بسم الله الرحمن الرحيم
هذا التشبيه قد شاع كثيراً هذه الأيام يا ترى هل هو الصحيح أم مجرد مغالطة دعونا نقرأ مقالاً كتبه الكاتب/ فداء ياسر الجندي الكاتب في مجلة البي بي سي العربية:
تصحيح مطلوب لتشبيه مقلوب
كان العرب مغرمين بالبلاغة والبيان، وكان التشبيه والمجاز متغلغلان في معظم كلامهم، ودرجوا على تشبيهات معروفة مشهورة، كتشبيه الكريم بالسحاب والبحر، والجبان بالنعامة والأرنب، والسريع بالفرس والسيل، وورثنا عن أسلافنا حب التشبيه، ولكن بمفردات عصرنا، فأصبحنا نقول فلان سريع كالصاروخ، وقوي كالدبابة، ومجرم كشارون، وذكي كالحاسوب، وهذا التشبيه الأخير أصبح شائعاً جداً عند مدح الأذكياء، ولكنه مجحف جداً في حق العقل البشري، لأن الأصل في التشبيه أن نشبه الأدنى بالأعلى من باب المبالغة والتأكيد، أما قولنا إن فلاناً (اسم الله عليه) ذكي كالحاسوب فهو تشبيه مقلوب معكوس، كقولنا إن الشمس مضيئة كالشمعة، بل قد يكون الفرق بين الشمس والشمعة أقل من الفرق بين عقل الإنسان والحاسوب، فالفروق بينهما لا تحيط بها كتب ولا مجلدات، ولكننا سنسرد أطرافا منها وبإيجاز شديد، ضمن ما يدركه علمنا المحدود عن هذا الموضوع.
أول هذه الفروق هو أن الحاسوب يأتي من المصنع أصم أعجم، لا بد لتشغيله من أن نقوم بتهيئته (format) ثم تزويده بنظام التشغيل حتى نتمكن من استخدامه، أما عقل الإنسان فإنه يأتي منذ اللحظة الأولى \"في أحسن تقويم\"، مهيأ تماماً ليقوم بكل ما يجب عليه عمله في كل مراحل حياته.
ولا تكفي تهيئة الحاسوب وتزويده بنظام التشغيل للاستفادة منه، بل لا بد من تزويده بالبرامج اللازمة لأي عمل مطلوب منه، أما مخ الإنسان فبرامجه جاهزة منذ اللحظة الأولى، بل وتعمل عند الحاجة والطلب، بأمر \"الذي خلق فسوى، والذي قدَّر فهدى\"، وأول البرامج التي تعمل في مخ الإنسان هو برنامج الصياح، لتعلم أمه والطبيب أو القابلة أنه بخير، وأنه ولد صحيحاً سليماً، وبعد لحظات فقط من ولادته يبدأ تشغيل برنامج الرضاعة، إذ يعطي المخ تعليماته بتشغيله بمجرد أن يلتقم الوليد ثدي أمه، وهكذا تعمل البرامج تباعاً مع نمو جسد الطفل وتقدمه في السن، ونذكر من أهمها برنامج الكلام الذي اختص به الرحمن الذي \"علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان\"، وهو صالح للبيان بأية لغة مهما كانت حسب ما يجد في محيطه \"ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم\".
وعندما نريد تطوير البرمجيات التي يعمل بها الحاسوب فلا بد من ترقيته باستمرار، ولو اشترى أحدنا أقوى الحواسيب الموجودة اليوم، لاضطر بعد فترة قد لا تتجاوز السنة إلى توسيع ذاكرته وقرصه الصلب، وربما اضطر إلى استبدال المعالج أيضاً، أما عقل الإنسان فلا يحتاج إلى ترقية، وهو مكفول مدى الحياة، \"صنعَ الله الذي أتقن كل شيء\"، فعلماء الأحياء يقولون إن الخلايا العصبية هي الخلايا البشرية الوحيدة التي لا تتبدل ولا تتغير ولا تتكاثر منذ ولادة الإنسان حتى وفاته، بخلاف الخلايا الأخرى في جسم الإنسان، وهو مع ذلك يقوم بدوره على الوجه المطلوب في كل مرحلة من مراحل عمر الإنسان دون الحاجة إلى ترقية أو توسيع.
ولا بد رغم الترقية من تبديل الحاسوب بين فترة وأخرى، ليتمكن من أداء ما يطلب منه من أعمال، ويوجد في الشركة التي أعمل بها مستودع مليء بالحواسيب القديمة التي كانت في جِدَّتها بارعة في أداء عملها، وأصبحت اليوم لا تساوي ثمن أسلاكها ومعدنها، لأن العمر الافتراضي للحاسوب هو ثلاث سنوات كما يقول الخبراء, أما مخ الإنسان فهو نفسه من يوم خلق الله آدم إلى اليوم، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هو من الطراز نفسه الذي بنى الأهرامات بالأمس، واخترع الذرة وغزا الفضاء اليوم، والله وحده يعلم ماذا سيبدع غدا.
وللحواسيب أجهزة محيطية هي وحدات الإدخال والإخراج، ونعني بها الشاشات ومكبرات الصوت ولوحة المفاتيح والطابعات وغيرها كثير، وهي لا غنى عنها لتعامل الحاسوب مع مستخدمه، وهي أيضاً يعتريها ما يعتري الحاسوب من الحاجة إلى الترقية والتطوير والتغيير، وتحتاج إلى برامج قيادة (drivers) حتى تعمل، كما تحتاج إلى وصلها بالحاسوب عن طريق الأسلاك، ومعظم الأجهزة المكتبية لا بد أن ترى خلفها غابة من الأسلاك، وإذا أردنا نقل حاسوب من مكان لآخر فلا بد من نقله مع الأجهزة المحيطية وإعادة وصل الأسلاك، أما مخ الإنسان فقد زوده الله تعالى بأجهزة محيطية غاية في الدقة والروعة والإعجاز، هي حواس الإنسان، التي يأخذ المخ منها ما يلزمه من معلومات، ويعبر بواسطتها عن نفسه، وهي ترافقه في سهولة ويسر في حله وترحاله، لأنها لا تحتاج إلى برامج تشغيل أو أسلاك توصيل، بل تبدأ بالعمل في منتهى الكفاءة من لحظة الولادة، \"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون\".
دع عنك كل ما سبق لأنه لا يساوي شيئاً أمام قابلية مخ الإنسان على البرمجة الذاتية، فالحاسوب لا يقوم بأي عمل ما لم يتم تغذيته بالبرنامج المناسب للقيام به، وبلغات معروفة، تبقى لها حدود مهما تطورت وتعقدت، أما مخ الإنسان فعنده قدرة خارقة على البرمجة الذاتية، فأفكارنا وحواسنا وأجسامنا تنفذ يومياً ما لا يحصى من البرامج دون أن نشعر لأن دماغنا قد تمت برمجته للقيام بها بلغة أو لغات لا زال العلم يحاول عبثا للوصول إلى شيء من أسرارها, ومن أوضح الأمثلة على ذلك قيادة السيارة، ولو تذكر أي سائق كيف كان يقود في بداية تعلمه القيادة وكيف يقود بعد المراس والمران لعلم أنه أصبح مبرمجاً على القيادة دون أن يشعر، ولو دخلت محل خياط ليلة العيد لوجدت يديه تعملان بسرعة كبيرة وكفاءة عالية، وهو مع ذلك يكلمك ويعطي التعليمات للعاملين عنده ويحاسب الزبائن دون أن يؤثر ذلك على كفاءة عمله التي تتم دون أن يشعر، فهو قد تبرمج عليها ببرامج بديعة أبدعها الحكيم الخبير، \"الذي أحسن كل شيء خلَقَه\".
أشعر بالحياء الشديد من الله تعالى لهذه المقارنة بين صنع الإنسان الضعيف، وبين \"تقدير العزيز العليم\"، ولكنني اضطررت إلى ذلك لبيان خطأ تشبيه الأذكياء بالحواسيب.
عندما يشتري أحدهم حاسوبا يتبع وبدقة تعليمات التشغيل الموجودة في دليل المستخدم، فليت الناس يتبعون تعليمات التشغيل الموجودة في دليل استخدام عقولهم، وهو كتاب الله الكريم الذي أنزله خالق العقل، من فوق سابع سماء، \"هدىً وذكرى لأولي الألباب\".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد