بسم الله الرحمن الرحيم
\'تيسير علوني\' اسم كثيراً ما تردد في الأوساط الدولية الصحافية رمزاً للشجاعة والجرأة، والتقارير الإخبارية المتميزة، إنه مراسل قناة الجزيرة الفضائية الذي جذب الأنظار إليه في الماضي القريب أثناء تغطيته القوية لأحداث الحرب في أفغانستان والعراق، وجذب الأنظار إليه مؤخراً صحفياً عربياً مكبلاً خلف القضبان الأسبانية، متهماً بالاتهام الغربي ذائع الصيت، ويعاني آلام المرض، وقسوة الإحساس بالمرارة, وهو الآن قيد نوع آخر من السجن, خلف قضبان الإقامة الجبرية!!
وعلوني الذي صار رمزاً إعلامياً عربياً لم يلق به في سجون مدريد إلا لأنه قد تحدى الرواية الإعلامية الغربية - وخاصة الأمريكية - التي تنشرها الولايات المتحدة حول دول العالم الثالث والشرق الأوسط.
وقد أوضح الكاتب الصحفي \'رمزي بارود\' في مقال له نشره موقع \'أنتي وور\' الليبرالي الذي يعد أحد أهم مشروعات \'معهد راندولف بورن\' أن قاضي المحكمة الأسبانية العليا بلتاسار جارزون يعلم جيداً جداً أن \'تيسير علوني\' ليس \'إرهابياً\' كما تتهمه السلطات، وأن الدلائل تشير إلى أنه قد اعتقل حتى قبل إعداد الاتهامات الموجهة له، وذلك في إشارة إلى اعتقاله الأول في سبتمبر من عام 2003 م.
ويقول بارود في مقاله:
إن العديد من التقارير قد تحدثت عن وجود تأثير أمريكي و\'إسرائيلي\' كبير فيما يتعلق بتجهيز قائمة الادعاء ضد علوني، ذلك الصحفي اللامع الذي أصبح فجأة مشتبهاً في كونه \'عقل إرهابي مدبر\'!!
ويبدو أن الجريمة الحقيقية التي ارتكبها علوني هي عدم انسجامه مع الخط الصحفي الذي رغبت فيه واشنطن أثناء الحرب الأمريكية، وأثناء غزو أفغانستان في عام 2001 م، حيث كانت الولايات المتحدة تعمل على نقل وقائع الحرب برواية مصطنعة على درجة كبيرة من التنسيق، بينما يقوم علوني بتقديم رواية مختلفة أخرى، حيث لم يكن يهتم كثيراً بما يكرره عسكريو وزارة الدفاع الأمريكية بشأن دقة \'قنابلهم الذكية\' التي أبادت بذكاء أيضاً قرى بأكملها، وتسببت في مقتل آلاف الأبرياء، بل كانت تقاريره ولقطاته من أماكن الوقائع تعرض رواية منافية لمزاعم البيت الأبيض، تمثل فيها البيوت المهدمة، والأجساد المفجرة، والأطفال الذين فقدوا أطرافهم شخصياتها الرئيسة.
ويضيف بارود أنه بإمكانه أن يذهب بالقول إلى أن تقارير علوني الخاصة بالشأن الأفغاني سوف تظل تتحدى وتربك القصة الأمريكية الرسمية التي تتحدث عن تحرير أفغانستان للعديد من السنوات المقبلة.
ويرى الكاتب أن علوني من وجهة النظر الأمريكية قد ارتكب خطأين كبيرين:
أولهما واضحº وهو أنه قد كشف عن الثقوب التي ملأت تصريحات وزارة الدفاع حول عدم استهداف الشعب الأفغاني، وأن الهدف من وراء الغزو العسكري كان هو تحرير ذلك الشعب.
أما الخطأ الثاني - وهو أقل وضوحاً - هو خطأ يتعلق بـ \'حق الرواية\'، فعبر التاريخ ظل الغرب دائماً يفهم العالم العربي الإسلامي من منطلق رؤيته الذاتية الخاصة بهذا العالم، دون أن يهتم كثيراً برؤية الشرق لنفسه، وعلى ذلك فإن المنظور الغربي للشرق الأوسط لا يعكس بالضرورة الشرق الأوسط بقدر ما يعكس تفسيره الخاص الذي يقدمه الرواة الغربيين.
فمثلاً قول الغرب أن \'صدام لا يمكن أن يوثق به\' هي إعادة صياغة مخففة لجملة \'العرب لا يمكن أن يوثق بهم\'، وهو مفهوم غربي للعرب يُجمع عليه العديد من المفكرين والمستشرقين الغربيين، وحقيقة كون صدام لم يمتلك أسلحة دمار شامل لم تغير من الأمر شيئاً بالنسبة لرؤيتهم تلك.
أيضاً حقيقة أن تعداد الضحايا العراقيين الذين لقوا مصرعهم في مدينة الفلوجة فقط يفوق تعداد من لقوا مصرعهم في هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م في الولايات المتحدة، لا يشترط أن تتم ترجمتها غربياً على أساس أن الحادثين متساويين، لأن - بعد كل شيء - ضحايا الفلوجة من العرب المسلمين!
ويضيف الكاتب:
يجب أن نذكر هنا أن الرواية الغربية قد زادت على ذلك بأنها قد احتفلت بتلك الوفيات التي وقعت في الفلوجة باعتبارها انتصاراً تم إنجازه ضد رجال المقاومة العراقية، الرافضين للاحتلال، الذين تصر على تسميتهم بـ\'المتمردين\'.
وليس هذا فحسب هو تأثير الرواية الإعلامية الغربية، فالمأساة لها وجه آخر عندما ندرك أن السرد الغربي السائد قد أثر كذلك على رؤية العالم العربي نفسه، حيث أصبح الشرق الأوسط لا يثق في أية تفسيرات خاصة به إن لم تكن غربية!
وقد ظهرت خلال ذلك محاولات جادة للتصدي لذلك الاكتساح الإعلامي الغربي، وربما كان تليفزيون الجزيرة هو الأكثر نجاحاً في هذا المنحى، كما كان مراسلها \'تيسير علوني\' بلا شك في مقدمة هذا النجاح.
وقد احتفى الغرب بقناة الجزيرة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، حيث كان دورها يُرى كدور تكميلي لمحاولات الإعلام الغربي المستمرة لـ \'كشف\' الدول العربية، و\'تسليط الضوء\' على نقص الديموقراطية بها، وما إلى ذلك، غير أن نقطة الحسم كانت عندما شنت الولايات المتحدة هجومها العسكري على أفغانستان، وقامت الجزيرة بنقل حقائق العالم العربي والإسلامي ليس فقط للعرب والمسلمين بل للعالم الغربي أيضاً.
وقد تميز \'تيسير علوني\' خلال تغطيته لأحداث أفغانستان، حيث لم ينقل فقط الوقائعº بل ساعد المتلقين على فهم أفضل للواقع على الأرض.
ويعاني علوني المحتجز حالياً في مدريد من تدهور حاد في حالته الصحية، وآلام تصفها زوجته السيدة \'فاطمة علوني\' بأنها تصبح أحياناً غير محتملة.
وقد اختتم الكاتب الفلسطيني المقيم بواشنطن \'رمزي بارود مقاله الذي حمل عنوان \'تيسير لا يستحق ذلك\'، بإشارة إلى الملصقات المنتشرة بالجزيرة والتي تحمل صور علوني، وعبارات مطالبة بإطلاق سراحه، مؤكداً كذلك على إسهامات علوني في مجال الإعلام العربي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد