تجري أحداث هذه القصة في مزرعة صغيرة من مزارع العبيد حديثة العهد نوعا ما بالعبودية. كانت هذه المزرعة مع أربع مزارع مجاورة محتلة من قبل الأجنبي وكانت كلها تمثل مزرعة واحدة يعيش أهلها في سلام وتآلف وحرية، ثار أهلها كما ثار أهالي المزارع الأخرى حتى نالوا جميعا استقلالهم الظاهري ولكن المستعمر الخبيث قسم هذه المزرعة الكبيرة إلى خمس مزارع ووضع على رأس كل منها مالكا، اشترط عليه أن يحول الدولة إلى مزرعة خاصة، وأن يذل أهلها وأن يقمع كل حركة نحو التقدم والحضارة يحاولون القيام بها.
هذه المزرعة الصغيرة كان تاريخها مختلفا، فقد نجت، ولأمر ما، من مصير رفيقاتها وسُمح لأهلها أن يحتفظوا بحريتهم فكانت كبقية دول العالم تنعم بالرخاء والحرية والحكم المستقل نسبيا.
وعندما ازداد التباين بين هذه المزرعة التي تنعم بالحرية وبين جاراتها التي تحولت إلى مزارع رسمية للعبيد، وصار حلم كل العبيد في المزارع المجاورة الهروب إلى هذه المزرعة الحرة، لم يعد هذا يروق للمزارع المجاورة ولمالكيها، فدبروا مؤامرة أطاحت بحرية هذه المزرعة وأقاموا فيها حربا ضروسا دمرت كل شيء، ثم تعاونوا جميعا على وضعها تحت وصاية مالك المزرعة المجاورة، الذي دخلها بعساكره ودمر كل شيء فيها تقريبا، واتفقوا على أن يشرف هو بنفسه عليها.
طبعا كان من شروط إنهاء الحرب في هذه المزرعة وعودة السلام المزعوم، نزع كل الحريات التي كانت تضايق ملاك المزارع المجاورة وإنهاء كل المظاهر الحرة التي تفرقها عن المزارع الأخرى حتى لا يفكر أحد من العبيد في مقارنة وضعه مع سكان هذه المزرعة الجديدة التي تحولت بإصرار المالك الجديد وبطشه وجبروته وتحكمه في كل شيء فيها إلى مزرعة للعبيد تشبه المزارع الأخرى.
لقد كان تحويل هذه المزرعة إلى مزرعة للعبيد مشكلة عويصة، فالبشر العاديون عادة يرفضون العبودية والذل خاصة إذا كانوا اعتادوا على الحرية والكرامة لهذا كان لا بد من نشوء جيل جديد يتربى منذ الصغر على العبودية والذلة حتى يستتب الأمر للمالك الجديد كما أن هناك مشكلة أخرى هي أن المالك الجديد كان بحسب الاتفاق مالكا مؤقتا ولا يمكن بقاؤه فيها إلى الأبد حتى لا يضم هذه المزرعة إلى مزرعته الأصلية.
مرت السنون ومورست جميع أنواع الحيل والخدع لإقناع أهل المزرعة بأن حياتهم الجديدة ستكون أفضل من الحياة القديمة التي كانت مليئة بالفوضى وأن الأمن سيستتب وأن الحرية هي سبب الحرب التي نشأت في بلادهم وأن العبودية مع الأمان خير من الحرية مع الفوضى، وبدأت هذه الوسائل تؤتي أكلها، كما كان المالك الجديد يهدد أبناء المزرعة بعدو خارجي قريب ويصور لهم أن مجرد إعطائهم بعض الحريات ومجرد تخليه عنهم سيمكن هذا العدو الخطير من الانقضاض على مزرعتهم الجميلة ليبتلعها وأنه هو الوحيد القادر على حمايتهم من هذا العدو الخطير، واقتنع البعض بمثل هذه الحجج بالترغيب والترهيب، وجيء بأحد العبيد من أبناء المزرعة ونصب كمالك صوري لها بصلاحيات بسيطة ليتم إشعار الناس أنهم ما زالوا أحرارا، ثم صاروا يغيرون القوانين الحرة التي كانت سائدة في المزرعة لتتحول إلى مزرعة بلا قانون كبقية المزارع الأخرى ويصبح كل شيء فيها مباحا لمالكها الجديد.
مع الأيام وبعد استقرار الوضع نسبيا في المزرعة الجديدة، عاد مالكو المزارع المجاورة لمطالبة المالك المؤقت الذي كانوا قد نصبوه عليها بالخروج منها، ولكنه كان قد استمرأ نهب خيراتها وصار له فيها رجال وأموال ومصالح لا تنتهي وبدأ يحلم في ضمها إلى مزرعته أو على الأقل في استمرار الانتفاع بها.
زادت الضغوط عليه مع الأيام ففكر بحيلة يخرج بها من هذه الورطة يثبت فيها ملكيته للمزرعة الجديدة، فقام بتحريك العبيد الموالين له والذين ملأ بطونهم بالرشاوى وأطمعهم ببعض المناصب والميزات، وطلب منهم أن يظهروا للعالم ولملاك المزارع المجاورة أنهم لا يريدون خروجه ولا استبداله بأي مالك آخر وأنهم راضون بالعبودية له وأنهم مقتنعون بأن عبوديته أرحم من حرية غيره، وزودهم بكثير من العبيد الذين أحضرهم من مزرعته الخاصة.
قام هؤلاء العبيد بمظاهرة حاشدة يصرخون ويهتفون: نريد المزيد من العبودية، لا نريد الحرية، الحرية فوضى والعبودية أمان، العَلف أهم من الحرية، المناصب أهم من الإنسانية، يعيش مالك المزرعة الجديد ووكيله المفوض، الموت لأعداء العبودية....
جاء المصورون والإعلاميون من جميع أنحاء العالم مستغربين من هذه الظاهرة الفريدة في العالم! كيف يرضى الناس بالعبودية؟ وكيف يمكن أن يخدعوا بهذا الشكل؟ وكيف يمكن أن يطالب بشر ذوي عقول بالمزيد من العبودية؟ وأقيمت المؤتمرات والندوات لدراسة هذه الحالة العجيبة في التاريخ، ولم يستطع أحد أن يفهم ما الذي يحصل في هذه المزرعة
كيف يستبدل الناس الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ كيف ينحط البشر إلى هذا الدرك بعد أن رفعهم الله إلى مقام التكريم؟ كيف يرضون بالذل لغير الله - تعالى -؟ كيف يمكن أن يسيطر بشر على بشر فيغسل عقولهم وأفكارهم ويقودهم إلى الهاوية وهم يهتفون ورائه مشجعين ومادحين؟
حُولت كل هذه الأسئلة إلى مراكز الأبحاث لدراستها، وبات المالك في المزرعة المجاورة سعيدا راضيا بما أنجز، ورجع العبيد المتظاهرون إلى أهليهم فرحين بالهدايا والعطايا التي حصلوا عليها، وسهر وكيل المزرعة يحلم بأن يصير هو المالك الحقيقي بعد أن يطرد مالك المزرعة المجاورة وأعوانه بعد أن رأى أنه قد أصبح لديه العدد الكافي من العبيد الذين سيرضون به بديلا. ولكن وسط الظلام الذي كان يلف المزرعة كلها في تلك الليلة بزغ القمر مكتملا ليسقط ضوؤه على جماعة من الشباب والشابات اجتمعوا في مكان ما من المزرعة ليتدارسوا كيف سيخلصوا بلدتهم الجميلة من المالك ونائبه وأعوانهم ويعيدوا إليها حريتها، ومن الكتاب الذي كانوا يتدارسونه انبعثت حزمة من الضوء أنارت وجه القمر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد