافاً في الحياة تسجّل بها تاريخك من جديد، وتكتب بها رسالتك في الحياة، وتُعظِم بها ذكرك في عالم الناجحين. إن الهدف كما يقرر الناجحون: أمنية يسعى الإنسان لتحقيقها على وجه الأرض، ويستشرف الأيام القادمة لكتابة تاريخ نفسه فيها من جديد..الهدف أمنية تستعر في قلب صاحبها، فيدونها بيده، ويكتبها على جدار غرفته، ويضعها في سجلّه الشخصي، ثم يرحل يجوب الأرض لنيلها والحصول عليها، آهـ لحياة ضائعة بدون أهداف! آهـ لعمر طويل لا يستطيع أن يجدد تراثاً أو يكتب تاريخاً أو يسوّد صحائف أعمال صالحة! آهـ

أيتها الحياة بسنينك الطوال! آهـ من يرضى أن يحيا فيك حياة المجاهيل؟! أما علمت يا أيها الحبيب أن الحياة بغير أهداف حياة لا تستحق أن يعاش لها أو يهنأ فيها! ألم تدرك بعد أن الأهداف ليست ضرورية لتحفيز الإنسان فحسب لكنها شيء يبقيه حياً ماثلاً في أعين الأجيال، وعبر آثار التاريخ الطويل.فهيا أيها الحبيب نكتب حياتنا، ندوّن تاريخنا، نبين عن آثارنا للأجيال القادمة! أما أيقنت أيها الحبيب إلى اليوم أن العالم بأسره يفسح الطريق للشخص الذي يعرف اتجاهه.والذين لا يعرفون لحياتهم أهدافها يتعثرون في ثنايا الطريق، ويسقطون على جنباته..

يا أيها الحبيب: الأهداف هي المعنى الحقيقي في حياة الواحد منا، هي الأماني التي نحيا لها، فياليت شعري كيف يرضى الإنسان أن يعيش حياته بلا رسالة؟! وتمضي الأيام به قُدماً بلا أهداف؟ فقط دعني أقول لك مع عظمة الأهداف وضرورتها في حياة المتطلّب للنجاح لا بد أن تخضع لشروط، وتتصف بمواصفات وإلا كانت أماني فارغة تهتف بالنفس دون تحقيق غاياتها وأمنياتها. إنه لا بد أن تكون تلك الأهداف التي تختطها لحياتك أهدافاً تبعث على التحدي، وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ومحددة بزمن يمكن الوصول إليه، ويمكن مع كل ذلك قياسها، وقبل ذلك وبعده لا بد أن تكون أهدافك صادرة عن إرادة واقتناع، ثم لا تنسى أن تدوّنها على الورق، وكتابة الأهداف وتدوينها على الورق هو مكمن الفرق بين كثير من أصحابا البدايات الجادة، وبين أصحاب الأماني المقعدين. حين تدوّن أهدافك على دفترك، وفي سجلك الخاص، وتحتفظ بجزء منها في محفظتك فأنت حينئذ بدأت أول خطوة في الطريق، وستصل بإذن الله - تعالى -، فقط حاول أن تقطع جزءاً من الهدف كل يوم، ولا تسمح لنفسك البتة مهما كانت الظروف التي تعترضها أن تتجاوز في يوم أو تؤجل في يوم آخر فإن هذا هو البلاء الذي يبدأ يسيراً في عقل صاحبه ثم ما يلبث أن ينتشر ويصعب تلافيه أو علاجه، حاول أن تتقدّم خطوة، فالأعمال الكبيرة بدأت في أول بداياتها صغيرة بسيطة، وقد قال رسولك - صلى الله عليه وسلم - في وصية جامعة: أدومه وإن قل.

وأثبتت التجارب العملية الميدانية على كافة المستويات اليوم أن العاملين بهذه الوصية هم أكثر الناس نجاحاً، وأقدرهم على الاستمرار. ثم إياك إياك أن تلتفت لصيحة ناعق أو حديث شامت، أو هذيان مخذّل، وأعلم أن أعداء النجاح كثيرين، حين يرونك بدأت في تجاوزهم سرعان ما يلبسون جلباب النصيحة يهونون عليك سيرك، ويعرقلون خطوك، وتذكّر ما قاله ابن القيم - رحمه الله تعالى -حين ذكر هذا الصنف وأوصى السائر على الطريق بقوله: وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم فإنك متى التفت أخذوك وأعاقوك... وضرب لذلك مثلاً رائعاً حين قال: الظبي أشد سعياً من الكلب، ولكنه إذا أحس به التفت فيضعف سعيه فيدركه الكلب ويأخذه. اهـ

لا أود أن أفارقك حتى أعلمك بحقيقة تعترض كل ناجح خاض طريقك، لا بد أن تجد في ثنايا الطريق إخفاقات تتفاوت في آثارها، ولا بد كذلك أن تجد في نفسك بعضاً من الوهن والضعف والعجز في بعض الأحيان، وليس أنفع لعلاج ذلك كله من صدق التوكل، والإقبال على الله - تعالى -، وكثرة النوافل فإنها الشموع التي توقد ضرام الأنفس لتحقيق غاياتها مهما كانت كبيرة أو طويلة المدى، ولا تنس انطراحك بين يدي الله - تعالى -داعياً متبتلاً خاشعاً منيباً فإن مثل هذه الأحوال تتنزّل بها الكرامات من السماء.. ومع ذلك كله لا تنس معينات الطريق من حضور الدورات التدريبية خاصة ما يعنى بالتنمية الشخصية، ومثل ذلك كتب أهل الشأن في ذلك فإنها من معينات الطريق. واعلم أن من لا يمشي لا يمكن أن يتعثّر، ومن لا يخوض غمار الحياة بجرأة لا يمكن أن يصل البتة. وإذا وجد التصميم والإصرار على تحقيق هذه الأهداف لم تمت بإذن الله - تعالى - حتى تذوق بعض معانيها العظام. وأخيراً: دعني أوادعك وأقول لك تذكّر قول القائل: فراغ الأنفس من الأهداف العظيمة طريق إلى فراغها من الأعمال الجميلة. واقرأ في صيد خاطر ابن الجوزي فقد قال: ينبغي للعاقل أن يصل إلى غاية ما يمكنه فلو كان يتصوّر للآدمي صعود السموات لرأيت من النقائص بقاؤه بالأرض ... ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد لرأيت المقصّر في تحصيلها في حضيض. اهـ وكن على يقين تام لا يقبل الشك: أن بإمكانك فعل شيء آخر لم تفعله إلى اليوم، وطاقتك لم تسنفذ بعد في مطلوبك الحقيقي، وقد تكون بعد قراءة هذه الأسطر شيئاً كبيراً. كل ما أتمناه ألا تضيع هذه الفرصة التي تستعر في قلبك مرة أخرى. وإلى لقاء في المنظومة الرابعة من سلسلة تنمية الذات (4)

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply