بسم الله الرحمن الرحيم
يُعدّ التنظيم الإداري من الوظائف الأساسية لأية إدارة في أية مؤسسة أو حركةº إذ يهتم التنظيم الإداري بتقديم الوسائل التي تضبط عمل الفرد سواء بصفة فردية أم جماعية والتي من خلالها يستطيع توفير الجهد والإكثار من فعاليته.
تعريف التنظيم الإداري:
يُعدّ التنظيم أداة من أدوات الإدارة التي تُستخدم من أجل ضمان تحقيق الأهداف، والحقيقة أن التنظيم يُعدّ جزءاً من العملية الإدارية، وقد تعددت التعاريف للتنظيم الإداري بتعدد الباحثين والكاتبين في هذا المجال، حيث عرّفه بعضهم إنه \"تحديد للنشاطات الضرورية\"، وعرّفه آخرون \"إنه نظام يعمل على تحديد الفاعليات والقوى الشخصية المنظمة\". يمكن القول بأن تحديد معنى التنظيم يفترض تحقيقاً لأمرين رئيسين هما:
أ عناصر التنظيم (أي العناصر التي يقوم على أساس وجودها وجود التنظيم).
ب- أبعاد التنظيم (أي الصور التي يمكن أن يتخذها التنظيم ويتحدد وجوده وحركته بها).
التنظيم أساس المنهج الإسلامي:
إن النظام العبادي من صلاةٍ, وصومٍ, وزكاةٍ, وحجٍّ, قائمٌ في كل جزئياته وتفصيلاته على أصول قاعدةٍ, تنظيميةٍ, صارمة. وكذلك النظام الاجتماعي. ففي نطاق دعوة المسلمين إلى أن تكون لهم قيادة يحتكمون إليها، وينزلون عند حكمها يقول الله - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ, فَرُدٌّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً) [النساء: 59] \"، وبدهي أن القيادة والطاعة شئونٌ تنظيميةٌ صميمة. (إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَرصُوصٌ). [سورة الصف: 4] والبنيان المرصوص يكون نتيجة التنظيم والانضباط وليس العكس إطلاقاً.
وهكذا تتكاثر الآيات وتتناثر في كل جانب من جوانب التوجيه والتشريع القرآنيين مؤكدة أهمية التنظيم ومكانته في كتاب الله.
التنظيم أساسُ عملِ الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
قال رسول الله - عليه الصلاة والسلام -: \"اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمِل عليكم عبدٌ حبشيُّ\" كأن رأسه زبيبة\"رواه البخاري.
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا كنتم ثلاثة فأَمِّروا أحدكم\". رواه الطبرانيٌّ بإسناد حسن.
إن خير ما يتمثل حيز التنظيم في سلوك النبي - عليه الصلاة والسلام - ما قام به حين هجرته إلى المدينة وذلك بما يلي:
1- طلبه إلى علي بن أبي طالب المبيت في سريره لتضليل المشركين ريثما يكون هو قد غادر مكة وبلغ غار ثور.
2- اختياره غار ثور الذي يقع في اتجاهٍ, معاكسٍ, لطريق المدينة
- تكليفه عبد الله بن أبي بكر بنقل ما يجري في مكة من أخبار ليكون على اطلاعٍ, على ما يجري حوله.
4- تكليفه أسماء بنت أبي بكر بتأمين ما يلزمهم من طعامٍ, وشراب.
5- تكليفه عامر بن فهيرة أن يمر بغنمه مساء عليهما ليأخذا حظهما من اللبن، ولتطمس الأغنام بحوافرها آثار الأقدام التي تتردد على الغار.
أهداف التنظيم الإداري:
إن الهدف الأساسي من التنظيم، ينبثق من العمل الجماعي الهادف حيث تُوزّع الأعباء، وتُقسّم الأعمال من أجل تحقيق الأهداف بين الفرد ومجموعات العمل في إطار نظامي يعتمد على الانسجام والملاءمة والترابط في النشاطات والأهداف. لذلك فإن التنظيم يهدف إلى:
1ـ إنجاز الأهداف المرجوة
2ـ تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المادية والمعنوية.
3ـ إيجاد التعاون والانسجام والتكامل والترابط بين مختلف مكونات المنظمة من أفراد وجماعات
4ـ الاستفادة من المعلومات والخبرات المتراكمة العلمية والعملية والفنية مثل جمع المعلومات والإحصاءات. عَن حُذَيفَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - \"فَقَالَ أَحصُوا لِي كَم يَلفِظُ الإِسلَامَ قَالَ فَقُلنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَخَافُ عَلَينَا وَنَحنُ مَا بَينَ السِّتِّ مِائَةٍ, إِلَى السَّبعِ مِائَةٍ,؟ قَالَ إِنَّكُم لَا تَدرُونَ لَعَلَّكُم أَن تُبتَلَوا قَالَ فَابتُلِيَنَا حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لَا يُصَلِّي إِلَّا سِرًّا\". (رواه مسلم).
5ـ تحديد المسؤولية وتطبيق مبدأ المساءلة القانونية عن الأعمال والتصرفات وبالتالي تحديد إجراءات الحفز من ثواب أو عقاب.
6ـ تحديد قنوات الاتصال والربط بين أجزاء المنظمة من خلال نظام اتصال فعّال يستند إلى التقنية المعاصرة.
7ـ تحديد علاقات السلطة والمسؤولية بين الرؤساء والمرؤوسين والزملاء في نفس المستوى الإداري.
أسس التنظيم الإداري:
لا ينشأ أي تنظيم إلا وفقاً لأسس ومبادئ ومعايير عدة من أهمها:
ـ مبدأ تسهيل تحقيق الأهداف: لكي يكون الأداء ذا فاعلية فإن على المنظمة أن توفر الإمكانيات المعلنة والتسهيلات التي تضمن أداء الأعمال وتنفيذها بصورة فعّالة تتطابق مع الأهداف المعلنة.
ـ مبدأ الفاعلية في الأداء: لكي يكون البناء التنظيمي الرسمي أكثر فعالية يجب على الإدارة أن تسعى إلى تحقيق الأهداف بأقل تكلفة ممكنة، وبدون الإسراف في الموارد المتاحة وبأقصى استغلال للقدرات الفردية الموجودة، وتحديد واضح لخطوط السلطة، والمسؤولية وبتقديم الوسائل اللازمة لتطوير الأفراد.
ـ مبدأ تجميع الوظائف المتشابهة: وهذا يعني أن تقوم الإدارة بتجميع الوظائف المتشابهة تحت سقف إداري واحد، وذلك من أجل تحديد المهارات البشرية المطلوبة لكل مجموعة من هذه الوظائف.
ـ مبدأ التوازن بين السلطة والمسؤولية: نظراً لأن السلطة تعني الحق المكتسب من الوظيفة لممارسة العمل، ونظراً لأن المسؤولية تعني الالتزام بتنفيذ العمل المطلوب، فلابد إذاً من أن يكون هناك توازن بين هذه السلطة والمسؤولية.
ـ مبدأ المحاسبة الفردية: على ضوء مفهوم السلطة والمسؤولية فإن محاسبة الفرد ومراجعة أعماله يجب أن تتم من قبل رئيسه المباشر، وهذا ما نراه جلياُ في القرآن الكريم قال - تعالى -: (وَلَو شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلٌّ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسأَلُنَّ عَمَّا كُنتُم تَعمَلُونَ) [النحل: 93]. فإنّ اللهَ يقول: (مَا يَلفِظُ مِن قَولٍ, إِلَّا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [قـ: 18] \"، ويقول - تعالى -: (وَإِنَّ عَلَيكُم لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعلَمُونَ مَا تَفعَلُونَ) [الانفطار: 10-12]. (فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ, خَيراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ, شَرّاً يَرَهُ). (وَٱعلَمُوا أَنَّ ٱللَّهَ يَعلَمُ مَا في أَنفُسِكُم فَٱحذَرُوهُ) [البقرة: 235]. ويقول الرسول - عليه الصلاة والسلام -: \"البرٌّ ما اطمأنَّت إليه النفس واطمأنَّ إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردَّد في الصدر، وكرهتَ أن يطّلع عليه الناس\".
ـ مبدأ وحدة الأمر والتوجيه: وهو يعني أن الفرد يجب أن يتلقى التوجيه والأوامر من شخص واحد فقط هو رئيسه المباشر. وعلى هذا ينبهنا القرآن الكريم حيث يقول - تعالى -: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ, هَل يَستَوِيَانِ مَثَلاً الحَمدُ لِلَّهِ بَل أَكثَرُهُم لَا يَعلَمُونَ) [الزمر: 29]. في حين حثنا القرآن على الطاعة لشخص النبي - صلى الله عليه وسلم - واعتبر ذلك معياراً للإيمان ودليلاً عليه قال - تعالى -: (وَأَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحذَرُوا فَإِن تَوَلَّيتُم فَاعلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاَغُ المُبِينُ). [المائدة: 92].
ـ مبدأ النمو الوظيفي: وهو يعني أنه كلما زاد حجم العمل بالمنظمة كلما تطلب ذلك توسيع قاعدة الوظائف من أدنى الهرم الوظيفي إلى أعلاه.
ـ مبدأ انطلاق الإشراف: ينبني مفهوم نطاق الإشراف حول فكرة أن قدرات المديرين محدودة، ولا يستطيعون بالتالي الإشراف والمتابعة على عدد كبير من المرؤوسين، وفي العادة فإن نطاق الإشراف يتأثر بطبيعة العمليات ومدى تعقيدها أو سهولتها.
ـ مبدأ التوازن الوظيفي: وهذا يعني أن توضح الحدود حيال توسيع الأعمال الوظيفية وحجم الوحدات أو الأقسام أو الإدارات.
ـ مبدأ التوفيق بين أعمال الاستشاريين والتنفيذيين.
ـ مبدأ مرونة التنظيم: ويتضمن هذا المبدأ ضرورة أن يتم التغيير في التنظيم عند حدوث ظروف ملزمة لهذا التغيير، سواء كانت داخلية أو خارجية. قال - تعالى -: (ادعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ). [النحل: 125].
آليات التنفيذ: لقد عُرّف التنظيم بأنه تأسيس أو بناء العلاقات بين أجزاء العمل، مواقع العمل، والأفراد والعاملين من خلال سلطة فعّالة بهدف تحقيق الترابط وأداء العمل بطريقة جماعية منظمة وفعّالة. ومن هذا المنطلق فإن على الإدارة للتأكد من تحقيق هدف التنظيم أن تسترشد ببعض القواعد أو المبادئ التي من شأنها ضمان تحقيق أقصى فائدة منه، وعلى سبيل المثال فإن على الإدارة العمل على ما يلي:
1ـ تحديد الأهداف بشكل واضح.
2ـ تحديد السلطات والمسؤوليات من خلال الأدلة التنظيمية أو اللوائح وقواعد العمل.
3ـ تحديد دقيق لتوصيف الوظائف: مكوناتها، أعبائها، ومؤهلات القائمين بها.
4ـ تفويض السلطة أو الصلاحيات، حينما يتأكد للإدارة قدرة المفوض إليهم في ممارسة هذه السلطات وتحمل أعبائها.
5ـ تصميم الهيكل التنظيمي بشكل يحقق التفاعل الاجتماعي بين الأفراد ولا يضعهم في صناديق مغلقة.
6ـ أخيراً تصميم الوظائف بشكل يوفق بين متطلبات العمل الداخلي والظروف الداخلية والخارجية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
أريد المصدر والمرجع للمقالة التنظيم الاداري بالاسلام
-بتلاء النتيفي
13:04:27 2020-11-02