بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
بعد أن تداعى الغيورون لإظهار النكير على المظهرين المنكر المسمّى \" السوبر ستار\" في عقر داره، وتظاهر المنكرون ـ والتظاهر هو التعاون ـ لإنكاره بالحشد ضده لكسـر حدّه، رغب بعض الإخوة أن تكون مقالة هذا الأسبوع في الإعلام المفسد، خطورته، وأهدافه، وسماته، ومنهاجه.
والإعلام ينقسم إلى: إعلام مُصلح، وآخــر مباح نافع، وثالث إعلام مفسد، وسيكون حديثنا عن الإعلام المفسد، والغربي منه على وجه التحديد، وإعلامنا المتأثر به إنما هو انعكاس في الغالب لأهداف الإعلام الغربي، يحاكي وسائله، ويسير على منهاجه بغير وعي.
والإعلام هو أخطر سلاح في معركة الصراع الثقافي، وهو من أشد الأسلحة فتكاً في المعارك العسكرية.
والإعلام يمكنه أن يصنع الوعي، أو يهدم وعياً سليماً ويستبدل به وعياً مزيفاً، يراه الإنسان حسناً وهو في غاية القبـــح، كما قال - تعالى - (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً).
ولا تعجب إذا قيل إن الإعلام قد يعمل عمل السحر، ولهذا في الحديث \"إن من البيان لسحراً\".
مثال حي لحجم زيف الإعلام الغربي:
وتعالوا نضرب لكم مثالاً حياً نعيشه كل يوم على خطورة الإعلام، تعالوا معي لننظر إلى أكبر كذبة إعلامية في العصر الحديث:
فأمريكا ـ ونعني هنا الساسة ورجال الفكر ولا ننكر وجود المنصفين ـ تقدم حضارتها على أنها الحضارة المنقذة للعالم، وذلك عندما تصدر بإعلامها الزائف إلى خارجها، أنها تحمل قيماً هي حلم الإنسانية.
ولهذا أباحت لنفسها أن تجوب جيوشها العالم لتبشّر بقيمها بالقوة، وتفرضها على العالم بالعنف والإبادة، وتحطم من يقف في طريقها، بينما عندما يخاطب مفكروها الداخل الأمريكي - حيث لا مجال لتزييف ما هو واقع معايش - يعترفون بأنفسهم أنهم مفلسون من كل شيء إلا من ثلاثة أشياء كل واحد منها معه قرينــه:
الجشع المادي، والجشع بلا حدود.
والتعصب، والتعصب بلا حدود.
والغطرسة والغطرسة بلا حدود أيضاً.
** فمثلاً: يقول نيكسون في كتابه (ما وراء السلام):
\" الطريق يجب أن يعبد حتى تبلغ المثالية الغربية في الحرية السياسية والاقتصادية نصرها الشامل \"، ثم يبين في عنجهية أمريكية معهودة أن أمريكا وحدها هي من سيعبد هذا الطريق:
\" إن أفكار الحرية لن تعيش وتكبر نموا على أرض عاثت فيه أجيال عبثاً، ما لم تنر أمريكا الطريق أمام هذه الأفكار بصفتها المثال الحي للحرية والسلام \"، ويقول \" ولأول مرة على مدى 50 عاماً نملك بين أيدينا القوة لرسم مسار القرن القادم بما يمكن جميع الدول - لا بعضها - من خوض غمار تجربة الانتصار للحرية على استبدادية العالم \"، ثم ينتشي قائلاً: إن أمريكا تملك أمل العالم: \" أمل العالم للقيم التي وقفت من أجلها، واليوم يجب أن تجسد أمريكا نموذجاً للآخرين \".
** والآن تعالوا نسمع ما قاله نيكسون نفسه عندما حوّل الخطاب إلى الأمريكيين يخاطبهم بالحقيقة المرة: \" غير أن النموذج الأمريكي يتصدع مع كل مشكلة محلية عميقة منها تفشي الجريمة والعنصرية والفقر ـ 30 بالمئة من الأمريكان يعيشون عند خط الفقر ـ ويصف ذلك كله بـ \" التعفن الذي أصاب مدننا \"، ويقول أيضاً معترفاً \" نحن لم نزل نعيش في بؤرة حضارة العنف والخوف ـ يقصد أمريكا ـ حتى أمست شوارعنا ومنازلنا ساحة لنشاطات العابثين العشوائية، ولم يعد ثمة حرمة لأي كان في كل مكان، واستبد الخوف بملايين الأمريكان \"، ويصف نظام العدالة الجنائي الأمريكي \" قد فشل لحد كئيب في تحقيق ما ينبغي أن يكون أول حرية: الحرية من الخوف \"، ثم يقول نيكسون: (مشكلة أمريكا الكبرى تكمن في التآكل الاجتماعي الذي يخلق المجرمين في المقام الأول، وفي انهار القيم، وانعدام روح الانضباط، وغياب أي إحساس بالحق والباطل من نفوس كثير من شباب أمريكا)، ثم أخيراً يعترف الاعتراف الأخير بعد أن يشيد بمقولة أحد فلاسفة القرن التاسع عشر حين شبه الرأسمالية بـ \" عاصفة من التهديم الأخلاقي \"، ثم يختم \" فبلادنا غنية بثرواتها، لكننا فقراء بروحانياتنا.. أزمة القيم في الداخل، وافتقارنا إلى رسالة مترابطة في منطقها في الخارج، قد خلقا لنا عجزاً روحياً حانقاً، حتى بدا الأمر لنا كأننا نعيش تجربة ما وصفه (أرنولد توينبي) في كتابه (دراسة في التاريخ) بليلة الروح الظلماء \".
إنها إذن عاصفة التهديم الأخلاقي، وليلة الروح الظلماء، هي الحقيقة، وأما الزيف الذي يقدمه الإعلام فهو الحرية، وحقوق الإنسان، وأمل الشعوب بالتحرير من المستبدين الذين زرعتهم الإدارة الأمريكية نفسها.
فلا جرم إذن أن العالم كلّه يكرههم لأنهــم ينشرون الخوف والفساد الأخلاقي ـ كما فعلوا في العراق فأكثر ما نجحوا فيه حتى الآن في العراق هو نشر المجلات والأفلام الإباحية، وكذلك في كل مكان يحلّون فيه ـ كما يسطون على ثروات الشعوب، ويستعبدونها.
أهداف الإعلام المفسد المعاصر:
أهدافه هي أهداف إبليس نفسه، وقد بيّنها الله - تعالى - بقوله: (إنما يأمركم بالسوء و الفحشاء وأن تقولوا على الله ما تعلمون).
فهي ثلاثة أهداف:
أحدها: إفساد العقيدة، وتخريب التصورات الصحيحة التي يصلح بها عقل الإنسان ونفسه، وكل فساد للعقيدة فهو داخل في القول على الله بغير علم.
والحرب التي يشنها الإعلام الغربي المفسد على العقيدة الإسلامية من هذا الهدف، فالإسلام ضده الجاهلية، ولهذا قال - تعالى - (أفحكم الجاهلية يبغون)، والجاهلية هي القول على الله بغيـر علم.
والثاني: فعل السيئات، وسُمّيت سيئات لأنها تسوء بصاحبها، والحرب التي يشنها الإعلام الغربي المفسد على الشريعة الإسلامية من هذا الهدف، لأن الشريعة هي الصلاح وفعل الخيرات والصالحات، وضدها فعل المنكرات.
والثالث: إشاعة الفواحش وتدمير الأخلاق، ولا ننسى أن إشاعة الفاحشة تدمّر المجتمعات، وتهلك الأمم، وقد قال بعض الباحثين أنه توصل في دراسته أن مئة حضارة بادت بعد انتشار الزنا فيها، ولهذا صح في الحديث: (ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله) رواه احمد من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
ولهذا فإن أكثر ما تنتجه وسائل الإعلام المفسد يدور حول الجنس والجريمة، وبهذا يعلم أن أهداف الإعلام المفسد تدور حول: إفساد العقيدة، وتخريب الشريعة، وتدمير الأخلاق، فأي بقاء لأمة بعد ذهاب هذه الثلاثة منها.
سمات الإعلام المفسد المعاصر:
هذا والإعلام المفسد المعاصر له ثلاث سمات رئيسة:
أحدها: الكذب وذلك بالافتراء المحض، فإن لم يمكن ذلك فبكتم الحقيقة، فإن لم يمكن ذلك فبالتلبيس بذكر بعضها وتزييف البعض الآخر أو السكوت عنــه، وهذه أخلاق اليهود كما قال - تعالى -: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) فلا جرم أن كانت أكبر وسائل الإعلام لليهود يد فيها!
كما نرى اليوم في الكذب والافتراء في الإعلام الغربي في قضية الإعلامي تيسير علوني، وكم من مسلم راح ضحية الكذب الإعلامي، وتذكرون كيف أنه بعض وسائل الإعلام المحلية صورت شباب الصحوة أنهم \" إرهابيون \" في شبكات تخطط لتخريب البلاد، وترويع العباد، ثم تبين أن كل ذلك الكذب، إنما كان لهثاً وراء تكثير المبيعات للصحيفة فحسب، أو لإرضاء الساسة، أو سيدتهم أمريكا.
الثاني: النفاق، فالإعلام المفسد المعاصر سواء الغربي والعربي كله نفاق في نفاق، يتكتم على حقيقة وخسائر الأعداء الذين يحاربون الإسلام في عقر داره، ويتستر على رزاياهم، ويخفي هزائمهم، ويبرز لهم ما يرضيهم فقط، ويطبل للزعماء، ويعظم شأنهم، ويتقرب إليهم بالزيف والكذب، ويحاول تجميل صورتهم أمام شعوبهم، وهم فراغ هائل لا قيمة له، بل يا ليتهم فراغ، فهم عوامل هدم وإفساد وتأخر وذل الأمة.
الثالث: الاعتماد على البهرج وزخرفة القول، والتهويل، والغرور وهو الخداع، وهذا هو أسلوب الشيطان نفسه قال - تعالى -: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً).
منهج الإعلام المفسد المعاصر:
والإعلام الغربي ـ وكذا الإعلام العربي الذي يعد في الغالب متأثرا بالإعلام الغربي، بل أحياناً ليس سوى صداه ـ يهاجم الإسلام من عدة نواح، و بعدة طرق:
فأولاً: بهجوم مباشر على العقيدة الإسلامية، وذلك بإزاحة المفاهيم الإسلامية، ووضع المفاهيم الغربيّة بدلها، وأحياناً تحتاج عملية التزييف هذه إلى مرحلة متوسطة، فيُلجأ إلى تغيير في المفاهيم الإسلامية ويحافظ على الألفاظ الإسلامية ويفرغها من معانيها:
المثال الأول: تسمية الجهاد إرهاباً.
المثال الثاني: القول مثلاً بأن الإسلام دين السلام، ويقصد به الاستسلام والذل والخضوع للكافر والتنازل عن الحقوق، كما استدل السادات الهالك على معاهدة كامب ديفيد بقوله - تعالى - (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله).
وهذا الخطوة تكون بطريقتين:
* الأولى: تكرار ربط الحدث والوقائع بالمفاهيم الغربية حتى تتكرر على المسلم فكلما رأى الواقعة ربطها بالمفهوم تلقائياً من غير شعور.
ولا ننسى أن هذا العصر تحولت فيه الثقافة إلى ثقافة الصورة، فالصورة هي ثقافة عامة الناس، فلا يكادون يقرأون تقريراً كاملاً عن أي حدث لمعرفة أبعاده وخلفياته، بل يأخذون وعيهم من الصورة والتعليق.
* الثانية: تنميط المفاهيم الغربية بأنساق مزخرفة، وتفخيمها وقولبتها بقوالب ذات زخم، وإبرازها في العناوين والشعارات حتى يصبح واقعاً مستقراً تصعب مقاومته، بينما هي فقاعات كبيرة فارغة لاقيمة لها.
ومن الأمثلة على ذلك، لفظ الحرية: فهذا اللفظ الجميل يقصدون به ـ في الحقيقة ـ نشر الإلحاد والفحش.
ومثل حقوق الإنسان: يقصدون به حقوق الإنسان الغربي، وقد جعلوا منها حقه في استعباد شعوب العالم والاستيلاء على ثرواتهم.
ومثل العولمة والتجارة الحرة: بينما هي في الحقيقة أكبر عملية سطو في التاريخ.
ثانياً: تمجيد ما عند الغرب، وتهويل شأنهم، وتخويف المسلمين منهم:
ومن ذلك تعظيم القوة الغربية وإمكاناتها حتى تنخلع القلوب منها، مع أنها قد تبين ضعفها وخورها وتهاويها كما تتهاوى أعواد القصب، فالمسلم بإيمانه بالله - تعالى - ويقينه أن الله - تعالى - لا يعجزه شيء، لا يقيم وزناً لمخلوق مهما كانت قوته، أمام قوة الإيمان والتوكل على الله - تعالى -.
ولنا في المجاهدين المناوئين للقوة الأمريكية المتغطرسة مثال حي، فهم لم يتهوّلوا من استعراضاتها العسكرية لترسانتها التي تجوب العالم لتخوف الناس، ولم يُقذف في قلوبهم الرعب منها، بل قذف الله - تعالى - في قلب الأمريكيين الرعب منهم، وذلك لقوة إيمانهم بالله - تعالى -، وصدق توكلهم عليه، وعلمهم اليقيني أن هذه القوة الأمريكية المتغطرسة ليست سوى زيف كبير، سيتهاوى وشيـكاً تحت عزيمة المؤمنين بإذن الله - تعالى -.
ثالثاً: زعزعة العقيدة الإسلامية بوسائل خفية:
ومن الأمثلة على ذلك تفسير ظواهر الكون في البرامج التعليمية والثقافية على أنها من عمل الطبيعة، وإقصاء أي تفسير لها خارج الكون نفسه، في تكريس واضح لمفهوم الإلحاد، وهذا يأتي في إطار كذبة: تحييد العلم، أي فصل العلاقة بين العلم والدين، ولهذا تجد في كثير من البرامج الثقافية في إعلامنا، هذه العبارة مثلاً: (فمنحته الطبيعة حاسة بصر ليلية)!، وهذه العبارة: (ومع مرور السنين طور هذا الحيوان حاسة الشم عنده)! في حرص واضح على إزاحة العقيدة الإسلامية بأن الله - تعالى - هو (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)، وتأمل هذا التشدد والتعصب في الحرص على محاربة العقيدة الإسلامية في أدق التفاصيل، وعدم التسامح بتمرير أي لفظة تدل على عقيدة التوحيد، بينما في المقابل يرمون المسلمين بالتشدد في حذف أي كلمة إعلامية تناقض عقيدة التوحيد!!
ومن الأمثلة على هذا أيضاً إبراز \"النسبية\" في تفسير اختلاف العقائد والأديان، وأنها كلها حق بالنسبة لمن يعتقدها، ولا يوجد حقيقة مطلقة، ولا قيم مطلقة، وإنما هي كلها نتاج الإنسانية، وكلها وجهات نظر نسبية سواء الإسلام أوغيره.
رابعاً: الاستهزاء والسخرية بشعار الدين وتهجينه في نفوس المسلمين:
وذلك عن طريق تشويه صورة الإنسان الملتزم بدينه، أو المرأة المحجبة، وربط هذه الشعارات بالتخلف، والتشدد، والتطرف.. إلخ.
خامساً: تشويه صورة الإسلام والرموز الإسلامية من العلماء والدعاة والمجاهدين:
وكلنا يتذكر أفلاماً مثل: (أكاذيب حقيقية) و(القرار الحاسم) و(الحصار)، وكيف انتجت بممثلين مشهورين محبوبين في الغرب، وكيف كانت ترسم صورة للإسلام مساوياً للإرهاب.
وعملت هذه الأفلام على تكييف الرأي العام الأميركي على توقع الأسوأ من حضارة رسمت على أنها \"إرهابية\" و \"أصولية\" \"ومتعصبة، وكانت هذه الصورة من القوة لدرجة تجعل الثقافة الشعبية تستنتج هذه المساواة دون تفكير أو إمعان نظر فيها، وهذا كثير جداً في الإعلام المفسد، وفي إعلامنا الذي يحاكيه بغير عقل أمثله كثيرة لا تخفى، وقد رأينا كيف جعل الإعلام الغربي الشيخ أحمد ياسين مثلاً إرهابياً، وشارون رجل سلام!!
وكيف يُسمّى المجاهدون، متطرفين خارجين عن العدالة، وبينما يجعل الزعماء الذين امتلأت سجونهم بالمظلومين، والمعذبين، وبلادهم بالمفسدين والمفسدات، قادة الأمة، حماة العدالة، والحقيقة أنه قد قامت زعاماتهم أصلاً على انتهاك العدالة والحق.
وقد صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يصدق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) رواه أحمد والبيهقي والحاكم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
سادساً: تحويل فعل الفواحش واتباع الشهوات إلى عقيدة ومبدأ وشريعة ومنهاج:
وإذا كان المعصية بين المسلمين فيما مضى تقع عندما تقع ومقترفوها يعلمون أنهم يعصون الله - تعالى -، ويقرون بأن الفضيلة والخير والهدى في غير ما فعلواº فإن أخطر ما في الإعلام المفسد المعاصر أنه يلبس الفواحش والرذائل لباس الحق والفضيلة، وهذا كما تعلمون في غاية الخطورة، لأنه يخرج المعصية من حيز الفسوق إلى حيز الكفر والردة، وهذا الذي يطلق عليه العلماء استحلال فعل الكبائر وأنه كفر مخرج من الملة.
والإعلام المفسد يحرص على تزيين الدعوة إلى فعل الفواحش بتسميتها فنّاً! وتزيين الزنا بتسميته حب وصداقة! وتزيين التبرج بتسمية المتبرجة المرأة العصريـّة، وما أرى المقصود إلا أنها عصرت عصرا ليأخذوا نصيب الشهوات منها!!
وتزيين استغلال جسد المرأة مادياً وشهوانياً بتسمية ذلك منح المرأة حقوقها! بل تزيين الشذوذ الجنسي بتسميته حريـّة! وذلك أن المنكر إن ظهر فلم ينكر، تحول في اعتقاد الناس إلى معروف، ولهذا كان من أهم مقاصد إنكار المنكرات هو إبقاء شعور الناس أنها منكر، خشية أن تتحول إلى معروف بمرور الأيام.
ومن الأمثلة الحية على ما ذكرت ما يطلق عليه \" السوبر ستار، ولا نستغرب طرفة عين، إذا علمنا أن وزارة الثقافة اليهودية في \"الكيان الصهيوني\" أشادت ببرنامج \"سوبر ستار العرب\" الذي أشرفت عليه شركة أمريكية يشتبه في أنها (يهو ـ مسيحية) ومولته، واعتبرت على لسان وزيرها جلعاد شالوم \"أنه برنامج جيد يحفزنا على إمكانية العيش مع العرب\"!.
يقول الكاتب محمد عرفة في مقال مهم له في موقع الإسلام اليوم: (وحفلت الصحف الصهيونية الصادرة في نهاية أغسطس الماضي بتغطية واسعة لبرنامج \"سوبر ستار\" العرب الذي امتد بضعة أشهر في عدة بلدان عربية، وشارك فيه أكثر من خمسة ملايين عربي لاختيار أفضل مغن أو مغنية عربية \"لها مواهب راقصة\"، في حين كانت الصفحات العلمية لهذه الصحف تتحدث عن التكنولوجيا الصهيونية وبيعها للعرب، والتطور في البرنامج النووي الصهيوني الذي لا يتحدث عنه أحد رغم الضجة المثارة عن (محاولات) كوريا الشمالية وإيران استخدام الطاقة النووية!!.
ثم يضيف الأستاذ عرفة (أما الصحفي دايفيد سليفان، من صحيفة \"جيروزالم بوست\" كتب أيضاً بتاريخ 22\\ 8\\2003 بعدما لاحظ الضجة التي أحدثها هذا البرنامج في صفوف الشباب العربي يقول: \"إن الواقع يقول إن العرب أو المسلمين الذين يؤمنون بعقيدة محو إسرائيل من الخريطة أصبحوا قلائل جداً، وإن برنامج \"سوبر ستار\" أعطانا الأمل لوجود جيل عربي مسلم متسامح للعيش مع دولة إسرائيل اليهودية \"!\" أ.هـ
وكيف لا يكون للصهاينة الأمل في أن يعيشوا آمنين مع أمة اختارت أن تحتفل بهزائمها بالرقص، بينما اليهود يهريقون دماء أبناءها أنهاراً، ويغتصبون كل حقّ لها جهاراً.
لقد تبيّن الآن لماذا يأتي \"سوبر ستار\" في هذا الوقت خاصة، حيث تشتدّ الأزمة في فلسطين، وتتصاعد وتيرة الحرب الصهيونية المدعومة أمريكياً بلا حدود، إلى درجة أننا لم نعد نميّز هل هي حرب أمريكية على الفلسطينيين مدعومة صهيونياً، أم العكس!!
تتصاعد هذا الحرب الفاجرة، سافرة في غيّهـا، متحدّية كل العالم العربي المشغول بـ\" السوبر ستار \"، وما يشاكله من الأنشطة الإعلامية المشبوهة، ومستغلة الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق والخليج.
كما يأتي \" السوبر ستار \" أيضاً في خضم الفشل الذريع الذي منيت به إدارة بوش في العراق، حيث تبين أنها ألقت بنفسها في مشروع حماقة هائلة في العراق، ووضعت هذا البلد في أول نفق مظلم لا آخر له.
وكما نشرت بعض الصحف المحليّة هذا الأسبوع أن الأمريكان وجدوا أفضل ما يقدمونه في هذا الوقت للشعب العراقي هو الأفلام الإباحية! فامتلأت بها دور السينما ببغداد، كذلك المشروع العلماني المدعوم أمريكيا في بلادنا العربية، تفتق ذهنه العبقري أن أفضل ما يقدمه في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة هو \" السوبر ستار\".
ومعنى \"السوبر ستار\" أي النجم المتفوّق، وفي أي شيء هو متفوق، في الهزّ واللـزّ، وأخيرا الفـزّ ـ فــزّ الشيء أي سال بما فيه ـ بكل سوء وفحش، ثم أخيراً الفطـز والفطز الهلاك، فَطــَز على وزن فطس، أي هلك، وما هلاك الأمم إلا بالدعوة إلى الفحش والفحشاء.
وهكذا فطز الزعماء الخونة، وزنادقة العرب في إنقاذ الأمة، وجاء الحل الأمريكي يبشر الناس بعصر الـ\"سوبر ستار\"، وحاصله: على شعوب المنطقة الهـزّ واللـزّ..، والمهرجانات الغنائية، في جزيرة الإسلام، وحول المسجد الأقصى!! وأما الأمريكان فلهم في كل بلد غـرز، ولهم كل الكنز، وحلب العنز.
هذه هي أهداف الإعلام المفسد، وهذه هي سماته، وهذا هو نهجه، وأما ما يفعله في العالم، فأنتم ترون ذلك كل يوم، وتشاهدون أثره القبيح على البشرية، وكيف أنه يجتاح الإيمان و القيم الحقة والفضائل، ويجعل مكانها الشك والنفاق، والسيئات والفواحش، غير أن الله - تعالى - الذي وضع الميزان، لا يترك هذه الأمة الخيّرة المرحومة بلا تنفيس ينفس به عليها في وقت المحن إلى أن يكتب لها النصر التام، ولهذا فقد فتح الله - تعالى - ويسر من الإعلام الإسلامي الهادف المصلح المعبر بصدق عن عقيدة الأمة وهويتها وضميرها ورسالتها في وسائل كثيرة، مثل المجلات الإسلامية، والمواقع الإسلامية على الإنترنت، ومثل الفضائيات الإسلامية التي بدأت تنطلق، وستملأ عن قريب الفضاء بالخير والدعوة إلى القيم الإسلامية الحقة والفضيلة، وتعيد الأمور إلى نصابها، وما هذه الإرهاصات التي نراها من بزوغ فجر إعلام إسلامي مؤثر وفعال، سوى دليل على قرب نهضة إعلامية إسلامية، تبدد ظلمات هذا الإعلام الفاسد المفسد، وتنقشع أمامها كل ضلالاته بحول الله - تعالى - وقوته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد