ضاقت الدنيا في عيني.أمسيت إنسانًا يحمل المعنى المرادف لكلمة الفشل. حينما يُذكر الفشل تعلم أنه أنا. وحينما أُذكر تعرف أن الفشل آت لا محالة.
نمت ليلتي نومًا عميقًا، رأيت رؤًي كثيرة. كلها سعيدة. كلها نجاح وانتصار. وجدت من يفتح قاموسي ويمسك بالممحاة ويبحث حتى وصل إلى كلمة فشل. فمحاها تمامًا. كتب في هذا السطر كلمات لم أستطع قراءتها.
لكني فهمت من معناها النجاح الدائم. أفقت وأنا في غاية الفرح والسعادة.. سعادة لم أحسها طوال العمر الماضي. لم أفكر في شيء ولم أحاول قطع سعادتي على نفسي. وقلت إذن سأجرب.. قبل كل شيء لابد أن أسجد لربي شكرًا. بعد ذلك أرتدي هذه الحلة التي لا ألبسها أبدًا إلا إذا كانت هناك سعادة. لبست حلة السعادة. لم أنظر في المرآة كعادتي.. اكتفيت بما أراه بداخلي.. خرجت ليس كعادتي مبتسمًا أمشي في أناة لا أفكر في شيء يعكر صفوي. أول إنسان مررت به.. هو.. عمي الذي لم يقل لي كلمة واحدة طيبة. كلما رآني نهرني وتضجر وعيّرني بفشلي. اليوم حينما مررت به كان جالسًا.. وقف ونظر إليَّ طويلاً.. حملق فيَّ. رأيته يرتعد.. وقف متصلبًا.. مستقيمًا كأنه جندي وقف انتباه لقائده. ألقيت السلام عليه.. تهته ولم ينطق بحرف واحد. عيناه معلقة عليَّ لا يرمش. تعجبت لما رأيت. هذا الذي.. تركته ومشيت. كل من يقابلني يفعل ما فعل. أنظر إلى نفسي أتحسسني أسألني: ماذا حدث? أجيب: لا شيء.. لا تشغل بالك.
المهم أنك سعيد. أسير متجهًا إلي التليفزيون لأعرف هل نجحت في المسابقة وتم تعييني مذيعًا أم لا? تذكرت وأنا في الطريق.. حينما حاولت أن أسألهم أنكروني.. ونهروني.. وقالوا: من أنت? ابن من? قريب من? كم معك?. لم أجب. قالوا: إذن لا تأت هنا ثانية. ونحن إذا أردناك سنرسل في طلبك. وبما أني الآن سعيد سأذهب. ربما يقابلوني أفضل أو يعطوني أملاً في الرد. في الطريق.. وجدت الناس تفسح لي الطريق.. توقفت السيارات عند مروري. أسير خطواتي الهادئة. أعدًّل ملابسي. ابتسامتي لا تفارق فمي. الناس تنظر إليَّ.. الطريق أمامي خالي تمامًا.. على الجانبين تلوح الناس لي. انفعلت معهم.. ولوّحت بيدي.. تذكرت هذه الصورة التي رأيتها كثيرًا.. أتحسس نفسي. أسألها: هل أنا أحلم? أنظر حولي. هل الناس يلوحون لي? أم.. ? لا أحد يسير سواي. لا يهم. المهم أنني سعيد.. وهم سعداء. ما يقلقني أنهم يهابونني. لًمَ كل هذه الهيبة? أود أن يكون هذا حبًا. لا خوفًا. وصلت باب التليفزيون. اتجهت إلي الاستعلامات لأسأل.
تركوا ما في أيديهم ووقفوا كما وقف عمي. أسأل. أتحدث لا أحد يجيب. الكل يحملق متصلبًا. سرت.. صعدت.. كلما مررت بأحد يفعل ما فعلوا حتى وجدتني أمام مكتب الرئيس. دخلت.. وقف كما وقف عمي وكما وقف الناس.. ترك مكانه.. وتمنى عليَّ.. واستحلفني بالله أن أجلس مكانه. ولو دقائق حتى يسعد بذلك. ويزداد المقعد تعظيمًا وتشريفًا.. وحتى تسعد الأمة كلها.. حاولت أن أتكلم.. لكن حينما سمعت كلمة الأمة ارتجفت أوصالي.. وصرخت داخلي.. آه.. ماذا يحدث?! الأمر أصبح خطيرًا.. قطع الرجل عليَّ خوفي.. قائلاً: هل نُجري حوارًا مع سيادتكم؟! سقط رأسي لأسفل ولم أجب. تصور أنني أقول نعم.. ثوان وقال: نحن الآن على الهواء.. بث مباشر.. ماذا تقول سيادتكم لأمتكم?. حينما سمعت أمتكم.. توقف قلبي عن العمل وتوقفت كل أعضائي. متُ في مكاني.. ثم استيقظت لأجد السؤال مازال مطروحًا.
نطقت ببعض الكلمات التي لا أعرف كيف خرجت مًنًّي.. صفق الرجل وصفقت الناس وأخذوا يهتفون.. ازداد هتافهم.. تناسيت خوفي وحاولت مشاركتهم اللحظات. بلغت سعادتي قمتها. لكن قدم عمي التي أسقطتني من على سريري قطعت عليّ سعادتي.. انتفضت واقفًا لأري وجهه المعتاد يلعنني.. مشيت خلفه وأنا أردد في نفسي: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) صدق الله العظيم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
شكرا لكم
-محمد شلبى
22:23:37 2015-03-09