سماءٌ مُتلبدةٌ بغيوم داكنة سوداءَ، تتراكضُ أمام الرياح خائفةً مسرعة مصفرةَ الوجه مضطربة ً، تخشى سهام النور أن تمزقَ جسدها المتهالك. لكنها تتزاحم للدفاع عن نفسها، أمام فجر يكاد أن يخرج من خلف الضباب، بعد أن أيقظه ـ من سباته العميق ـ قصفُ الرعود وقعقعة احتكاك السحب المتزاحمة فوق رأسه. واليوم نرى أمة الإسلام تتزاحمُ عليها ملة الكفر والفسق والجهل والفجور. تقطعُ أوصالها، وتسلبُ خيراتها، وتسملُ أبصارَها وتهدم بُنيتَها التي فيها قوامها، لقد اغتُصبت الأعراضُ، ودُمرت المساجد ودُنست، ومزقت المصاحف وحُرقت، أمام مرأى ومسمع المسلمين والمستسلمين والمُتمسلمين، وكبار القوم الجاثمون على صدر هذه الأمة يكتمون أنفاسها، ويُكمِمونَ أفواهَها، ويصفدون أقدامها، كي تبقى جثة هامدة لاحراك لها أمام جلاديها وأعدائها، ويتباكون على الأوطان التي ضاعت، وسوف يضيعون بلاداً أخر. وهم يتظاهرون أمام شعوبهم بأنهم أبطال صمود وتصدٍ,، ومن وراء الكواليس يوقعون على تنازلات على حساب أوطانهم وشعوبهم!!..لا حباً و دفاعاً عن الأوطان والحرمات.بل عن عروشهم التي باتت مهددة بالزوال والتغير يلتمسون الدواء من مصدر الداء ويطلبون الهداية إلى مسارب الطريق ممن أوقد الحريق.تاركين كتاب الله وراء ظهورهم متبعين الشهوات (فسوف يلقون غياً). وهذا ما يريده أعداء الإسلام ويخططون له. هل نستسلم لليأس والقنوط من رحمة الله؟.. ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.. أما المسلمون الأقوياء بدينهم العلماء بتاريخهم المجيد. فهم الشعاع والأمل لهذه الأمة التي ــ بثباتهم على الحق وصبرهم على الظلم والظلمات. ــ تعلو بهم الهمم وتنهض بهم الأمم.. ولنا في قصص الأنبياء المرسلين والدعاة العاملين على نهج النبوة أملٌ كبير. من عهد نوح - عليه السلام - ــ كيف لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً؟ يدعو إلى الحق، وما خالطه يأس، وما فتر عن العمل، ولا انقطع منه الأمل، حتى في اللحظات الأخيرة، مازال ينادي ابنه (يا بنيَّ اركب معنا) لعلَّ الدعوة تخالط بشاشة قلبه ويكون مع المؤمنين. حتى عهد نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ـــ الذي قال: الله له (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) مكث في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى الله، ويلاقي من صلف المشركين وتعنتهم وظلمهم ما لو حُمِّل على الجبال لناءت بحمله. فلم ييأس ولم تضعف عزيمته. ثمَّ خرج من مكة مهاجراً مطارداً وما لبث أن عاد فاتحاً منتصراً بعد أعوام. والسرٌّ في ذلك هو الثقة بنصر الله بعد الأخذ بأسباب النصر من عملٍ, دؤوب، وجهاد طويل مرير. والتاريخ يعيد نفسه اليوم. الطغاة الجبابرة الذين كانوا العقبة الكؤود في طريق الدعوة إلى الله منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها حتى عصرنا هذا هم.. هم.. تغيرت الأسماء والأشكال. وتغير الدعاة والنفوس والطرق والوسائل.. أما ما نراه اليوم من ذلة وخور وضعف من المسلمين. إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على الخمول والكسل والركون إلى الشهوات والملذات، وعدم الثقة بالله و بالنفس والأخذ بأسباب النجاح والفلاح، وتمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم. فيا أيها الشباب المسلم.. بكم تنهض الأمم ويُبنى ما انهدم، ويُسترد ما اغتصب ويُعاد ما سُلب. فأنتم شعاع الأمل وبكم تنهض الدول ولكن (و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة). فالحديد لا يفله إلا الحديد. وما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة. وليس بشرط أن نكون متكافئين مع الأعداء بالسلاح والعتاد. وهذا ما يتردد على ألسنة الكثير من الجاهلين بتاريخهم الإسلامي المجيد، وعدم فهمهم لسنن الله في الكون. (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله) وما خاض المسلمون معركة وانتصروا فيها إلا وكان عددهم وعدتهم أقل من عدد وعدة أعدائهم. ولكن سرَّ النصر كان بإيمانهم بالله وامتثالهم لأوامره واجتنابهم لنواهيه، والأخذ بالعمل الذي لا يعرف الكسل ولا الملل. ومن هنا نرى الآن بوادر النور والأمل في الصحوة الإسلامية التي أيقظت الغارقين والتائهين في مسارب الأرض، لتقول إنَّ الدماء التي روت الأرض في كل مكان.. أنبتت شعاع النور الذي تتزاحم على إخماده جحافل الظلام. (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد