بسم الله الرحمن الرحيم
شهد المشروع السياسي العربي فشلاً ذريعًا، وإخفاقًا مريعًا في تعامله مع قضايا الأمة الكبرى طوال الخمسين سنة الماضية، وبخاصة في قضية فلسطين. فكلما مرت القضية بمنعطف خطير وتحولات كبيرة في فصول الحرب والسلام تداعت الأنظمة السياسية إلى لقاءات ومؤتمرات قمم طارئة وعادية، ثم ينفض سامر الساسة برؤى وقرارات تفاقم من المشكلة وتزيدها تعقيدًا، فتصبح الرؤية السياسة جزءًا من المشكلة عوضًا عن أن تكون جزءًا من الحل. وذاقت الحكومات ومعها الشعوب العربية والإسلامية المآسي والكوارث والنكبات بسبب غياب الرؤية الإستراتيجية السياسية.
لقد فشلت السياسة العربية، فهل يخفق الإعلام العربي أيضًا؟
المتابع لما يجري في فلسطين المحتلة، ثم الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي بدأ يوم الأربعاء الماضي 16 جمادى الآخرة 1427هـ، الموافق 12 يوليو 2006م، وما شهدته المدن اللبنانية من قتل للمدنيين الأبرياء، وتدمير البنى التحتية يجزم أن هذه حرب عسكرية، ومواجهة شاملة ينبغي على الإعلام العربي أن يتعامل معها وفق رؤية استراتيجية تعود آثارها على وحدة الجسد العربي والإسلامي عموما، وقوة تماسكه، والرفع من معنوياته.
ولئن كنا ابتداءً- نختلف في منطلقات هذه الحرب التي تدور رحاها الآن في لبنان على أسس عقدية وسياسية، والتوقف كثيرًا عند بواعثها ومسبباتها إلا أن استثمار هذه الأزمة هو مطلب عقدي أيضًا، مسنود بمسوغات عقلية ومنطقية، وأول من يجب أن يستفيد من هذه المحنة هو الإعلام العربي.
لماذا؟
الجواب -باختصار- هو أننا لا نريد لمشروعنا الإعلامي أن يخفق كما فشلت السياسة العربية. نريد من الإعلام العربي أن يضع لنا استراتيجية إعلامية تكون جزءًا من الحل لا أن يكون الإعلام جزءًا من المشكلة أيضًا.
وإن من عوامل نجاح الإستراتيجية الإعلامية ما يلي:
1- أن المعلومة أصبحت جزءًا من إدارة الصراع العسكري، والإعلام أهم مصادر المعلومة التي تؤثر على الساسة، وصناع القرار، وقادة الرأي، والجمهور.
2- تحرر الإعلام العربي من سلطة الأنظمة السياسية وهيمنة الحكومات. فالوطن العربي يشهد انفتاحا إعلاميًا تؤثر فيه مؤسسات الإعلام الخاصة أكثر من مؤسسات الإعلام الحكومي. وهذا العامل أتاح هامشًا كبيرًا من حرية الرأي والتعبير لم يألفه المواطن العربي من قبل في فترة الصراع العربي الصهيوني طوال العقود الخمسة المنصرمة.
3- ظهور مؤسسات إعلامية كبرى، تخاطب في رسالتها الجمهور العربي كله، لها إمكانات مادية كبيرة، ويعمل بها مؤهلون على درجة عالية من الخبرة والمهنية، وتتوافر لها تقنيات اتصالية عالية الجودة والكفاءة، فلم يعد المواطن العربي أسيرًا لقناة اتصالية محلية، أو خطاب إعلامي يتوجه إلى مجتمع بعينه.
هذه العوامل الثلاثة الرئيسة هي محفزات النجاح لرؤية عربية إعلامية تتعامل مع الأحداث وفق استراتيجية محددة يمكن أن تسهم في بناء رأي عام عربي تجاه قضايانا الكبرى.
وإن من أهم عناصر هذه الاستراتيجية متغيرات أساس لابد أن يأخذ بها القائمون بالاتصال في مؤسسات الإعلام العربي. منها:
1- أن ينطلق الخطاب الإعلامي العربي من ثوابت الأمة وعقيدتها. فالصراع بين العرب واليهود أساسه عقدي أيديولوجي. هكذا أراده الصهاينة ومن يؤيدهم، وهكذا ينبغي أن ننظر إليه نحن أيضًا. والبعد العقدي مسنود ببرهانين واقعيين:
أ- أن الخطاب الإعلامي الدولي بصفة عامة- هو خطاب (مؤدلج)، وليس صحيحًا ما يردده بعض الإعلاميين والمثقفين العرب بقولهم إن (الحيادية أساس الرسالة الإعلامية)، فكل إعلام منتم، إما لعقيدة، أو وطن، أو نظام. ومثل الإعلام غير المنتمي مثل بائع الصحف، يوزع مضامين لا يفقه معناها.
ودلائل هذه الحقيقة مبثوثة في الواقع المشاهد وفي بطون الكتب الإعلامية المتخصصة.
ب- أن الأمة العربية جربت شعارات عقدية شتى خلال صراعها الطويل مع الدولة الصهيونية، وتقلبت راياتها بين شيوعية، وقومية، وشعوبية، وقد آن الأوان أن تعود لرشدها، وترفع راية دينها.
2- أن يكون تعامل الإعلام العربي مع الحروب والأزمات تعاملاً مرحليًا، أي وفق مراحل يعرفها المتخصصون في (إعلام الأزمات) وأهم هذه المراحل مرحلة التغطية الإعلامية أثناء الأزمة، ومرحلة المتابعة الإعلامية لأحداث ما بعد الأزمة.
أ- فأما مرحلة التغطية الإعلامية أثناء الأزمة فيجب أن لا تكون مهمة الإعلام العربي نقل الأحداث كما هي في الواقع فقط، وإن كان هذا مطلبًا محمودًا، وإنما تحليل الوقائع والمشاهد، وربطها بقيم المجتمع العربي، وتوظيفها لخدمة الأهداف المتوخاة من التغطية الإعلامية، وبيان منطلقات العدو من حربه على الأمة، وتفنيد ما يردده من قيم يزعمها في حالة السلم، ونحو ذلك.
ب- وأما مرحلة ما بعد الأزمة فإنها معنية بالتنشئة السياسية للمواطن العربي، وهي مرحلة استلهمت الدروس والعبر من النصر أو الهزيمة، وتعزيز مفاهيم الحرب والسلام وفق رؤية الأمة، وتكريس مصطلحات الجهاد، وشروط النصر، ومقومات القوة، وعناصر الوحدة، وغيرها.
هذه بعض عوامل نجاح الاستراتيجية، وملامح فاعليتها وتأثيرها عسى أن لا ننهزم إعلاميًا كما هزُمنا من قبل سياسيًا وعسكريًا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد