المبدعون في الإدارة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 قد يحتار المرء في إعطاء تعريف واضح ومحدد للإبداع الإداري وذلك لأن الإبداع خاصية مركبة تتكون من مجموعة كبيرة من الخصائص والصفات الجميلة، وهذا ما يفسر الخلط الواضح بين عدة مفاهيم لها صلة بالإبداع كالخلق والتجديد والأصالة والابتكار وقبول التحدي والثقة بالنفس.. الخ.

 

 وكمحاولة لفهم الإبداع علينا أن نعرف من هو المدير المبدع؟ كيف يتصرف؟ ماذا يعمل؟ كيف يتخذ القرارات ويعالج المشاكل؟

 

 بداية الإبداع هي أن يضع المدير يديه وعينيه وكافة حواسه الخمس على المشكلة الحقيقة فدائماً نقول أن معرفة المشكلة الحقيقة هو نصف الحل، وكثير من المديرين يلف ويدور ويغرق في معالجة مشاكل ليست هي المقصودة أو أساس البلاء كما أن حلها قد لا يشكل حلاً حقيقياً ونهائياً للوضع المتأزم، في حين المدير المبدع يعرف مباشرة وبمجهود خلَّاق ما هي المشكلة؟ ولا يغرق في المشاكل الصغيرة أو المتطفلة أو الروتينية أو أعراض المشكلة الأم وعليه فانه سينتقل بسرعة إلى مرحلة البحث عن المعلومات وحلول في حين يكون المدير الغير مبدع يضرب أخماساً في أسداس ويندب حظه العاثر مع هذه المشكلة العويصة.

 

 أثناء جمع المعلومات لا يميل المدير المبدع إلى المعلومات الميسرة أو السهلة أو الانتقائية أو تلك التي تدعم التوجه نحو حل معين سواء كان حلاً مفروضاً أو مرغوباً.. ولكنه يبقى جميع الأبواب مفتوحة على مصراعيها ويجعل جميع النوافذ مشرعة بدون خوف أو وجل.. ويتقبل كذلك الآراء المختلفة ووجهات النظر المعارضة لأنه يملك الثقة ويعرف جيداً أن الرأي المخالف لرأيه لا ينتقص من قدرة قيد أنملة ولا يقلل من قدراته وإمكاناته شيئاً البتة.

 

 ويدرك ممارسوا الإدارة كحرفة أن الآراء المضادة دائماً ما تكون \" فاتحة خير \" وبادرة معلوماتية \" لا يستهان بها ويعرفون أيضاً أن العمل الإداري لا ينجح وسط الأجواء المكهربة والأنفاس المكتومة والآراء المخنوقة حتى الرمق الأخير.. لعلهم أيضاً يقتنعون بأن أسوأ أنواع المشاركين في الاجتماعات والمساهمين في مناقشة المشاكل والقرارات والحلول هم أولئك الذين \" يهزون \" رؤوسهم فقط بدون مداخلات قيمة وأراء سديدة.

 

 ولنأتي الآن إلى الحل، المدير المبدع يطور عادة حلولاً ابتكارية لم يسبقه إليها أحد وفيها الكثير من التجديد والجدة والتحدي والبراعة ويكسوها شيء من اللذة حتى أنك عندما تراجع مثل هذه الحلول تدهشك بمنطقيتها وجديتها وتقول في نفسك \" هذا هو الحل \". وليس في الأمر تقنية معقدون أو لون أشقر لشعر الرأس أو لون أزرق لإنسان العين؟.. ولكنه إبداع يأتي هكذا بكل جاذبية وهدوء كالزهور الجميلة التي تنمو في حديقة غناء، فهذه الزهور لم تنطلق إلا من بذور جيدة وتربة سليمة وعوامل مناخية مواتية والإبداع كذلك لا يأتي إلا بعقلية سليمة ومعلومات وآراء متعددة ومناخ تنظيمي رائع.

 

 وكما أن الإبداع ينتج عن عدد من الخصائص الفردية المميزة للمدير فان للإبداع أيضاً صلة بسلوكيات المدير وطبعه وعلاقاته مع المجموعة، فالمدير المبدع لا يرضخ بسهولة للقوى الاجتماعية التي تحيط بالقرار وتسيره أحياناً إلى جهات لا تؤدي إلى الحل ولكنه يجادل ويناقش ويقاوم بفدائية وأصالة ورؤية ثاقبة وصبر دؤوب. بل أن المدير المبدع لن يتوانى البتة عن تسيير حركة المجموعة في المنشأة وحركة العيون في الاجتماعات وحركة المفاوضات والمناوشات المحيطة بمشكلة ما.. لن يتوانى عن تسيير هذه الحركة نحو الحل الإبداعي الذي يراه هو ويقتنع به.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply