أحببتُهُ دوماً.. فَامتلكني.. ولمّا أمتلكهُ بعد!
وهبتُه من الحبّ أغلاهُ وأثمنهُ، وأفسَحتُ لهُ في القلبِ أوسَع مكانٍ,، وأثّثتهُ ليسكنَهُ أهله.. فسكنته جواهِرُ الكلمات!
لمّا عَرفتُه.. سَجدت حُرُوفِي على الوَرَقِ شُكراً لله.. وانحنى القلم راكعاً.. فكانَ لي معَهُ أغلى لقاء!
أنَا لم تتوطّد مَعرفتي بالنّاسِ كثيراً.. لكنّ معرفتي بهِ ازدادت عمقاً، فنفيتُ أنّي قد حاورتُ غيره، وتجاهلتُ صداقاتي الثّمينة، لأجعلها تنبثِقٌ من خلالِه.
أيّام الغُربَة قد طواها النّسيانُ لمّا التقينا.. فآنسَ الوحشَة وبدّد الغربَة، وجعلني أميرةُ نفسي، فلا أسعى لتباهٍ, بها، لكنني أطمحُ لأن نرتقي معاً إلى عُلوّ يسمَحُ لنا بأنّ ننتشَل ما نستطيعُ من ضحايا أيّامٍ, خاوية، نذيقُهم نكهته، ونأخذهم إلى عالمه، ليعيشوا السّعادة كما تمنّيناها.
لكنّني.. مازلتُ أتحاشى مرورهُ قُربَ اسمي، وأخشى أن أقلّد باسمهِ ومازلتُ أحبو في طويلِ دربه..
أديبة! تلكَ الكلمة جدّ مريبةٍ, لمَن يبحث في كنوزِ معانيها..
أديبة.. وكم نعتت أقلام بهذا اللقب، وما فهموا يوماً معنى أديبة.. أوأديب!
سأسمحُ لنفسي ههنا أن أتجرّأ في تفسير هذه الكلمة - حسب رؤاي - وسأطلقها كلماتي حُرّة، دونَ وزنٍ, أو قافية. وسأكتبُ بلغتي التي أفهمها، ويفهمها النّاسُ عنّي لعلّه يكونُ لوقعها صدى..
فالأدبُ في فكري لغةٌ متفرّدة، ذات طابع عميقٍ, يسكنُ الوجدان، ويتأصّل داخل القلب، ويمدّ جذوره في كلّ شريان، حتى إنه لينطبع فيه فكراً وارتقاءً وسمواً..
الأدبُ كلماتٌ تتكاتفُ معاً لتبني أمّة، وتعمر وطناً، وتخطٌّ أمجاداً تعلّمها لكلّ الباحثين في الظلماتِ عن بارقة فجر.. عن ضياء!
والأدبُ عندي ليس أدب الأقلام والمحابر والأوراق، بل هو في الحقيقة أدب شاملُ للحياة بكلّ ما تحويه من أخلاق وآداب، عبادات ومعاملات، أحلام وتطلّعات..
انظر إلى ذلك الأديب الكبيرِ قلباً، وهو يرتّلُ آيات الله بخشوعٍ, يسري في حناياه، كيف تراه قد تذوّق الكلمة؟ وكيف خشع لها قلبه، وانقادت جوارحه خضوعاً، ودمعت العين..
أوليسَ أديباً في تقديره لقيمة الكلمة، حين جعلها تنعكسُ جمالاً في داخله؟!
وأمعن النظر في كلماتٍ, خالداتٍ, قالها نبيّ الأمّة - صلى الله عليه وسلم - كيف رصّعت سطور الأديب ببلاغتها وعِظم معانيها.. أوليسَ أديباً من وعاها فبلّغها بقالبٍ, من نور!
أوليس أديباً من نطق التوحيد لساناً وقلباً، فانسكب سناه في حرفه، لتلهجَ أمّة تقرأ بالشّهادتين!
وهذا الذي انطلق إلى عمله يبنيه بساعده الأخضر، فيحيل ما تصحّر منه إلى جنّة خضراء..
أينما قلبت بصري أرى نماذج عظيمةً لأهل الأدب.. أهل الإخلاص، أهل الإصلاح..
هذا يصوغ من الألم شعراً يهزّ القلوب لتنمو شجرة الأمل..
وذاك يصنع من كلّ أنّة خطرة جمالاً وعِبَراً.. يُبكي العيون بجرّة قلم على رقّ أبيض، فيغسل معها قسوة قلب تجافى عن حقيقة فطرته.. ليغدو أنقى!
ليتنا نحبٌّ العالم بروح أديب، فنسعى لإصلاحه..
كلما تهاوى فيه جدارٌ سعى لكي يجدّده ويبنيه أساساً متيناً.. بحرف الصّدق، وصدق الحرف، ولا يتّخذ له على ذلك أجراً..
هذا هو الأديب.. في عينيّ.. وقد تحدّثتُ عنه بلغتي.. فغبنته حقّه..
فعذراً أيّها الأدب، وعذراً أيّها الأديب..
فقد تطاولت على لغتك، ولم أبلغ قمّتك!
لكنني أعدك أن أسعى لأدرك قافلتك، قافلة النّور..فهلا انتظرت!.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد