طلبت الردى حتى تهيَّبك الردى*** وفي موتك المشهود عشتُ مخلَّدا
فأكرم بموتٍ, قبَّل المجدُ رأسَهُ*** وبين يديه الحقٌّ والبرٌّ والندى
وروحك أحيت في فدائك أمةً*** وبعضُ حياة الأمة الموت والفدى
حزمت عليك الناسفات فبُشِّرت *** بك الحور واخترتَ الشهادةَ موعدا
إهابك ضمّ البرق والرعدَ قاصفاً *** وثورةَ بركانٍ, أضاء وأرعدا
فأصبحتَ زلزالاً يدكّ حصونهم *** ونارَ شهابٍ, للشياطين أُرصدا
وكنتَ سعيراً لليهود تعجلت *** وبرداً على قلب الملبين أحمدا
فما زلتَ صوتَ الحقِّ في مسمع الدٌّنى *** يردده والآخرون هم الصدى
وقال لنا قوم قد انتحر الفتى *** وربّ ضلالٍ, يَلبَسُ العلمَ والهدى
وفي مذهب العميان ينتحر الضيا *** ويكره نورَ الشمس من كان أرمدا
وكم من نصيح قد يضرك نصحه *** وإن صديق الجهل أنكى من العدا
وكم بيننا من لا يرى غير أنفه *** يقول أرى ما لا ترون من المدى
وكم قائل قد كان يُحسنُ صمته *** وكم من إمامٍ, كان خيراً لو اقتدى
وكم بيننا من خائنٍ, ومُخذِّل *** يريشُ لنا فهم الخنوع مُسدداً
فإن هبَّ بعض المجرمين لذبحنا *** يجد في حمانا من يسنٌّ له المدى
*****
فلسطينُ يا أسطورة المجد والعُلا *** بنوكِ لهم تهوي المفاخرُ سُجَّدا
ترابك تسقيه الدماء طهورة *** ليثبت أمجاداً ويزهو سؤددا
فبوركت يا شعب البطولة قد رنت *** بأبصارها الدنيا إليك لتشهدا
وطأطأت الشمَّ الرواسي رؤوسَها *** أمامك إجلالاً وإن كُنَّ جلمدا
تصبٌّ عليك القاذفات سعيرها *** فيُطفئها بحر البطولة مُزبدا
فدى لك من باعوا البلاد بسلمهم *** وكل ذليل بالخضوع تبلَّدا
دماؤك من قلبي تسيل وفي الحشا *** لظى غضبٍ, بين الضلوعِ توقدا
أغالب دمع القهر أن يذبحوا أخي *** ولا أستطيع أن أمدَّ له يدا
فيا بطلاً أحني أمامك هامتي *** شهيداً زرعت المكرمات لتحصدا
وأبكيك دمعاً فيه ذوَّبت مهجتي *** وأفديك بالأنفاس لو كنت تفتدي
ولكن صوتاً منك يهتف بي أَفِق *** ولا تبكني فالحقٌّ فيَّ تجسدا
تحررتُ من أُسر المهانة ثأثراً *** وأنت بها مازلت دوني مقيدا
أعلمكم أن الحياة كرامة *** وما متٌّ كالأبطال إلا لأولدا
لئن قتلوني سوف يرعبهم دمي *** ويرسم فوق الأرض سيفاً مجردا
وإن يدفنوني يزرعوا الحقد في الثرى *** فما ضمّني إلا ليلفظهم غدا
وإن يهدموا جدران بيتي فإنني *** بنيتُ من الأمجاد صرحاً ممردا
فلن يستطيع البغيُ كسر إرادتي *** وإن صال حيناً فوق أرضي وعربدا
يظنون موتي غير أنِّي راجعٌ *** بسيفي ينضوه حفيدي مجدَّدا