آلام متصاعدة ( 1 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إدراك الحاجة إلى التغيير التنظيمي وتقييمها

عندما تخفق منظمة ما في تحقيق النجاح الكامل في تطوير الأنظمة الداخلية التي تحتاجها في مرحلة محددة، تبدأ بمعاناة ما يسمى بالآلام التنظيمية أو \"آلام متصاعدة\". الآلام المتصاعدة هي أعراض تعاني منها كل منظمة تمر في طور التحول أو النمو. تتحرى هذه المقالة بالتفصيل أكثر الآلام المتصاعدة التنظيمية شيوعاً، كما أنها تناقش إلى أي مدى تعتمد أحجام وأنواع العمل المختلفة التي تمر بمرحلة الآلام المتصاعدة على البيانات والمعلومات التي تم تجميعها على مدى السنوات العشرين السابقة.

 

الآلام التنظيمية المتصاعدة العشرة الأكثر شيوعاً

تمر التنظيمات أثناء نموها بالعديد من الآلام المتصاعدة التي تشير إلى أن شيئاً خاطئا ما يحصل في عملية التطور التنظيمي.

 

من أكثر الآلام التنظيمية شيوعاً في التنظيمات المعاصرة:

1. أن يشعر الموظفون أنه \"لا يوجد ساعات كافية في اليوم\".

2. أن يمضي الموظفون وقتاً طويلاً في\" إخماد النيران\"

3. عدم توفر معلومات لدى الموظفين عن ما يقوم به الآخرون.

4. عدم دراية العاملين في الشركة إلى أين تتجه شركتهم.

5. القليل جداً من المدراء الجيدين داخل الشركة.

6. أن يتملك الموظفين شعور المسؤولية المطلقة: \"يتوجب علي القيام بالعمل بنفسي إذا أردت أن يتم على أكمل وجه\".

7. تقييم الموظفين للاجتماعات على أنها ليست أكثر من مضيعة للوقت.

8. القليل جداً من المتابعة عند وضع المخططات، وبالتالي لا يوجد إنجاز.

9. العامل أو الموظف لا يأمن على ثباتية مكانته في الشركة.

10.  تستمر الشركة بالنمو في المبيعات ولكن ليس في الأرباح.

 

نتناولها بالتفصيل:

1- أن يشعر الموظفون أنه \"لا يوجد ساعات كافية في اليوم\".

من أكثر الآلام التنظيمية المتصاعدة شيوعاً الشكوى الدائمة بأنه لا يوجد وقت كاف. يشعر الموظفون أنه بإمكانهم أن يعملوا أربعاً وعشرين ساعة في اليوم، وسبعة أيام في الأسبوع، ومع ذلك لا يتوفر لديهم الوقت اللازم لإنجاز المهام المترتبة عليهم. يبدؤون بالتشكي من الضغط المتزايد، والعبء الكبير. يشعر العاملون على المستوى الفردي، والأقسام على المستوى الجماعي بأنهم يحاولون اللحاق بالركب ولكنهم لا ينجحون أبداً. كلما ازداد العمل الذي يقومون به كلما بدا وكأن هناك المزيد، دائرة مفرغة لا نهاية لها، يشعر الموظفون وكأنهم يجرون على بساط كهربائي.

 

تبدو آثار هذا الشعور على المدى البعيد. بدايةً، يولّد شعور الموظفين بأنهم يعملون فوق طاقتهم ودون جدوى مشاكل نفسية ومعنوية. وقد تتزايد الشكاوىº ومن ثم يبدأ الموظفون بمعاناة أمراض جسدية ونفسية. هذه الأمراض الجسدية والنفسية تؤدي إلى التغيب المتزايد عن العمل، مما يؤدي في النهاية إلى نقصان في إنتاجية الشركة. في النهاية، وببساطة، يقرر الموظفون أنه ليس بإمكانهم العمل في ظل ظروف كهذه، وقد يغادرون الشركة. ينتج عن هذا الوضع تكاليف إنتاج كبيرة وتكاليف استبدال تتضمن اختيار و تدريب عناصر جديدة.

 

 عندما يكون لدى العديد من الموظفين شعور بأنه لا يوجد وقت كافٍ, في اليوم، فإن أكثر من يعاني من نتائج هذا الشعور هو صاحب العمل سواء كان مديراً عاماً أم مالكاً. قد يعمل صاحب العمل، الذي يشعر أنه هو المسؤول في النهاية عن نجاح الشركة أو فشلها، 16 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع، في محاولة لإبقاء الشركة تعمل بشكل فعال يضمن نموها. ومع تنامي حجم الشركة يبدأ صاحب العمل يدرك بأنه لن يتمكن من السيطرة على جميع فعاليات الشركة، مما ينتج عنه كم هائل من الضغط النفسي.

 

2. يمضي الموظفون وقتاً طويلاً في\" إخماد النيران\"

يتمثل البند الثاني من الآلام التنظيمية الأكثر شيوعاً في الوقت الطويل الذي يستغرقه العمل في حل الأزمات القصيرة المدى، وهو ما يدعى \"إطفاء النيران\". غالباً ما تنشأ هذه المشكلة عن غياب التخطيط الطويل المدى، ونموذجياً عن غياب الخطة الاستراتيجية. يعيش الموظفون على المستوى الفردي والتنظيم ككل يومهم الحاضر فقط دون توقعات لما قد يكون في الغد، والنتيجة نقص في الإنتاجية والفعالية والتأثير التنظيمي. الأمثلة على مشكلة إخماد النيران كثيرةº ففي بعض الشركات يسبب نقص التنظيم تدفق الطلبيات بشكل غير مدروس وزائد عن الإنتاجية المحددة، مما يؤدي إلى تزايد الضغط على الموظفين. تضطر الشركة إلى استئجار موظفين في عطلة نهاية الأسبوع وفي الأمسيات لتوصيل طلبيات متراكمة، البعض منها فات ميعاده. في شركات أخرى، يسبب النقص في التنظيم أزمات قصيرة المدى. على سبيل المثال تكون نتيجة القصور التنظيمي نقص في مندوبي المبيعات، وهذا النقص ينشأ عنه اضطرار الشركة إلى استئجار أفراد جدد ووضعهم في العمل فوراً دون تدريب كاف. هذا يؤدي إلى خلل في الإنتاجية على المدى القصير، لأن الموظفين الجدد لا يمتلكون المهارات الضرورية لرجل المبيعات.

 

إخماد النيران أمر شائع جداً في الشركات الإنتاجية التي يتعدى إنتاجها 50 مليون دولار والذي يطلق مدراؤها على أنفسهم لقب \"مكافحو النيران\". في هذه الشركات يكافئ المدراء من المستوى العالي المدراء المتوسطين بسبب مهاراتهم في التعامل مع الأزمات، ولكن الطريف بالأمر أنه عندما يتبين قصور في مكافأة المدراء الذين يعملون على تفادي النيران، يلجأ هؤلاء على إشعال النيران عمداً ليقوموا بإخمادها فيصبحون محط اهتمام مدرائهم!

 

3. عدم توفر معلومات لدى الموظفين عن ما يقوم به الآخرون.

من الآلام التنظيمية أيضاً أن لا يعرف العاملون طبيعة عملهم بالتحديد، وعلاقة عملهم بأعمال الآخرين. يؤدي هذا إلى ممارسة الموظفين والأقسام الأعمال بطريقة مزاجية متعذرين بأن \" هذه المهام ليست مسؤوليتنا\"، مما يعني مشاجرات مستمرة بين الموظفين والأقسام على المسؤوليات، ويصبح التنظيم مجموعة من الوحدات المنعزلة.

 

تنشأ هذه المشكلة غالباً عن القصور في تحديد الأدوار والجداول المخصصة لأعمال الموظفين ومسؤولياتهم، وبالتالي العجز عن بناء الفريق الفعال. من جهة أخرى يؤدي انعزال الأقسام عن بعضها إلى تكرار في إنجاز الأعمال والتي تبقى نهايتها مفتوحة غير تامة، والسبب هو أن \"إتمامها مسؤولية غيري\"....

 

4. عدم دراية العاملين في الشركة إلى أين تتجه شركتهم.

هنا لا يدري الموظفون إلى أين تتجه الشركة. يشتكي الموظفون من أن الشركة \"ليس لها هوية محددة\" فهم إما يلومون الإدارة العليا لعدم تقديم معلومات كافية حول الاتجاه المستقبلي للشركة، أو وهو الأسوء، يميلون إلى الاعتقاد بأن الإدارة العليا في الشركة نفسها لا تعرف ما هو الاتجاه الذي تسير فيه. تعود هذه المشكلة في أصلها إلى وجود خلل في عملية التواصل.

 

كانت هذه إحدى المشكلات المصيرية في مختبرات فانغ والتي أدت إلى استقالة فريدريك فانغ ابن رئيس الشركة \"آن فانغ\". يبدو أن الإدارة العليا في مختبرات فانغ قد فشلت في تطوير استراتيجياتها للحصول على فرص تسويقية أكبر، مما أدى إلى عدم وضوح الرؤيا أمام مندوبي المبيعات بشأن السوق التي تريد فانغ أن تتبعها.

 

عندما يتلاقى الاتصال غير الكافي مع التغييرات السريعة، كما هي الحال غالباً مع الشركات التي تعيش حالة التطور والنمو، يبدأ القلق والخوف يتسربان إلى نفوس الموظفين. ومن أجل التغلب على هذا القلق يلجأ الموظفون إلى أحد حلين، إما أنهم يبنون شبكاتهم الخاصة التي تأتي لهم بالمعلومات التي يرغبون في الحصول عليها، أو أنهم يميلون إلى الاعتقاد بأنهم يعرفون توجه الشركة بالرغم من أنهم لم يستقوا معلوماتهم من الإدارة العليا. في حال ازدياد القلق إلى حد يصبح من الصعب أو المستحيل تحمله يبدأ الموظفون بمغادرة الشركة... أمر مكلف جداً وعبء كبير على موارد الشركة!

 

5. القليل جداً من المدراء الجيدين.

بالرغم من احتواء الشركة على الكثير من الموظفون الذين يحملون لقب \"مدير\"، إلا أنه من المحتمل جداً أن لا يكون منهم من يستحق لقب \"المدير الجيد\". قد يتشكى المدراء من وجود الكثير من المسؤوليات الملقاة على عاتقهم وعدم امتلاكهم السلطة، وقد يتشكى الموظفون من فقدان التوجيه والتغذية الراجعة التي يُفترض أن يقدمها لهم مدراؤهم. قد يلاحظ التنظيم تفاضلاً في إنتاجية الأقسام المكونة له: البعض أكثر والبعض أقل... وقد يكون التنظيم مصاباً بداء المدراء المتذمرين الذين يشتكون باستمرار من أنهم لا يمتلكون وقتاً لإتمام مسؤولياتهم الإدارية لأنهم مشغولون دائماً بمضاعفة الأعمال. عندما يحدث أي من الأمور التي ذكرناها، أو كلها، فهذا يعني أن هناك خللاً ما في مكان ما في التنظيم.

 

قد تكمن المشكلة في ترقية الشركة لمدمني العمل الناجحين في مختلف الأقسام إلى مرتبة المدير على اعتبار أهم سينجحون في أداء هذا الدور كما نجحوا في أداء أدوارهم في عملهم السابق. على أن الأمر في حقيقته مختلف، فهذان الدوران يحتاجان إلى مهارات مختلفة، وبدون تدريب مناسب سيفشل المنجزون النشطاء في أداء دور المدراء، لأن ميلهم إلى إنجاز الأعمال باستمرار سيظهر على حساب مهارات التفويض والتنسيق مع فعاليات الآخرين. وفي ظل مدير كهذا تظهر شكاوى المرؤوسين من أنهم لا يعرفون ما الذي يتوجب عليهم إنجازه.

مشاكل كهذه تعني أن التنظيم لا يكرس ما يكفي من الموارد لتدريب وتطوير المواهب والكفاءات الإدارية، بتعبير آخر هو يعتمد على التدريب على الأعمال أكثر من اعتماده على برامج تطوير الإدارة. على سبيل المثال، خلال أيام النمو التي شهدتها شركة أشتون تيت Ashton-Tate تضاعف المدراء فيها بسرعة تشابه تلك التي تتكاثر فيها الأرانب. يقول أحد المدراء: \"تم الاتفاق معي واستدعيت للشركة حيث اصطُحبت إلى القسم الذي سأكون مسؤولاً عنه. قال لي المرافق: هذا هو قسمك اعمل على تشغيله‘ \". وبشكل مشابه دفع النمو السريع الذي شهدته شركة آبل بستيفن جوبز Steven Jobs إلى استدعاء مدراء محترفين بما فيهم جون سكاللي John Sculley للمساعدة في إدارة الشركة، والسبب في هذا هو أن الشركة لم تطور كادراً إدارياً في فترة النمو.

كذلك، قد تنشأ المشاكل الإدارية عن القيود التنظيمية الحقيقية أو المفترضة التي تحد من سلطة المدراء. إن الشعور بأن الإدارة العليا هي فقط المسؤولة عن صنع القرار أمر شائع في الشركات التي تجري نقلة نحو الإدارة الاحترافية، أما احتكار صنع قرارات الشركة برمتها من قبل صاحب الشركة فقد أصبح تقليداً بالياً!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply