بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، مَنَّ على من شاء من عباده بهدايتهم للايمان، وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفرد بالكمال والجلال والعظمة والسلطان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى كافة الإنس والجان، بلغ رسالة ربه وبين غاية البيان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى نشروا العدل والأمن والإيمان، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
قال تعالى:( إِنَّ الذين يُحِـبُـونَ أن تَشيعَ الفاحِشَـةُ في الذين آمَنُـوا لَهُـم عَـذابٌ أليــمٌ في الدُنــيا والآخــرةِ واللهُ يَـعلَـمُ وأنتُم لا تَعلمُونَ).
إنى اكتب هذه الكلمات والقلب يتقطع على ما نرى، وأتذكر بداية هذه الكلمة قول المصطفى - صلى الله علية وسلم - : (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قيل: يا رسول الله اليهود والنصاري؟ قال: فمن؟؟ أي من القوم، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين).
مصيبة عظيمة، وطامة كبيرة تضم إلى ما قبلها من البلايا والرزايا، وجب النصح والتذكير أن أنبه على أمر لا ينبغي السكوت عنه، بل يجب الحذر منه والابتعاد عنه، وهو ما يحصل في القنوات الفضائية من خدش للحياء والعفة والكرامة - ولاحول ولا قوة إلا بالله - في الوقت الذي يُمزق الإسلام وأهلهُ في كلِ مكان، وتستحل ثروات العرب والمسلمين، وتهدر دماؤهم رخيصة في فلسطين وفي كل الأرض، وبــينما الإسلام يئن ضعفاً وخوراً من أهلهِ, يفاجأ العالم العربي والإسلامي بانحطاط جديد يخترعه الفرنسيون ثم يأتي من يزعمون أنهم عرب ومسلمون ليستـنسخوا هذا الانحطاط، ويطبقونه على أولادنا وشبابنا وبناتــنا، ويجعلون العالم العربي والإسلامي كله مشدوهاً مشدوداً بآخر التقليعات الساقطة, والمنكر الفاضح، ومبارزة الله في المعاصي.. وعلى الهواء مباشرة ببث حي ومباشر لمجموعة من الضحايا الشباب والبنات الذين يتنافسون على المنكر، وعلى كل ما يغضب الله تعالى.. فمن يكن منهم أكثر إجادة للرقص يكن فائــزاً بالدرجات العليا..! ومن يكن أكثرهم حميمية مع صديقاته ولطفاً ورومانسية يكن هو الفائز..! ومن يجيد المقامات والغناء والعزف وكل أنواع الغفلة يكن هو الأول عليهم..!
اختلاط ورقص وغناء وفجور وفسق وتنافس على المنكرات شيء عجيب!! أين أولئك البنات الفاسقات من نساء متلفعات بمروطهن كانت الواحدة منهن لا تعرف؟!
ألا تذكرن الحديث الذي ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: « كان رسول الله يصلي الفجر فيشهد معه نساء متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس »، وقالت: « لو رأى رسول الله من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد، كما منعت بنو إسرائيل نساءها » فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله - عز وجل -، وأعلاها أخلاقاً وآداباً، وأكملها إيماناً، وأصلحها عملاً، فهم القدوة الصالحة لغيرهم.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ( كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها، فإذا جاوزنا كشفناه)، ومن المعلوم أن احتجاب المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح، قال الله - سبحانه وتعالى -: { وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليضَرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [النور:31] وقال تعالى: { وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ, ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبكُم وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب:53] الآية، وقال تعالى: { يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً }.
لقد خرج النبي ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق، فقال النبي : « استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق »، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق به من لصوقها، ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: { وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ } [النور:31]، وقد ثبت عنه أنه قال: « لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما » [رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -].
حرب على الفضيلة من كل مكان، فبعد أن أطلت القنوات الفضائية ببرنامج \"سوبر ستار\" وتكرره في الجزء الثاني، ظهر اليوم برنامج مماثل على محطة أخرى بنفس المعنى ومستنسخ عنه، ولكن باسم مختلف حمل اسم \"ستار أكاديمي\" وهو يجمع المطربين من جيل الشباب في حمى تنافس شديد لمن يتقلد الصدارة في هذا الموسم! إنها خطة ساقطة ومهينة تلك التي خطط لها القائمون على هذا البرنامج الفاضح والمسمى \" ستار أكاديمي \"، إنهم يريدون سحق قيم الفضيلة والأخلاق علانية في نفوس الشباب والبنات، لقد أفسدوا الملايين والملايين من وراء الاتصالات التي تصل للبرنامج, فــأنت من ترشح اليوم ليكون الفائز بهذه الرقصة?! وأنت يا أيتها الفتاة من ترشحين من الشباب ليكون الفائز عندك?! ومن هو الشاب الذي دخل قلبك وتـتمنين أن تقضين أوقاتاً دافئة معه?! ساعدي هذا الشاب.. وأنتَ ساعد هذه الفتاة التي أعجبت بقوامها واتصل وأعطها صوتك.. وهكذا يمزقون الفضيلة، وينحرون الحياء والعفاف..!
لقد تزايدت حمى التنافس، وتعالى صوت المؤيدين لمثل تلك البرامج والأفكار، فظهرت تقارير إعلامية تقول: إن إطلاق برنامج \"ستار أكاديمي\" تهدف إلى منافسة برنامج \"سوبر ستار\" الذي حقق نجاحاً باهراً في لبنان والدول العربية، وظهرت أرقام عن حجم الشباب العربي المشارك، ومنها مشاركة ما يقارب خمسة آلاف شاب وفتاة من الأردن فقط، أما شروط المشاركة في الأردن - على سبيل المثال – فإنها لا تختلف في باقي البلاد العربية بحسب إعلانات نشرتها شركة اتصالات للهواتف النقالة ترعى التصفيات المقامة في الأردن ـ وشروط الاشتراك هي:
لبسة على الموضة، وحفظ ثلاث أغان، وشكل مقبول لمن يريد الاشتراك.. عندها يتحول المكان الذي يضم هؤلاء الشباب والفتيات إلى صالة أزياء أقل ما توصف به أنها مخزية.
إن ثقافة السوبر ستار وأكاديمي ستار تفتح مجدداً ملفات التغريب والقيم الهابطة التي باتت جهات رسمية في بعض البلاد العربية والإسلامية تدعم انتشارها بين الجيل الجديد، فقامت جامعات بإجراء حفلات تكريم لشبان وفتيات فازوا بجائزة الأغنية الأردنية، بعد أن كانت هذه الجامعات لا تعقد مثل هذه الحفلات إلا للمتميزين علمياً وأخلاقياً.
كل هذا الجهد الذاهب هباءً يختزل في رسالة إعلامية موجهة بعناية إلى أهداف، أهمها: تنمية الاندماج بين الجنسين، وإشعار النشء أن لا إشكال في بناء العلاقات والصداقات بين الجنسين، وأن قضية تحسس الفتيات من الفتيان، وطقوس الفصل بين الجنسين، والحدود في علاقاتهم هي أمور لا صحة لها.
إن عدد الذين صوتوا لبرنامج \"سوبر ستار\" ـ مثلاً ـ على حسب المكالمات التليفونية المُستقبلة من تلك البلدان ـ استناداً إلى موقع سعودي تيليكوم، وإيجيبت تيلي كوم، وليبا كول، وشركة الوطنية للاتصالات بالكويت، وغيرها ـ: (11) مليوناً وثلاثمئة ألف اتصال من السعودية، و(23) مليوناً ومئة وخمساً وسبعين ألف اتصال من مصر، و(18) مليوناً وخمسمئة وستة وثلاثين ألف اتصال من لبنان، و(300) ألف اتصال من الكويت، ومن الإمارات مليون ومئتان وعشرون ألف اتصال، ومن اليمن سبعة آلاف اتصال، و(16) مليوناً وتسعمئة ألف وثلاثة وثلاثين اتصالاً من سوريا، و(8) ملايين وثمانية وسبعين ألف اتصال من الأردن. ولو جمعت الأرقام أعلاه لبلغت حوالي (79) مليوناً وخمسمئة وخمسين ألف اتصال، في حين أن عدد المصوتين من جميع البلدان العربية في مجلس الأمن والأمم المتحدة ووثيقة الاعتراض على الحرب على أفغانستان لم يتجاوز أربعة ملايين صوت!
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ألا فالحذر الحذر من غضب الله، وتذكروا قول الله - تعالى -: \"وأما من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى\". أورد القرطبي قول مجاهد تعليقاً على هذه الآية: \"هو خوفه في الدنيا من الله - عز وجل - عند مواقعة الذنب فيقلع\". ونهى النفس عن الهوى، أي زجرها عن المعاصي والمحارم، ويتعوذ ابن مسعود - رضي الله عنه - من زمان سيأتي بعده، يكون للهوى الدولة والصولة فيقول\"أنتم في زمان يقود الحق الهوى، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق، فنعوذ بالله من ذلك الزمان\"، ونحن فيه إلا ما رحم ربي.
وكلمة خيره أذكر بها نفسي لمن قرأ هذا الموضوع وهي كلمة شديدة الأهمية لكثرة ورودها في القرآن، وضرورة الالتزام بها وفهمها جيداً، وهي كلمة (التقوى) التي أظن أن معناها القرآني لم يُفقه بدقة، فاتقوا الله أيها المسلمون.. فاتقوا الله أيها المسلمون.. فاتقوا الله أيها المسلمون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد