في لقاء مع الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة شفاها الله وعافاها من مرضها- تحدثت الشاعرة عن بواكيرها الشعرية في النصف الثاني من الأربعينيات وبداية الخمسينيات، وفي دواوينها الثلاثة: عاشقة الليل، وقرارة الموجة، وشظايا ورماد- فقالت:
- كنت متشائمة، لأنني كنت ملحدة، وكنت أنظر إلى هذه الحياة التي نحياها نظرة تراجيدية، يعيش الإنسان فيها حياة تراجيدية، تنتهي به إلى الموت، فإلى القبر، ذلك الشقّ من الأرض المعتم، حيث يُسجَّى جسده ليأكله الدود، ولذلك، كنـت متشائمة لهذا المصير الذي سأصير إليه كغيري من البشر.
وعندما عدت إلى الإيمان والإسلام، وقرأت القرآن العظيم، واطلعت على الحديث النبويّ، وعلى بعض الكتب الإسلامية الجادة، عرفت يقيناً، أن هذه الحياة التي نحياها ليست إلا ممراً لدار أبدية، دار الخلود في الجنة للمحسنين، والنار للمسيئين، عندئذ، عادت إليّ الحياة طلقة بهيجة، وعدت إليها متفائلة، لأن هذه الحياة الدنيا ليست كل شيء في حياة الإنسان، بل هناك الحياة الأخرى، حيث الحساب، فجنة أو نار، فالإنسان وعمله، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى).
هذا فحوى كلام الشاعرة الكبيرة نازك في عام 1972 وهو وسواه من أشعارها وكتاباتها ونقداتها الصائبة، هي التي أزعجت من أزعجت من الأدباء والشعراء والمفكرين الذين تختلف نظرتهم عن نظرة الشاعرة المفكرة الناقدة المبدعة نازك، وتختلف عقيدتهم ومبادئهم عن عقيدتها ومبادئها. فانبروا يهاجمونها ويتهمونها بالرجعية والارتداد، وهي التي كانت الشاعرة التقدمية المفضلة لديهم، حتى استطاعوا عزلها عن الحياة الشعرية والفكرية للأسف، و(النقاد) الإسلاميون، والكتّاب الملتزمون (يتفرجون)!
فالأديب المسلم أديب متفائل، والتفاؤل من أهم ما يميّز مذهب الإسلامية في الأدب والفن، ونظرة سريعة إلى قصص القرآن الكريم، تجعلنا نحسّ بهذه من خلال النهايات السعيدة لتلك القصص سواءٌ منها القصص التاريخية الواقعية، والقصص التي جاءت لتضرب الأمثال للناس، من أجل الموعظة الحسنة، عن طريق الفن الراقي.
والكتّاب والشعراء الإسلاميون، حتى وهم في أحلك الظروف وأقساها، تراهم يبدعون أعمالاً أدبية وفنية تشيع في نفوس الناس التفاؤل والحياة، ولا تجد فيهم من يضع على عينيه نظارة سوداء، فلا يرى إلا من خلالها.
وهذا يعني، أن المصدر الذي تستقي منه (الإسلامية) إلهاماتها، هو مصدر إلهيُّ عظيم، وليس مصدراً وضعياً لا يلبث أن يتغير بتغيّر حال الكاتب المبدع، أو تحوّل الظروف المحيطة صعوداً أو هبوطاً..إنه مصدر حيوي، يريد الحياة السعيدة للإنسان، ويحبب إليه التفاؤل، حتى في أقسى الظروف، فهو يرى فيها حكمة ربانية بالغة، هي غيب من غيوب الله، قد تظهر له، وكثيراً ما تظهر له، ولو بعد حين، ولهذا يبقى الأديب المسلم متفائلاً، برغم الظَّلام والظٌّلام وما ينشأ عنهم من ظلم وظلمات..يبقى متفائلاً، ويشيع في جوائه التفاؤل، ويطرد التشاؤم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد