بسم الله الرحمن الرحيم
ومع أن مصادر الخبر (المحايد!) في هذه الأيام تنحصر عند البعض في الوكالات العالمية المستقلة (ظاهرياً)º إلا أن هذه المصدرية لا تسلم من وازع الانتماء الديني، أو العرقي، أو الفئوي، أو المؤدلج، فالأخبار المنقولة تخالطها التهاويل والأكاذيب والإغماض وفق مصالح خاصة تخدم ذلك الانتماء، وهذا الميل العملي المتعمد يُمارس دون أن يُعترف به، بل ويمارس بطرق لا تخدش الأعراف والأخلاقيات المهنية التي وضعها أولئك لأنفسهم! تحايل على تشريع وضعوه بأنفسهم لا يختلف أبداً عن تحايل أجدادهم وأوليائهم من قبل على شريعة الله يوم سبتهم!
ولا غرابة أن يمارسوا التعتيم أو التضليل الإعلامي فهذا ديدن كل متسلط، ولقد سبقهم فرعون إلى هذا، فهو يعلن على الملأ:(( ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ))، وهو يقول ذلك في الوقت الذي يستعبد من يخاطبهم، ويقتل أبناءهم، ويستحيي نساءهمº فليس فوق ما يفعله فساد، ولكنه التضليل الإعلامي! ويعلن مرة أخرى: (( إن هؤلاء لشرذمة قليلون)) ولولا أنها آيات تُتلى في كتاب الله، لظننت هذه العبارات تصريحاً (لبوش) أو أحد أزلامه! ولكن تشابهت قلوبهم، وتنوعت وسائلهم.
ويشاء الله - سبحانه - لحكمة هو بها أعلم أن تعود الأيام، ويظهر فرعون جديد ليتسلط على رقابنا، ويقتل ويشرد، ويعلن أنه يفعل كل هذا لبناء (عراق حُر)، وليخلص العالم من (الإرهاب والتطرف وأعداء السلام والحرية)! ويتسلط هذا الفرعون - فرعون المؤسسات والأحلاف - على هذه الأمة ليحدثها عن أفعاله فيزينها، ويحدثها عن أفعالها فيشوهها، ولا سبيل لنا إلا أن نأخذ من أخبارهم ونحن نتولى استنطاق الحقيقة، واستظهار الصحيح من السقيم، ونتركهم يتولون نقل الصورة، وصياغة الكلمة!
ولقد كان تسارع الأحداث كفيلاً بفضح هذا المنهج الإعلامي المدجَّن لتتبين أساليبهم، ومتى يكذبون، ومتى يصدقون، وقد هجمت عليَّ الرغبة في وضع منهج لتمييز صحيح أخبارهم من سقيمه حين عزمت في هذه الإجازة أن أرصد الأخبار بنفسي، وأتتبع كل خبر - قدر الإمكان - لآخذ الصحيح من الباطل، مضت ليالٍ, وأنا أتابع: حشود حول الفلوجة، وصراع داخل المدن العراقية الأخرى، وفاة عرفات، وعلى أخبار العراق كان مصب اهتمامي، ولكن (رويترز) أبت إلا أن تحشُر عرفات في جملة أخبارها التي ترسلها بواسطة الجوال! لتكون (رويترز) مفتاحاً لي في كشف تحايلها على (أخلاقيات المهنة)، ولأختط لنفسي منهجاً أضعه الآن بين أيديكم لتمييز صحيح أخبارهم من سقيمها، ويبقى ذلك المنهج في ابتدائه ضعيف أمام تسارع الأحداث، فخبر قد يُكذَبُ اليوم ولكنه يتحقق في الغد (كسيطرة العدو على الفلوجة، أو موت عرفات)!
وتسعى وكالات الأنباء لإرضاء وازعها الديني مع الحفاظ على الأخلاقيات المهنية التي وضعَتها أساساً لعملهاº فعلى سبيل المثال: أعلنت (بي بي سي) أن تقارير مراسلها في الفلوجة تخضع لرقابة أمريكية، لتعطي رسالة واضحة بأن ما تنشره ليس كل الحقيقة، ولكنها لا تمانع من نشر الأكاذيب وفق منهج سأوضحه الآن.
أمعنت النظر بادي الأمر في أخبار (رويترز) التي حيرتني برسائلها على الجوال بكثرة التناقضات، فوجدتها تعتمد على ثلاث صيغ لنقل الخبر:
الصيغة الأولى: أفاد مراسلنا في كذا وكذا. . (أو ما شابهها من صيغ الجزم) ثم تسوق الخبر، وهذا الخبر في الغالب صحيح، وقد يكون معه شيء من التهويلº (إذا كان الخبر يخدم القوات الغازية)، وقد يكون محقراً (إن كان يسوء القوات الغازية) ولا غرابة فالانتماء واحد.
الصيغة الثانية: قال فلان كذا وكذا.. وفلان هذا قد يكون مسؤولاً أو صحفياً أو وكالة أنباء، و(رويترز) تنقل عنه لتتنصل من تبعات الكذب إن كان كاذباً، ولتنال حضوة الأسبقية إن كان صادقاً.
الصيغة الثالثة: وردت أنباء من كذا وكذا. . أو (أفادت أنباء واردة من كذا وكذا. . ) وهذه الصيغة لا تكاد تكون أخبارها صحيحة، وإن صحت فإنما تصح بعد إذاعة الخبرº فمثلاً: (أنباء عن دخول القوات الأمريكية لوسط الفلوجة)، هذا الخبر حين إذاعَتِهِ بهذه الصيغة غير صحيح، ولكن القوات الأمريكية قد تدخل فعلياً إلى وسط الفلوجة بعد يوم أو أكثر من إذاعة النبأ! وتستغل الوكالة هذا وتقول: دخلت القوات الأمريكية وسط الفلوجة وباتت تسيطر عليها (كما قالت الوكالة من قبل)!
وبعد أن رصدتُ هذا الرصد على وكالة (رويترز)، ووصلت فيه إلى مرحلة منهجية تطمئن بها نفسي، اتخذت هذا منهجاً في تتبع كل الأخبار، فوجدت أن وكالات الأنباء العالمية وعلى رأسها (بي بي سي) تنهج منهجاً مشابهاًº فالخبر (المذاع للجذب الإعلامي) يُذاع منسوباً إلى المجهول، والخبر المطابق (لشيء) من الواقع يُذاع بصيغة الجزم منسوباً إلى جهة معينة، مسؤولين أو مراسلين، والخبر الحقيقي يُنسب إلى المراسلين (ولو خالطه تهويل أو تهوين يخدم مصالحهم).
لعل هذا المنهج ليس سبقاً، ولعل السبق فيه ماثل في تدوينه، وجزى الله خيراً من شجعني بل وألح علي في كتابة هذا الرأي، أسأل الله أن ينفع به، وأن يُعيننا على أكاذيبهم، وأن ينصر إخواننا المجاهدين في سبيله في كل مكان، اللهم لا تجعلنا وإياهم فتنة للقوم الظالمين، ربنا أفرغ على إخواننا صبراً، وثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الكافرين. آمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد