بسم الله الرحمن الرحيم
من أعظم الصفات التي أعطاها الله لجميع مخلوفاته الإرادة، ففي كل مخلوق تجد فيه هذه الإرادة.
وتتفاوت هذه الإرادة بين المخلوقات تفاوتًا عجيبًاº ففي الحيوانات مثلًا تجد صورًا عجيبة من تفاوت الإرادة، فالحية تطلب ما حَفَرَ غيرها والعنكبوت منذ أن يولد ينسج لنفسه بيتًا ولا يقبل منة الأم، والغراب يتتبع الجيف، والصقر لا يقع إلا على الحي، والأسد لا يأكل البائت، والفيل يتملق حتى يأكل.
فصاحب الإرادة هو من له السيادة، فلذلك الأسد هو ملك الغابة، والصقر هو أقوى الطيور الجارحة.
إن الهوان حمار البيت يألفه *** والحر ينكره والفيل والأسد
ولا يقيم بدار الذل يألفها *** إلا الذليلان غير الحر والوتد
وخص الله الإنسان دون المخلوقات كلها بالتحكم في هذه الإرادة، والقدرة على توجيهها، ولذا فهي من أسرار تكريم الله للإنسان، فالإرادة كنز الأفراد الناجحين والأمم المتقدمة.
معظم الناس اليوم أصبحوا سجناء في حياتهم السلبية، التي تحد من أن يكون لهم أثر في حياتهم، هذا هو الوضع الذي نجد عليه الأمة كلها كبيرها صغيرها.
يصف الله حال من ضاعت همته وإرادته بقوله - سبحانه -: {وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذِيَ آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنهَا فَأَتبَعَهُ الشَّيطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ [175] وَلَو شِئنَا لَرَفَعنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَترُكهُ يَلهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ [176]} سورة الأعراف
ونحن على يقين راسخ أن كل إنسان على هذه الأرض لديه أصل الإرادة، وهي كنز محبوس داخلنا، ولكن الفرق بين إنسان وآخر هي القدرة على أخراج هذا الكنز أو القضاء عليه.
قال - صلى الله عليه وسلم -: [كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه]. صححه الألباني في صحيح الجامع.
فعندما ولدت أنا وأنت، كان أصل خلقنا على الفطرة، وأصل الفطرة أن الإنسان لديه إرادة يمكن أن ينميها أو يقضي عليها.
وهذا هو سؤالي لضعيف الإرادة: من طعن هذه الإرادة داخلك؟؟ من طعنني في إرادتي وأنا لا أشعر!!
إن أول الطريق لبناء الإرادة أن نعلم من أُتي بذلك السهم المسموم الصامت، الذي يعرف بـ\'التحدث إلى الذات\'
فإنك كثيرًا ما تسمع صوتًا بداخلك يتحدث، وكأنه شخص يتحدث إليك................................
وهذا السهم القاتل الذي دخل، وتسلل إليك لكي تحدث نفسك بهذه الأحاديث قد يكون له ثلاثة مصادر:
1- الوالدين [الدب الذي قتل صاحبه]:
فالوالدين لهما أكبر تأثير في التحدث مع ذاتك، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي ذكرناه، و يقول الدكتور تشاد هليمستر في كتابه \': [إنه في خلال ال18 سنة الأولى من عمرنا، وعلى افتراض نشأتنا وسط عائلة إيجابية إلي حد معقول، فإنك قد قيل لك أكثر من 148000 مرة \'لا\' أو \'لا تعمل ذلك\'].
تخيل 148000 مرة، وستصل دهشتك إلى ذروتها عندما تعلم إنه في نفس الفترة كان عدد الرسائل الإيجابية التي وصلتنا -تبعًا للدكتور هليمستر لا تتجاوز- 400 مرة، وهذا بالطبع يعني أن آباءنا وأمهاتنا لم يكونوا سيئين، ولكن للأسف لم يكونوا على دراية بأي طريقة أخري أفضل، لأنهم كانوا قد نشأوا وتبرمجوا على نفس المنوال بواسطة آبائهم، وبالتالي قاموا بتربيتنا بنفس الطريقة، وقاموا ببرمجتنا سلبيًا بدون قصد ولكن مع الحب، فالأب والأم لهم أعظم الأثر في ذلك.
وأحكي لك قصة توضح لك الأمر: لي صديق قد بلغ الآن سن 21 عامًا ولكنه محطم جدًا، ويعتقد بداخله أنه لا تأثير له في الحياة، وأنظر إليه، فهو في غاية من الحزن دائمًا، وقلما تجد الروح في وجهه، بل يعتقد أن الله قد خلقه بهذه الصفات، وأن غيره من أصدقائه أقوياء، لسان حاله يقول: \'فإن الله قد منحهم هذه الشخصية القيادية البارعة، وأما أنا فلا\'.
وفي يوم بدأ يحكي لي عن حياتهº فعلمت أنه لما كان صغيرًا كان أبواه ينظران إليه على أنه ليست له قيمة، وأنه قد يكون أقل عقلًا من أخيه الأكبر، وبدأت هذه الأشارات تترسخ في عقله الباطن \'أنت فاشل\'، \'انظر إلى أخيك العبقري وكيف يكون مستقبله الباهر، أما أنت فليس هناك أمل فيك\'.
وجاءت له الفرصة عندما خيَّب أخوه الأكبر العبقري أمال والديه، عندما لم يستطع أن يدخل إلى الكلية التي كان يرغب والداه أن يدخلها.
وهنا بدأ صاحبي يعيش حياة التحدي، ولكن مازالت هذه القناعات راسخة داخله أنه سيئ، فدخل في الثانوية العامة، وتحدى نفسه أن يحصل على مجموعٍ, عالٍ,، ويدخل إلي الكلية التي عجز أخوه الأكبر العبقري أن يدخلها.
وحارب من أجل أن يصل إلى هذا الأمر، واستطاع أن يحصل على درجة عالية، ويدخل إلى هذه الجامعة، وانتصر على نفسه و على أخيه وعلى أهله لأول مرة.
بالطبع في هذه اللحظة شعرت أنه قد قضى على مشكلته، وأنه لا بد وأن يكون قد شعر بالقوة داخله \'إنني أستطيع أن أفعل ما أريد\'، ولكن رجع بعد ذلك ليسيطر عليه هذا الإحساس في حياته \'إنني فاشل\'، \' أنا لا أستطيع\'، خاصة عندما يفشل في أمر جديد.
فما زالت في صاحبي حتى الآن هذه المحادثات القديمة أنت فاشل\'، \'انظر إلى أخيك العبقري وكيف يكون مستقبله الباهر، أما أنت فليس هناك أمل فيك\'، يعيش الآن في دوامة قاتلة من الهزيمة وقلة الإرادة.
يقول د/جيمس وويات وودسمول: [عندما نبلغ السابعة من عمرناº يكون أكثر من 90% من قيمنا قد تخزنت في عقولنا، وعندما نبلغ سن الواحدة والعشرينº تكون جميع قيمنا قد اكتملت واستقرت في عقولنا].
فعلمت حينها أن هذه السلبية أصبحت من قيم صاحبي التي يجب عليه تغييرها.
2- الأصدقاء:
يؤثر الأصدقاء بعضهم على بعض بطريقة جوهرية، حيث من الممكن أن يتناقلوا عادات سلبيةº كالتدخين والمخدرات وشرب الخمر وغيرها، ويعجز الشاب بعد ذلك عن البعد عنها بسبب التحدث السلبي للذات، الذي تعلمه من أصدقاءه: \'أنا لا أستطيع أن أبتعد عن....... \'.
وقد يكون غير ذلك، فقد يؤثر الأصدقاء على صديقهم سلبيًاº فينقلون إليه روحًا سلبية أو برمجة سلبية، وهم لا يشعرون والمثال على ذلك:
شاب صغير لم يتجاوز 13 من عمره يحكي لنا قصته فيقول: [كان لدي ثلاثة من الأصدقاء، أكبرهم يكبرني بثلاث سنوات، وكنا نعيش مع بعضنا البعض، وكنت أحبهم حبًا شديدًا.
كنا نحب القراءة في علم النفس وأسرار النفس البشرية، وفي يوم من الأيام جاء أحدهم باختبار في معرفة النفس البشرية، وقد قسم هذا البحث البشر إلي أربعة أصناف منها ما هو القوي، ثم الأضعف فالأضعف.
فيواصل قائلًا: فبدأنا نطبق هذه الصفات على أنفسناº فوجدنا أن صديقنا الأكبر هو أقوى الشخصيات، ثم الصديقين الآخرين، وكنت أنا صاحب أسوأ شخصية في هذه الشخصيات الأربعة على حد علمنا.
وبدأ أصدقائي يعملون على إثارة غضبي كنوع من الفكاهة، فكانوا كلما رأوا رجل ضعيف ذو مواصفات شبيهة بي يقولون: \'ستكون مثل هذا الرجل\'.
لم أتخيل أن هذا الكلام سيؤثر علي، ولكني رأيت نفسي أُصدِّق بأني أضعف أصدقائي وأني فاشل، وكنت أدعو الله ألا أكون مثل هذا الرجل الضعيف، وكنت كثيرًا ما أشعر بالإحباط، وأنني كلما دخلت مسابقة أو تحدي معهم كنت أشعر من قبل بدء التحدي أنني الأخير، و هذا دائمًا الذي كان يحدث.
أنا الآن قد تغلبت عليه، ولكن قد ينتابني هذا الشعور في بعض الأوقات، وكلما أتذكر هذه القصةº أعجب كيف أن هذا الكلام أثر عليَّ كل هذا التأثير؟
3- أنت قاتل نفسك:
بالإضافة إلى المصدرين السابقين، فإنك قد تضيف السلبية وقلة الإرادة إليك فهي نابعة منك أنت.
فانظر كيف تتحدث مع نفسك؟
نعم كل منا يتحدث مع نفسه، ألم تشعر يومًا أن بداخلك رجلًا يتحدث إليك؟!!
ألم تشعر يومًا أنه حدث لك صراع داخلي، ووجدت شخصين يتحدثان بعضهما إلى بعض؟!!
فهكذا قد تكون أنت السبب.
فقد ترى بعض الناس يقومون بإرسال إشارات سلبية لعقلهم الباطنº \'أنا لا أستطيع\'، \' أنا لا أحب\'، \'أنا خجول\'، \'أنا ضعيف\'.
يقول د/هلميستر: [إن ما تصنعه في نفسك سواء كان سلبيًا أو إيجابيًا ستجنيه في النهاية]
ولذلك تصبح هذه الإشارات بعد ذلك اعتقادًا جازمًا داخل هذا الشخص، وهذا يؤثر على تصرفاتهم بعد ذلك.
وهناك نموذج آخر لقتل الإرادة في النفس يفعله الكثير، فتجده يقول: \'أنا أرغب في التغيير ولكن لا أستطيع\'، وللأسف فإن الكلمة \'لكن\' تمحو جميع الأشارات الإيجابية التي سبقتها، فلا يبقى من كلامنا إلا هذه الكلمة السلبية التي تلي كلمة \'لكن\'، وهنا يصبح خطابك لنفسك هو \' أنا لا أستطيع\'.
وأخيرًا، فإن أولى خطواتنا من أجل تحقيق الإرادة داخلنا \'كن فطنًا\'.
فيجب أن نعرف من أين هذا السهم القاتل؟ من جعل في داخلي هذه السلبية؟ من غير فطرتي التي فطرني الله عليها؟
الوالدين!! الأصدقاء!! أم أنا قاتل نفسي!! أم من...... !!
وهكذا نكون قد وضعنا أرجلنا على أول الخيط، وبعد ذلك نخطوا الخطوة الأولى لبناء الإرادة، ولكن تذكر......
يقول أرست هولمز: [أفكاري تتحكم في خبراتي، وفي استطاعتي توجيه أفكاري].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد