بين المستقبل والماضي ضاع الحاضر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

جيشٌ متسلل يدبٌّ دبيباً خافتاً.. لا تكاد تسمع لأقدامه وقعاً... ينسابُ بخفة إلى نفوسنا..

إنه يغزو خنادق الشعور المستترة، فيقوّضُ بنيان النفس الإنسانية التي تنعمُ بالأمن والطمأنينة، فيجعلها ترفع راية الخور والهزيمة لتُعلن دون مواربة أنّها هُزمت وألقت بسلاح الأمل جانباً..

انظر إلى ذلك الكائن المستلقي على فراشه... يرسم ابتسامة ملأ شدقيه

ليخبرك أنهُ................. سعيد

يبدو لك َ ولأول وهلة أنه سعيد........ هانيء البال.. لا تتعجل!! فكم نغترّ بظواهر الأمور ونطلق الأحكام عليها جزافاً دون رويّة..

حاول أن تقترب منه أكثر..

ما رأيك لو جربت أن تخترق أسوار شعوره العارية... ترى ماذا ستجد فكّر قليلاً... قبل أن توغل في عملية الاختراق تلك...

لاشكّ أنك ستجد في ركن من الأركان المنسية أجزاء متشظيّة لشيء ما... حاول أن تلملمها... حاول أن تجمعها... لا تتعجل... تريث... ستكتمل الصورة آها.... لقد نجحت.... أحسنت ألم أقل لك تريّث.. !

أوه... ما هذا؟!! إنه قلبٌ كسته تجاعيد الزمن هرماً، فأصبح ينبض باليأس...

وتراه يلوح بتحية الوداع وهو مازال يحبو على عتبة من عتبات الحياة

 

**عاود النظر مرة أخرى إلى ذلك المستلقي على فراشه... حاول أن تقترب منه أكثر.. ترى بم َ يفكر؟

طنينٌ مزعج يدوي فوق رأسه وكأن الأفكار السوداء تتراقص بمرح ٍ, لتصنع عقداً متيناً قد تآمر خفيةً على دماغ ذلك المسكين وقلبه.. ترى ممّ يخاف؟؟

إنه يخافُ من مستقبلهِ... علامات الاستفهام(لمَ ولماذا) تغفو معه وتتلحف بدثاره وتؤاكله وتشاربه... والقلق يدمّر مكامن الشعور لديه..

فتُدكٌّ حصون الأمان وتتهاوى... يمسي ويصبح في شتاتٍ, وتمزق.. يصارع الحياة، ولا يطال من أمانيه ـ التي تحلّقُ فوق رأسه وتحدثُ دويّاً عالياً كصوت صفارة الخطر.. حين تسقط آخر خطٍ, للمقاومة في نفوسناـ شيــــئاً... أمانٍ, وأحلام..... ورصيد الواقع.... صفر

ثم يكتنف ذلك معاول خوف من المستقبل تزعزع الدعامة الداخلية... وتجعل وجه ذلك القابعُ على أريكته أو مستلقٍ, على فراشه.. بلا معالم.. قد جفّ الدمُ في عروقه.. وفرّت نضارة الشباب منه دون رجعة..

مضى عام وتلاهُ أخر ومرت أعوام وصاحبنا قد ضاع عمره بين لمَ ولماذا..

ولم يغادر مكانه... إذ سقطت قواه فأرداه الهرم صريعاً للوساوس والأوهام..

ولو ترحلت بنظرك الثاقب إلى ذلك الكائن المنسي في ركن من جسد ذلك البائس اليائس سترى أنه قد ووري طيات التراب... وأسلم الروح إلى بارئها....

منذ زمنٍ, بعيد........

لم يفطن صاحبناإلى ذلك... فقد كان في شجارٍ, وخصومة مع عدوّيه اللدودين..

لم.. ولماذا..

 

*** إضاءة ***

* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً فيما معناه:

((من أصبح آمناً في سربه معافىً في جسده يأتيه قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها))

* وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كانت الآخرة ُهمّه. جعل الله غناهُ في قلبهِ وجمعَ شملهُ، وأتتهُ الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همّهُ. جعل اللهُ فقرهُ بين عينيه، وفرق عليه شملهُ ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما قدّر له))

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply