بسم الله الرحمن الرحيم
يتألف الإنسان من مجموعة أجهزة عضوية وحالات نفسية. لابدّ أن يكون بينها توافقاً وتناغماً ليتحقق للشخص حالة من التوازن بينهما ويمارس حياته بشكل طبيعي وفعال. يتغلب على العقبات والمشكلات الاجتماعية، ويندمج مع محيطه وبيئته ويحقق نجاحاً في حياته. يزيد ثقة بنفسه وتفاؤلاً في المستقبل ورغبة في التغلب على منغصات حياته اليومية والمواقف الصعبة.
وهناك علاقة قوية بين الحالة النفسية والانفعالية للإنسان وقدرة أجهزته العضوية على أداء وظائفها بشكل جيد وفعال. فالانفعالات تؤثر سلباً أو إيجاباً على أجهزة الجسم. وسلامة الأجهزة العضوية وصحتها تؤثر على تحديد طبيعة الحالة النفسية والعصبية التي تصيب الإنسان فالغدد الصم تؤثر على طبيعة الانفعالات للشخص وأي خلل في وظائفها ينتج عنه تغيراً في طبيعة ومزاج الإنسان وقواه العقلية (الهدوء ـ العصبية ـ التوتر ـ الاكتئاب ـ الملل ـ العدائية...) وبالعكس أيضاً أي انفعال نفسي طارئ يتعرض له الشخص يحدث خللاً في أداء وظائف الغدد ويؤدي إلى حالات مرضية مثل:
(السكّري ـ انحلال الدم ـ اليرقان ـ القرحة وبعض أنواع السرطان.... ).
ومن ناحية أخرى فإن المعارف والخبرات والتجارب والاستعداد والمكتسبات الحياتية المختلفة. تزود الإنسان بأسلحة فعالة وقدرات يستخدمها بشكل تلقائي في مواجهة المواقف الصعبة والمفاجآت الحرجة. وتكرار التجارب في مجابهة المواقف تجعل الشخص أكثر ثقة بالنفس وأقل توتراً وحدةً وتسرعاً في ردود فعله وأكثر هدوءاً وحكمة في مواجهة المخاطر وتجاوز العقبات بنجاح.... لذلك ليس غريباً أن يرتعب الطفل الصغير ويبكي عندما يسمع صرخةً قوية، وعندما يرى شبحاً في الظلام يخاف ويصفرّ وجهه، وتزيد نبضات قلبه، ويجف حلقه وتتحرك أحشاؤه. ويقف شعره وترتعد فرائصه، يحدث له كل هذا استعداداً لمواجهة الموقف الغامض الذي يصوره خياله له، أنه عفريتاً أو جنيّ أو وحش، أما الرجل البالغ في الموقف نفسه ذو الخبرات والتجارب، الذي تعوّد أن يطرق العتمة، وأن يستكشف أسرارها، وتأكد لديه عدم وجود العفاريت والأشباح في الظلام، فإنه سيقابل الموقف ببرودة أعصاب وهدوء، ويعالجه دون توتر ولا وجل، عندها ستؤدي وظائفها بشكل طبيعي وعادي...
ولاشك في أن الانفعالات النفسية تنعدم بعد الزواج، وتصبح العلاقة العاطفية في الحياة الزوجية، آلية، جامدة، جافة، خالية من الحيوية، مالم يتدارك الزوجان المشكلة، ويجدّدا حياتهما الزوجية ببعض التغيير والتجميل والمفاجآت، ليضفيا على حياتهما اليومية بعض الإثارة والتشويق والجاذبية...
الانفعالات النفسية تنشّط عمل الغدد الصمّاء، فتدفعها إلى إفراز نوع من الهرمونات في الدم، تؤثر على وظائف أجهزة الجسم بدرجات متفاوتة تختلف بين إنسان وآخر، وحسب كمية الهرمون الذي تفرزه، فتحدث تغيّرات هامة في الجسد أهمها: تسرّع نبض القلب ـ تقلّص الأوعية الدموية ـ تدفّق كمية أكبر من الدم ـ احمرار الوجه ـ ارتفاع درجة الحرارة ـ تعرّق الجسم ـ اضطراب حركة الأجهزة الهضمية والبولية والتنفسية (لذلك يتبول الأطفال عند الخوف. ) وقد تؤدّي التراكمات الدفاعية الزائدة إلى الانهيار والإغماء.
إن كلّ ما يحدث للشخص من اضطرابات وانفعالات وتغيرات في المواقف الطارئة هي عملية تكوين مواقف دفاعية عن النفس، من قبل أجهزة الجسم لمواجهة ما يعتقده من أخطار وما بتوهمه من مخاوف وحالات غامضة ستسبب له الأذى، وسيكون الإنسان في إحدى حالتين، فهو إمّا أن يحقّق التوازن النفسي والانفعالي والعصبي، فيجتاز التجربة بنجاح، وإمّا أن يختل التوازن فيخفق في المواجهة.
أمّا الخبرة والتعوّد فإنهما يخفّفان من حدّة الاضطراب والتوتّر فتقلّل الغدد الصم من إفراز كمية الهرمون بحيث يتناسب مع الموقف، فالشخص الذي يقابل مسؤولاً كبيراً لأوّل مرّة، والخطيب الذي يعتلي المنبر لأوّل مرة، والمعلّم الذي يدخل الصف لأوّل مرة وغيرهم، ستحدث معهم الانفعالات والتوترات المذكورة نتيجة رهبة الموقف، وستكون الثواني الأولى في الموقف حاسمة بالنسبة لهم، أمّا بعد ذلك فإن تكرار التجربة والمران يكسبهم الخبرة اللازمة والثقة بالنفس الذي يمكنهم من التحكم بانفعالاتهم ومواجهة المواقف الصعبة وتجاوز الأزمات والعقبات بنجاح.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد