دوحة الشعر على ضفاف دجلة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

دجلة العراق..وبغداد الرشيد..موطن العزة والكرامة.. التي أبت على رجس المحتل \'الأمريكي\' النجس.

وردنا ماء دجلة خير ماء *** وزرنا أشرف الشجر النخيلا

وما زالت الكربات تلو الكربات تنال إخواننا في العراق الحزين، فمنذ ثلاثين سنة وزيادة وأعداء العراق يحيكون له المؤامرات بمكر وخديعة، وقدر الله نافذ لا يعارضه أحد ولا يقاومه مقاوم، ولكن لهذه الأقدار أسباب كونية وشرعية، وليست هذه الأسباب محل بحثنا.

ولكن ما مر بالعراق \'المنكوب\' من جليل الحوادث، وفادح الخطوب، لو مر على الشامخات الرواسي لجعلها دكًا، أو وقع على الجلاميد الصمّ لصيّرها هباءً، فصبرت على الحوادث فوق الصبر صبرًا، حتى تعودت مس الضر وألفت قوارع الدهر، وصارت إن أصابتها سهام تكسرت النصال على النصال، وغدا أبناؤها لهول ما رأوا من البلاء وما روضوا نفوسهم عليه من الصبر لا يألمون لمصيبة، ولا يجزعون لنائبة، ويهتفون بالزمان كلما تعب من مساءتهم:

إن كان عندك يا زمانُ مصيبةٌ *** مما تسُوءُ به الكرامَ فهاتِها

وإني أنظر بعين إكبار وتقدير للجبال الشم من المجاهدين الصابرين المحتسبين في بغداد الرشيد، وفلوجة العز، وما حولهما من المدن الصامدة الأبيّة، وهم يدقون أعناق النصارى عُبّاد الصليب من أمريكان وبريطانيين، ومن وقف معهم ودخل في زمرتهم من الوثنيين والملاحدة والمرتدين.

ومع ما يقوم به هؤلاء الأماجد من التضحية صباح مساء \'بالأمريكان\' الأراذل، فقد أصاب إخواننا جروح وأسقام.. {إِن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإِنَّهُم يَألَمُونَ كَمَا تَألَمُونَ وَتَرجُونَ مِن اللَّهِ مَا لا يَرجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 104]، ولكن لا سواءº فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، فقد استطاع أبطال العروبة ومغاوير الإسلام أن يلقوا في دركات جهنم مئات تلو مئات من الجنود المحتلين الغاصبين، وسالت دماء إخواننا الطاهرة على جنبات دجلة والفرات، فاختلط الماء العذب الطاهر بالدم الطاهر:

وللحريةِ الحمراءِ بابٌ *** بكل يدٍ, مضرجةٍ, يدقُ

فدم المؤمن يرخص إن كان ثمنًا للحرية، ودم المسلمين رخيص عند أساطين الديمقراطية \'الأمريكان\'، فالديمقراطية تعني سحق كل من لم يكن \'أمريكيًا\'، كما أن الاعتداء على أعراض الأسرى أمر عصري تقدمي، أما امتهان مقدسات المسلمين من مصاحف ومساجد فهو خطأ يسير لا يستحق حتى الاعتذار.

وقد ظن \'الأمريكان\' أن شرفاء العراق سيتقبلونهم بالورود، فبيع الأعراض والأوطان لا يكلف كثيرًا عند \'الأمريكان\'، ولكن شرفاء العراق خيبوهم فقد كانوا يرددون:

وللأوطانِ في دمِ كلِ حرٍ, *** يدٌ سلفت ودينٌ مستحقُ

ومما ظنه \'الأمريكان\' وساستهم الصهاينة ـ خيبهم الله ـ أن كل الأمم تعشق الحياة أية حياة، ولو كانت حياة الذل والمهانة.. {وَلَتَجِدَنَّهُم أَحرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ,... } [البقرة: 96]، وغفل هؤلاء المغفلون عن آيات الجهاد التي تثير الحماس في قلوب الموحدين للدفاع عن دينهم وأمتهم وبلادهم {إِنَّ اللَّهَ اشتَرَى مِن المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَالَهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعداً عَلَيهِ حَقّاً فِي التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرآنِ وَمَن أَوفَى بِعَهدِهِ مِن اللَّهِ فَاستَبشِرُوا بِبَيعِكُم الَّذِي بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ} [التوبة: 111]، وغفلوا أيضًا عن الأمنية الحبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: \'وددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل\' [البخاري]..

وفي القتل لأجيالٍ, حياةٌ *** وفي الأسرى فدىً لهُمُ وعتقُ

وقد جهل \'الأمريكان\' على جهلهم أنه ما زال في العرب أحرار مؤمنون لم يتدنسوا بالخيانة:

لا ترهقوا العُرب، فالعُرب الكرام لهم *** إن أرهقوا وثبة الضرغام غضبانا

وإن خُيّرَ الكريمُ بين حياة الذل تحت رحمة \'الأمريكان\' والدخول تحت رايتهم من الخونة المشركين، وبين الموت أقدم على الموت إقدام الهزبر على فريسته، فالأمر عندنا ليس أن تعيش كثيرًا، بل أن تعيش حميدًا..

فإما حياة تسر الصديق *** وإلا فموت يغيض العدا

وقد آمن أهل العراق أن الموت حقٌ لا محيص عنه، فليمت المرء سيدًا بالسيف، خير من أن يموت ركلاً بأقدام المحتلين..

من لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحدُ

وكلما استشهد بطلٌ من الأبطال ظهر آخر أشد شكيمة منه وأعظم نكالاً في أعداء الله..

إذا مات منا سيد قام سيد *** قؤول لما قال الكرام فعول

وكم أعجبني فهمكم أيها النجباء لنفسية \'الأمريكان\' الخبيثة، وإن هم ألانوا الكلام وطلبوا التفاوض معكم، ومدوا لكم يد الرحمة كما يقلون، فلهم قلب أفعى غادرة:

وللمستعمرين وإن ألانوا *** قلوبٌ كالحجارة لا ترقُ

وأين الرحمة المزعومة عند أرباب الحملة الصليبية، ونحن نرى أشلاء القتلى على قوارع الطرق، وقد جف دمعي على تلك المرأة التي نقلت الفضائيات صورتها وهي تهدهد صغيرها مبتور الذراع..

تخطت النار ليلاً وهي حاملةٌ *** طفلاً قضى برصاص القوم والدُه

فما ناءت به حتى أتيح له *** شظية بان منها عـنه ساعده

ضمت إلى صدرها شلوًا يسيل دمًا *** كالطير هاض جناحًا منه صائده

فليتني ثم ليتني بكيتُ، ولكن جف الدمع في المآقي..

أمده الدمع حتى غاض جائده *** فمن بأدمع عينيه يرافده

وأقول كما قال الأول:

نضح البكاء دموع عينك فاستعر *** عينًا لغيرك دمعها مدرار

من ذا يعيرك عينه تبكي بها *** أرأيت عينًا للدموع تعار؟

فهلا متصدق بدمع عينه لعله أن يبلل عيني.

وإن قال جاهل: ما لك وللعراق، فلستَ عراقيًا، فالجواب: \'المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا] [البخاري].

وإن نصح ناصح بترك حث الخاملين من أهل العراق على حمل السلاح وتثبيت المجاهدين فالجواب:

نصحت ونحن مختلفون دارًا *** ولكن كلنا في الهم شرقُ

ويجمعنا إذا اختلفت بلاد *** بيان غير مختلف ونطقُ

وإن استمر الناصح ـ بزعمه ـ واستحمق الجاهل بغيّه، فسأقول له:

إن الدم المهراق في جنباتها *** لدمي وإنّ شفارها لشفاري

دمعي لما مُنِيَت جارٍ, هنا *** ودمي هناك على ثراها جاري

أما مشايخ [NBC] وغيرهم ممن باع دينه وكرامته ونصحوا بالدخول تحت راية \'الأمريكان\'، أو حاولوا تخذيل أسود العراق بزعمهم: [قتلوا منكم، وحطموا بيوتكم، وأسروكم] فأقول لهم:

أين الحمية؟ بل أين العروبة هل *** غاض الوفاء وآض الود هجرانا

إن آض الحياء في وجوهكم وغابت الكرامة عن أرواحكم فتشبهوا بالكرام..

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إنّ التشبه بالكرام فلاح

ألا يا عظماء العراق.. ألا يا من كتبتم التاريخ الأبيض بالدم الأحمر القاني.. فمزيدًا من الطعنات أيها الشرفاء الكرام، فإن أمريكا تئن تحت مطارقكم المؤمنة بالله، وعليكم بجمع كلمتكم والتآخي:

أخاك أخاك إن من لا أخ له *** كماضٍ, إلى الهيجا بغير سلاحِ

وإياكم والدخول في معارك جانبية مع الشيعة تشغلكم عن عدوكم الألد والخصم الأخس \'الأمريكان\'.

ومزيدًا من الصبر فإن النصر صبر ساعة، وإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا، {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ} [آل عمران: 200].

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply