لديك الكثير!
قال لي والدمع يتوهّج في عينيه: (لا سلاح! لا مال! ماذا لدي غير القهر؟)
لا تصل يدك إلى السلاح! لا تملك روحك دليلها إلى الأرض المذبوحة على أعين أهلها!
لا مال لديك تلقي به إلى فوهات الأيدي التي تجمع الخير لليتامى والأرامل، ومن زرعهم رصاص عدوك في قوائم العاجزين! لا مال لديك تمنحه لمن يسهر حافياً على جمر الصبر لتنام وسط عيالك آمناً، محمولاً على كف الطمأنينة!
لا سلاح! لا مال!
وهزيمة تزرع الروح بالبكاء، وترويه أنيناً حارقاً يذيب الرجولة، ويقهر ما تبقّى من إرادة الجسد.
رويدك!
لا تذرف الدمع! وتلك الآه التي يرتعش لها وجهك بحرقة الصمت، ويتمزّق لصدى وجعها صوتك وأنت تعضّ على المؤلم من الكلام.
فلا تسرف على نفسك وأنت تطرد صور النساء وهنّ يودعن أغلى الرجال! وأنفاسك المتسارعة لا تلاحقها، لعلّها تهدأ! ولعلّك تبرأ من همس شيطان يودّ لو تصدّق بأنك لا تملك نفسك!
انهض! ما بك تثّاقل إلى الأرض؟! تشهد القمع، وتشهد الموت! تشهد الزيف في القول وفي الأنفاس، ووحدك تقف على الأرض كالطود منتصباً ورأسك تحتك!
خبرت خوفك وجرأتك، حمقك وحكمتك، صمتك وحديثك، جمرك وجليدك! ورغم كل ما وصفوك به، ورغم ملامحك التي تتصدّر صفحاتهم كما يرونها ما زلت تعرف وجهك، فكن أنت!
أصغ إليّ، بما تبقّى من القلب أنصت، وتحسّس بالحرّ من كفيك.. تحسّس عينيك! لا تزال مبصراً، وبشيء من الجرأة يمكنك أن تحدّق في كل شيء، ويمكنك أن تسمع صوتك! إنك تبكي.. ما أجمل البكاء! ما أروع الدمع حين يصير غسلاً لكل من دنّستهم بغرورها الحياة..
(يا الله!) يا من عذّبك الصمت طويلاً ما أحلى بالقرآن صوتك!
تنفّس بعمق.. ها أنت تلتقطك أصابعك من بين ذرّات الغبار، فبعد اليوم لن تختنق، ولن تعلو فوق جسدك ذاكرة السنين المجدبة، فقلبك بدأ يخضرّ..
يا الله! ما أروع حبات الماء وهي تتقافز على وجهك وساعديك، وتمرّ خجلة من فوق رأسك لتودّع بالحنين قدميك..
إنك تولد من جديد.. فهل تصدّق؟! نور يسطع في قلبك ويضيء وجهك.. تبتسم في ضيق الأرض، فتحتضن ابتسامتك سعة السماء، فهل تصدّق؟! بأنك ابن جميع الأنبياء، وبأنك في طريقك إلى بيت الله آمناً رغم العيون التي تحدّق في خطوك، فأنت ظهير نفسك..
لا مال في جيبك المقهور؟ لا سلاح في كفّك المقهور وصوتك لا يغادرك؟ اسجد لله صادقاً، وارفع الكفّ الخاوية بالدعاء، وخذ بأيدي الصغار وأنت تمضي لنور الله، فتلك كلمتك، وتلك مالك الذي يعرف طريقه إلى المجاهدين، رصاصتك المحرقة فأطلقها! من فجر المسجد، من حرقة التكبير.. من صبر المنابر وهي تناجي الأقصى الأسير..
لست معدماً.
لديك الكثير!
كلام الله، ونور المسجد.. وطفل صغير!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد