وقع بعقل .. واخرج بعاطفة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحقيقة أن هذا العنوان هو فائدة تعلمتها من أحد الإخوة الذين التقيت بهم مؤخراً في زحمة دنيانا.. وكان الحديث يومها يدور بيننا حول التعامل مع من نثق فيهم عند توقيع العقود للتوظيف.

وكانت الفكرة أن البعض منا حين حصوله على عرض لوظيفة من شخص يثق به فإنه يندفع في التوقيع على العقد والبدء في العمل دون أن ينهي كل الاتفاقات المادية التي تترتب على بدئه للعمل، ويكتفي كل طرف ببعض الكلمات الطيبة مثل:(لن نختلف، سنتفق على هذا لاحقاً) وغير ذلك من الكلمات.. ثم وحين تصفية الحقوق يحدث الخلاف وربما يصل الأمر إلى تبادل الاتهامات.. والمحاسبة على أبسط الحقوق التي يخجل الإنسان من ذكرها.. وفي أحسن الأحوال يشعر طرف منهما أنه قد ظلم من الآخر.

والمفروض أن يحدث العكس.. لنكن واضحين منذ البداية عند توقيعنا للعقود، مهما كانت ثقتنا في دين وأخلاق المقابل لنا.. ولنوقع العقد بعقل موضحين كل النقاط التي يجب علينا أن نقوم بها، والنقاط التي سنحصل عليها جراء قيامنا بعملنا.. ثم إذا أردنا أن نترك العمل لتبقى بيننا عاطفة الأخوة والمودة.. فنتسامح ويمكن أن نتنازل عن بعض حقوقنا كيوم إجازة وغيره من الأمور الصغيرة التي لا ينبغي أن تدخل بين الإخوة في تعاملاتهم.

إن هذه المنهجية في التعامل ليست أمراً خاطئاً.. بل لنا في سيرة الصحابة - رضي الله عنهم - الأسوة.. ففي أكبر الأمور كالتصديق بالرسالة جلس الأنصار مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يعرض دعوتهم عليهم، فآمنوا به وصدقوه.. وطلبوا منه أن ينتقل إليهم لينصروه ويؤسس الدولة الإسلامية.. ووقف صحابي منهم ليقول له يا رسول الله ومالنا؟ يعني أي شي سنناله لقاء هذه النصرة والحماية لك ومقاطعة الأهل؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجنة.. فقالوا قبلنا.. والله لا نقيل ولا نستقيل. وهكذا منذ البداية يكون الوضوح في التعامل.. ومن خلال هذا الوضوح يكون استمرار للمودة.

إن التعاملات المالية (والوظائف منها) تسفر عن وجوه وأخلاق الرجال.. والوضوح منذ البداية هو السبيل الأنجع لإغلاق الباب على الشيطان وسد كل المداخل التي يمكن أن يدخل منها لإفساد الود بيننا وبين من نحب.

ومن حق الموظف أن يسأل صاحب العمل (ولو كان زميلاً عزيزاً، أو أخاً وقريباً) عن مميزات الوظيفة، وعن راتبه فيها، وعن الأمن الوظيفي، والتأمين الصحي، وغير ذلك من الأمور المادية.. والسؤال عن هذه الأمور لا يعني بأي حال المساومة في الجودة، أو الرغبة في الدنيا لأجل الدنيا.

ومن حق صاحب العمل أن يعتذر عند طلب الموظف لمميزات أعلى من مستوى الوظيفة، أو حين تكون الطلبات غير معقولة أو مقبولة، دون أن يجرح أحد منهما الآخر.. ودون أن يفسد الود بينهما، أو تتغير النفوس، أو يتطرق سوء الظن في أحدهما.

أمران يفرضان علينا هذه المنهجية:

الأول: أن تكاليف الحياة المرتفعة والتي تزيد في الارتفاع دائماً تفرض علينا حداً أدنى نطلبه عند التوظيف من أجل معيشة مناسبة نشعر معها بالأمن.

الثاني: أن صاحب المال سيكون حريصاً على تقليل النفقة، ونظرته في هذا تجارية تصيب في بعض الأوقات وتخطئ في أوقات أخرى.. ولهذا لابد من معرفة كل التفاصيل ليبدأ الموظف عمله وهو آمن مدرك لكل الحيثيات التي حوله، مقتنعاً بها، أو في أقل الأحوال موفقاً عليها ولو لم تكن قناعته بها شديدة.

ولا ينبغي لطرف أن يوافق على طلبات الطرف الآخر سواء أكان الموظف أو صاحب المال إلا إذا مقتنعاً بها.. فالمجاملة والحياء في هذه الأمور ستظهر ولو بعد حين.. وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \"البيعان بالخيار مالم يفترقا\" إشارة تربوية لطيفة إلى الاتفاق بين كل الأطراف.. فإذا قررا أمراً وافترقا فقد وجب على كل منهما أن يلتزم بكلمته التي قالها.. سواء أكان التزاماً شرعياً بعقد، أو عرفياً بكلمة.

إذاً أنهي بالتنبيه على:

-           ضرورة الوضوح عند توقيع العقود.

-           المطالبة بحق الأطراف ليست مساومة في الجودة ولكنها حق طبيعي ليشعر الموظف وصاحب المال على السواء بالأمن، سواء الأمن الوظيفي، أو الأمن على سير أعمال المنشأة.

-           لابد من مراعاة واقع الموظف، لنضمن استمراره في عمله وتميزه في إنجازه.

-           نقدم حسن الظن بمن نتعامل معهم..فالأصل في قبولهم هو الكفاءة، ومن الأفضل أن تستمر هذه النظرة.

-           الصراحة منذ البداية دليل الكفاءة، والرغبة في العمل.. وليست دليل تهرب من أداء المهام.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply