بسم الله الرحمن الرحيم
إن الذي دفعني لهذه الكتابة هو:
أولا: حديث بعض وسائل الإعلام عن علاقة التحصين(في الطب المعاصر)بالصهيونية التي لا تأتي بخير لبلاد المسلمين.
ثانيا: انتشار ما يعرف بالطب البديل (الوقائي والعلاجي) دون تقنين علمي صحيح (لا شرعا ولا عقلا) لكثير من فروعه.
ثالثا: اهتمامي بالبحث عن المنهج الصحيح للإسلام في الطب الوقائي والعلاجي.
إن آلية البحث العلمي عند المسلمين تكون بطريقتين:
الأولى بالمنهج الشرعي القطعي (أي بالنقل الصحيح من الكتاب والسنة).
الثانية بالمنهج التجريبي الظني (أي بالعقل الصريح وليس بما يسمى بالإستبطان).
التحصين في الشريعة الإسلامية:
أجمع العلماء(1) على التعوذ (أي التحصن أو الوقايه من المكروه قبل وقوعه)، ويستحب أن يتحصن من كل شيء يخافه الإنسان من الإنس والجن(2) أو غيرهما. إن هدي الإسلام في الطب الوقائي قد جاءنا مفصلا من عند الله - سبحانه وتعالى - خالق الداء والدواء ومنزل الشفاء. ونفعه للبشرية قطعي ثابت بالأدلة الشرعية الصحيحة وليس له أي مضاعفات جانبية. لذا علينا أن نبدأ به الوقاية دائما. لأن العبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة(3) بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره. بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروعº فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه، ويكمل إسلامه(4).
قال - تعالى -: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السٌّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ)(5). وقال - صلى الله عليه وسلم -(...وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله... )(6). كما قال - صلى الله عليه وسلم -(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)(7).
وقال الإمام الشافعي في ديوانه:
كـل العلـوم سـوي الـقـرآن مشغـلـة * إلا الحديـث وعلـم الفقـه فـي الـديـن
علـم مـا كــان فـيـه قــال حدثـنـا * وما سوي ذلك وسواس الشياطين(8).
التحصين في الطب المعاصر:
أما التحصين أو التطعيم، في الطب المعاصر، فقد أُثبت نفعه بالبحوث التجريبية الظنية التي قد يعتريها التغيير. لذا لا يجوز أن نجزم بالفائدة القطعية له ونلزم به جميع الناس. فهو قد يفيد في الوقاية من الأمراض وقد لا يفيد وقد تصاحبه بعض الآثار الجانبية الضارة. والرسالة التي يوجهها الإسلام في مثل هذه الأمور الظنية هي أن يستخير الفرد، المعني، ربه - سبحانه وتعالى - بالطريقة المأثورة عن رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -. ثم بعد ذلك يحدد هل يقوم بالفعل أم يتركه.
نماذج من هدي الإسلام في الوقاية من الأمراض:
إن الوقاية في منهج الإسلام تبدأ بالمحافظة على الصحة بتناول الطيبات من الطعام والشراب(خاصة عسل النحل) مع عدم الإسراف فيهما.
كذلك يكون التحصين بالاستعاذة وقراءة القرآن والأدعية الثابتة عن رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -. عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيها: (قل هو الله أحد) و(قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات))(البخاري: 9/63). وأشار الإمام ابن القيم إلى أن في المعوذتين الاستعاذة من كل مكروه جملةً وتفصيلا... وأن لهما شأن عظيم في الاحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإنَّ البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان)(مسلم: 3/68).
كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء))(رواه الترمذي، رقم (3385).
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين بقوله: ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) ويقول: (إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل واسحق))(البخاري: 6/386).
كما تكون الوقاية أيضا بالالتزام بالأوامر الإلهية الأخرى كتعلم العلم الشرعي والمحافظة على الطهارة وعلى الصلوات والعبادات الأخرى والصبر على الإبتلاء والتوبة والاستغفار والبعد عن المعاصي وعن البدع والأهواء قال - تعالى -: (أَلآ إِنَّ أَولِيَآءَ اللهِ لاَ خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ البُشرَىَ فيِ الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفيِ الآخِرَةِ)(يونس: 6264).
نسأل الله - تعالى -أن يوفق كوكبة من العلماء، من أطباء وفقهاء وغيرهم، للقيام بجمع المنهج الصحيح للإسلام في مفهوم الموت والبعث وأسباب المرض وطريقة الوقاية منها وعلاجها. ونسأله - تعالى -أن يعينهم على نشر هذا المنهج بين الكوادر الطبية المختلفة وبين عامة الناس كتثقيف صحي وعبادة تنفعهم في دينهم ودنياهم.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
-----------
هامش:
(1) الفواكه الدواني: 2/434، المجموع شرح المهذب: 4/522.
(2) فبالإضافة للوقاية من الأسباب المادية المعروفة بالمنهج التجريبي، هنالك أيضاً الوقاية من الأسباب الغيبية الثابتة بالنقل الصحيح من القرآن والسنة، مثل العين والسحر والحسد.
(3) وإن كانت مباحة.
(4) تحريم مشاركة الكفار في أعيادهم، لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(5) الأنعام: 153.
(6) صحيح مسلم، باب الحج، حج النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(7) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه الحاكم وقال على شرط الشيخين.
(8) وهذا يعني أن على المسلم أن يجتهد في تأصيل كل العلوم المعاصرة بالرجوع إلى ما قال الله - تعالى -وبما حدث به رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد