لقد جاء العيدُ بعد أن تصَّرمَ عامٌ مضى، وهلَّ مكانَه عامٌ جديد وذكَّرَني الحاضرُ بالماضي البعيد، ونبشَ عن مخبوءَ أحزاني في كل طارفٍ,، وتليد، حين كنتُ طفلاً ألهو مع لِداتي، فُجعتُ بوفاة والدتي، ولم يبقَ للبسمة مكانا في طفولتي أيام كل عيد، وفي الطفولة تنتشي البسماتُ، وتحلو الأغنياتُ على ذراع الأم الحنون، وتنمو وتترعرع الأمنياتُ..ثمَّ بفقدها أصبحتُ لا أرى في السماءِ صفاءَها، ولا في الزهرةِ جمالَها، ولا في النَّجمة لألاءَ ها، ولا أسمع للبلابل شدّوَها، ولا للأغصان حفيفها، ولا للسواقي خريرَها، غصَصّتُ مراتٍ,، ومرات، وأنا أتجرعُ كأسَ اليُتم المريرِ حتى الثمالة..ثمَّ ترعرعتُ حتى اشتدَّ عودي، و أصبحتُ فتىً يافعاً، ثمَّ رجلاً أحمل هموماً كثيرة. منها ذكرياتٌ رست ُسفنُها على شواطئ قلبي المكلوم الذي أثخنته الجراح، تَحملُ في طياتها ما هو مفرحٌ.. محزنٌ..، مفرح لمن يلهو، ويلعب، ويغني ويطرب ولم يزل غضَّ الإهاب، لا تلامس طفولته سوى يد النسيم الندية برفق وحنان، ومحزنٌ مؤلم لمن فُطمَ قبلَ الفِطامِ،، ذكرياتٌ تزحفُ فوق جراحي التي تنزف، و لم تندمل. ثمَّ جاءني نبأٌ ضاعت فيه كلٌّ الأمنيات... خففِ الوطءَ يالائمي، قد رحلَ الذي بشمائله تحلو الحياة، ويزدانُ الربيعُ وبشذا عطره تندى النسماتُ، و من يُمناه تزدادُ في ميزاني الحسنات. جئتني اليوم يا عيدُ بثوبٍ, أسودَ أرى فيه شمسَ نهاري ُظلمات. بالأمس كان قمري أحمدُ في عرفات، تصلني منه أشجى وأرجى الدعوات، واليومَ لم أرَ، و لم أسمع، سوى الحسرات، كلما نادت عُلاه (بابا)، قَطَّعت أوصالي الآهات، وانهمرت من عيوني العبرات، أينَ أنتَ الآن يا نورَ بصري؟ لم ينتظر قدومك أب ولا أم ولا زوج ولا أخ ولا أخوات كيف؟ وأنت اليوم بعيداً تحت الثرى ممددٌ تمرُ فوق رمسك السافيات، من هناك.. من شطآن دجلة والفرات، من أزيز الرصاص ودوي الطائرات، من ضجيج الأحياء، وتزاحم الأموات، أسمع هاتفاً يرن في أذني تصَّبر يا أبت، وعند الإله تُرتَجى الحسنات، تقولُ افرح وكن شجاعا ولا تضعف أمام المصائب والنكبات، أنا في رياض الخلد بفضل ربي، ورضاؤك عني نلتُ أعلى الدرجات، فادعُ الله لي بأن يجمعني مع حمزة والذين ساروا عل درب المكرمات، يا أبت قل اللهم لا ريبة في عدلك، ولا ظنة في كرمك، ولا اعتراض على قضائك وقدرك، ولا سخط في ابتلائك، فاجعلني من أحب أحبابك، وأنلني أرجى عطائك، إنك أهل الجود والكرم. اللهم آمين يا أرحم الراحمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد