كيف تصبح شخصية فعالة ( 7 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما زلنا معك أيها القارئ الكريم في رحلة البحث حول مركز اهتمامك في الحياة، كخطوة ضرورية لوضع رسالتك في الحياة، والتي هي المكون الرئيس للشخصية الفعالة، وقد استعرضنا معا مركزين من تلك المراكز الأساسية التي يجعلها الناس محورا لاهتماماتهم في الحياة، وهما: 1- العمل 2- المال..

 

 ونواصل في هذا المقال استعراض بقية المراكز إن شاء الله..

 

[3] المتعة واللهو والترفيه:

وكثير من الناس أيضًا يضع المتعة كهدف رئيس له في الحياة، فيقضون أوقاتهم في مشاهدة البرامج الترفيهية في التليفزيون أو المسارح والملاهي، أو ألعاب الكمبيوتر أو الذهاب إلى السينما وغير ذلك من أنواع اللهو سواء أكان حلالاً أم حرامًا.

 

ولا شك أيضًا أن وجود بعض الترفيه المباح الذي لا يتعدى حد الاعتدال هو أمر مهم لتحقيق الصحة النفسية والتوازن في حياة الإنسان، لاسيما بعد العمل المرهق، أو الانشغال بمشاكل الحياة المعقدة.

 

  ولنا في مشهد حنظلة وأبي بكر معينًا على فهم القاعدة في التعامل مع اللهو والترفيهº حيث يحكي حنظلة الأسدي فيقول: [لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله، ما تقول؟! قال: قلت: نكون عند رسول الله صلي الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عنده انشغلنا بالأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا. فقال أبو بكر: وإني ألقى مثل الذي تقول، هيا بنا إلى النبي صلي الله عليه وسلم. فشكيا إليه ما يجدان، فهدأ من روعهما وقال لهما: [[...يا حنظلة ساعة وساعة]][1].

 

ولكن اللهو في حد ذاته لا يحقق أي سعادة دائمة باقية في حياة الإنسان، فالشخص الذي يمضي أغلب وقته في المتعة واللهو سيمل منه ويسأمه فيطلب مستوى أعلى من المتعة واللهو، وهكذا حتى يمل من كل شيء فلا يجد في النهاية ما يمتعه أو يسليه، ويفقد إحساسه بقيمة الحياة.

 

وقد تأخذه فنون اللهو من الأفلام والمسلسلات إلى التعلق بعالم من الأوهام والخيالات لا يوجد إلا في شاشات السينما، فيفقد إحساسه تدريجيًا بالواقع الذي يعيش فيه، وبالطبع فإن هذا سوف يؤثر على إنتاجيته وإحساسه بالمسئولية تجاه عمله وبيته وأسرته وأصدقائه[1].

 

وهكذا يضيع حياته ذاتها هباء دون أن يدري، وقد يجره سأمه من أنواع اللهو البريء المباح إلى أن يطلب اللذة في لهو محرم.

 

ومن ثم يصدق فيه قول الله تعالى [أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا] [الفرقان: 43]. وإذا وصل إلى ذلك فقد حاز الشقاء في الدنيا والآخرة - والعياذ بالله -.

 

[4] الزوج أو الزوجة:

  إن الزواج لاشك أحد أهم العلاقات الإنسانية التي تسعد الإنسان وتشعره بالراحة والاستقرار، والسكن والمودة والرحمة.

 

  كما قال - تعالى -: [ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون] [الروم: 21].

 

  ومن الطبيعي ـ بل ومن الواجب ـ أن يهتم كل إنسان بزوجه اهتمامًا خاصًا، كما هي وصية النبي صلي الله عليه وسلم: [[خيركم خيركم لأهله]][1].

 

  ولكن إذا وضع الإنسان زوجه في مركز اهتمامه الوحيد في الحياة، فإن ذلك لابد أن يقوده إلى التبعية وعدم الاستقلال، بحيث يعتمد عاطفيًا على شريك حياته، فيستمد إحساسه بالسعادة، وثقته بنفسه من زوجه، فيصبح نهبًا للتقلبات العاطفية أو المزاجية لنصفه الآخر، وإذا ما حدث انفصال ـ لا قدر الله إلا الخير ـ لسبب أو لآخر، فإن حياة الإنسان تتحطم، ويفتقد الإحساس بقيمته في الحياة، ويقول أحد الحكماء: [لا تصنع لزوجتك محرابًا تتعبد لها فيه، فإنك إن فعلت ذلك فلن تسلم من طغيان إلهك الجديد].

 

وقبل ذلك يرشد سيد الخلق - عليه الصلاة والسلام - إلى المنهج القويم في العلاقات العاطفية عامة والزوجية خاصة، فيقول: [[أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما]][2].

 

وقال عمر - رضي الله عنه -: [لا يكن حبك كلفًا، ولا بغضك تلفًا] [1].

 

  وبالطبع ما ينطبق على الزوج فإنه ينطبق على الزوجة، وما نرفضه هنا هو التبعية العمياء وعدم الاستقلال وضعف الشخصية، تلك الأمور التي تغري الطرف الآخر بالطغيان وسوء الاستغلال، وعندها تصبح العلاقة بين الزوجين غير متوازنة على الإطلاق.

 

  فينبغي للمحب [من زوج أو زوجة] أن يتوقى الإفراط في المحبةº [فإن الإفراط داع إلى التقصير، ولئن تكون الحال بينهما متنامية، أولى من أن تكون متناهية][2].

 

  أما حد الاعتدال الذي وضعه الشرع الحنيف فهو الذي يلزم كل طرف بواجبات، ويجعل له حقوق بإزائها، بما يحفظ لكل من الزوجين شخصيته السوية، فالمطلوب إذن أن يؤدي كل طرف واجباته، ويأخذ حقوقه، ويهتم بالطرف الآخر كما أمرته الشريعة، ولا يجعل من شريكه صنمًا يتعبد له في محرابه.

 

فالزواج مهما بلغت أهميته فإنه أيضًا وسيلة لتحقيق العفة والسعادة والاستقرار، ولكنه ليس بغاية يحيا من أجلها الإنسان.

 

[5] العائلة أو الأسرة:

من الواجب على كل إنسان أن يهتم بأسرته وعائلته، يقول النبي صلي الله عليه وسلم: [[كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته]][1].

 

وعندما يكلأ المؤمن أسرته برعايته فإن ذلك يعطيهم الفرصة للشعور بالحب والتعاطف والرحمة والمودة وغيرها من تلك المشاعر الإنسانية السامية والتي تشعر الإنسان بالراحة والسعادة، كما أن كل وقت يقضيه الإنسان مع أسرته وأولاده هو استثمار للمستقبل يساعد على تطورهم ونموهم، ويسهم في سعادة الأسرة جميعها على المدى القصير والطويل معًا.

 

ولكن أن يضع الإنسان أسرته فقط في مركز اهتمامه الرئيس بحيث يعيش لهم فقط، فإن ذلك لن يكون في مصلحته ومصلحتهم على المدى الطويل، فإن الحب المفرط للأولاد إلى حد الشغف الشديد بهم قد يعمينا أن نحسن تربيتهم، ويجعلنا نفرط في تدليلهم وتنفيذ رغباتهم، وإعطائهم كل ما يريدون من مال، حتى يشبوا مرفهين مدللين لا يقدر أحدهم على مواجهة مصاعب الحياة، ولا يستطيع الاعتماد على نفسه، وتحمل المسئولية بمفرده، كما أن أولادك حتمًا سيكبرون ويتزوجون، وينفضون من حولك، وساعتها إذا كنت قد جعلت أسرتك هي مركز اهتمامك الوحيد، فإنك ستشعر بفقدان قيمتك الذاتية وأن دورك في الحياة قد انتهى.

 

وعلى ذلك فلا تصلح الأسرة أن تشكل مركز اهتمامنا الوحيد والرئيس[1].

 

[6] الذات:

وكثير من الناس أيضًا يجعل من نفسه مركز اهتمامه الوحيد في هذه الدنيا، فيتمحور حول ذاته، ولا يهتم إلا بشخصه، وبصحته وسعادته، ولا يصرف أي اهتمام لغيره إلا بمقدار ما يستفيد منه لذاته.

 

وهذا هو الإنسان الأناني الذي يضع ذاته قبل أمته وأسرته وأصدقائه وأقرب الناس إليه، فهو يأخذ دائمًا ولا يعطي، وهذا الصنف من الناس فوق أنه يكسب كراهية كل من حوله، فإنه أيضًا لا يشعر أبدًا بسعادة حقيقية، [فكثيرون لديهم فكرة خاطئة عن الشيء الذي يشكل السعادة الحقيقية، إن السعادة لا تتحقق عن طريق إشباع المرء لذاته أو إشباعه لرغباته، وإنما عن طريق إخلاصه لهدف قيم][1].

 

 [7] القيم والمبادئ:

يقول المثل الصيني: [العقول الصغيرة تناقش الأشخاص، والعقول المتوسطة تناقش الأشياء، والعقول الكبيرة تناقش المبادئ][2].

 

إن الأمر الوحيد الذي يستحق أن يجعله الإنسان العظيم مركز اهتمامه الرئيس في هذه الحياة هو القيم والمبادئ القويمة، ذلك أن الذي يبني حياته على أساس القيم، إنما يبنيها على أساس متين لا يمكن أن يتزعزع مهما تغيرت الظروف، حيث إن المبادئ القويمة لا تموت، فهي ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والأحوال، ولا تتبدد كالأموال.

 

ولذلك فإن الشخص صاحب المبادئ يعيش حياة آمنة مستقرة غير مهددة بالضياع والتذبذب، بخلاف من يعيش من أجل أشياء صغيرة، كالمال أو الزوجة أو الأسرة أو الذات، وغير ذلك من الأهداف المتغيرة بتغير الظروف والأحوال.

 

لا شك أن المبادئ القويمة إنما تحض الإنسان على الاهتمام بنفسه وأسرته وعمله، ولكن دون تفريط أو إفراط، ودون الإخلال بالمبادئ التي تشكل الاهتمام الأول للإنسان الحكيم العاقل.

 

إن اهتمام الإنسان بالمبادئ القويمة يحرره من الخوف والقلقº لأنه يستند إلى قاعدة صلبة لا تتوفر لمن يقدس الثروة أو الزوجة أو العمل، إنها تعطيه قوة تنبع من إيمانه بذاته وقدراته، فهو يستطيع أن يبدأ دائمًا من جديد حتى لو فقد عمله أو ماله، كما يستطيع أن يتقبل الصدمات بصبر وعزيمة لو فقد عزيزًا عليه، فلا يقتله الحزن أو يفقد الأمل في الحياة مهما صادفه من عقبات[[1]]. وفي المقال القادم إن شاء الله نهديك استبيانا عمليا يمكنك من تحديد مركز اهتمامك في الحياة، في دقة ووضوح، بحيث تكون بعدها مستعدا تماما لوضع رسالتك في الحياة.

 

----------------------------------------

[1] جزء من حديث رواه مسلم، كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، رقم: 4937.

 

[1] [العادات السبع لأكثر الناس فعالية]، ستيفن كوفي ص [73، 74]، بتصرف وزيادة واختصار.

 

[1] رواه الترمذي، كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي e، رقم: 3830. وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم: 3314.

[2] رواه الترمذي في البر والصلة، رقم: 1997. وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم: 178.

 

[1] رواه البخاري في الأدب المفرد، رقم: 1322º وفيه: فقلت [القائل: أسلم]: كيف ذاك؟ قال: إذا أحببت كلفت كلف الصبي، وإذا أبغضت أحببت لصاحبك التلف. وصححه الألباني إسناده في صحيح الأدب المفرد، رقم: 993.

[2] أدب الدنيا والدين، ص [177].

 

[1] رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحهº منها: كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، رقم: 844، وكتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق، رقم: 2368، وباب العبد راع في مال سيده، رقم: 2371. ورواه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، رقم: 3408.

 

[1] [العادات السبع لأكثر الناس فعالية]، ستيفن كوفي، ص [77، 78] بتصرف واختصار.

 

[1] [قوة الأهداف اقتباسات إدارية للانتقال إلى مستويات أعلى في الحياة]، كاثرين كارفيلس، ص [19].

[2] [صناعة النجاح]، د. طارق السويدان والأستاذ فيصل باشراحيل، ص [86].

 

[1] العادات السبع لأكثر الناس فعالية، ستيفن كوفي، ص [78، 79]، بتصرف واختصار.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply