بستاننا يا هند بات متاهة

5.4k
2 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

يَـومـي لـه ليلانِ...أين نَهاري؟ *** أتـكـون شـمـسـي دونما أنوارِ؟

أَبـحَـرتُ في جَسَدِ الفصولِ مهاجراً *** طـاوي الـحـقولِ وليس من أنصارِ

زادي يـراعي والمدادُ... وصهوتي *** خـوفـي... وظبيةُ هودجي أفكاري

أَبـدَلـتُ بـالـظلِّ الهجيرَ.. لأنني *** قـد كـنـتُ في داري غريبَ الدارِ

مـرَّ الـربـيـعُ أمـامَ نخلي شامتاً *** لـمّـا رأى جـيـدي بـدونِ نضارِ

تَـعـبَـت من الصمتِ المذِلِّ ربابتي *** وَتَـيَـبَّـست كأضالعي أوتاري

ومـشـى بـتـابوتِ المَسَرَّةِ والمنى *** لـيـلُ الـظـنـونِ مُشَيِّعاً أقماري

لا الـخِـلٌّ أَنـزَلَـنـي حدائقَ دارِهِ *** يـومـاً... ولا زار الـخليلُ دياري

أنـا مَـن أكونُ أنا؟ أَضَعتُ ملامحي *** وأضـاعـنـي بـدءَ المسيرِ مساري

أَنـقـذتِـني مني... فكيف خَذَلتِني *** وَغَضَضتِ طرفَ السمع عن قيثاري؟

فـيـم اعتذارُكِ بعد هَدرِ مشاعري؟ *** مـا نـفـعُ أشرعتي بدونِ صواري؟

جَفَّت بحيراتُ الصداحِ... وأَصحَرَت *** أفـيـاءُ مـائـدتـي مـن الُـسمّارِ

إن شِئتِ صفحاً فاحرقي كتبَ الهوى *** وخـذي لـمـقـبرةِ المنى أسراري

الـنـارُ جـائـعـةٌ فـهل أَطعَمتِها *** شَـجَـنـي الـذي أودَعتُهُ أشعاري؟

فـيـمَ اعـتذارُكِ من رمادِ حرائقي؟ *** لـم يُـبـقِ فأسُ الشكِّ من أشجاري

لـو أنـه يُـحـيـي القتيلَ عَذَرتهُ *** قـوسٌ أصـابَ بِـسَـهمِهِ أطياري

أَدمَـيـتِ أغصاني... فلا تتأخري *** عـن ذبـحِ مـا أَبقَيتِ من أزهاري

لـستُ الأسيفَ وإن فُجِعتُ بمطمحي *** أنـا مـؤمـنٌ بـمـنـاجلِ الأقدارِ

بـالدهرِ يَبخَلُ بالحبابِ على ثرىً[1] *** ضـامٍ, يـمـصٌّ سـرابَ وهجِ النارِ

ولـقـد يـجـودُ عـلى برودٍ, نَبعُهُ *** بـالـنـهـرِ والـيـنبوعِ والأمطارِ

أنـا ضـائعٌ مثلَ العراقِ فَفَتِّشي *** عـنـي بـروضِكِ لا بليلِ صحاري

أنـسـاكِ؟ لا واللهِ... تلك مصيبتي *** إنَّ الـوفـاءَ وإن خُذِلتُ مداري

أَدَّيـتُ فـي الحبِ اليمينَ وليس من *** خُـلُقي الجنوحُ عن الهدى لِشَنارِ[2]

فـاذا نـكـثـت الـعهدَ عَيَّرَني غداَ *** يـومَ الـحـسابِ لدى العظيمِ يساري

وإن اسـتَـجَرتُ من الظلامةِ عابني *** شَـرَفـي وصخرُ رجولتي ووقاري

أنـا لـسـتُ أَوَّلَ حـالـمٍ, نكثت به *** أحـلامُـهُ فـأفـاقَ بـعـد عـثارِ

ما كنتُ بالصَبِّ الجزوعِ.. ولم تكن *** بـيـن الـحـصونِ وطيئةً أسواري

لـكـنـه حُكمُ الهوى... أرضى بهِ *** قَـسـراً عـلـيَّ... فلستُ بالمختارِ

حـظـي كـدجـلةَ والفراتِ نَداهُما *** دمـعٌ... ولـحـنُهما صراخُ: حَذارِ

وكـحـظِّ بـسـتان \" السَماوةِ \" نَخلُهُ *** كَـرَبٌ وسـعـفٌ دونـما أثمارِ[3]

وكـخـبـزِهـا: بدمٍ, يدافُ طحينُهُ *** فَـرطَ الأسـى.... وكأهلِها الأبرارِ

وأنـا كمئذنةِ \" الجديدةِ \" ما انحَنَت[4] *** يـومـاً... ولا تَـعِبت من الأذكارِ

وتـعـدَّدَت يـا هندُ في وطنِ الهوى *** سُـبـل الـردى بـتـعـددِ التجارِ

وَطَـنٌ عـلـى سَـعَةِ السماءِ رغيفُهُ *** لـكـنـه حـكـرٌ عـلـى الأشرارِ

بُـسـتـانـنـا يـا هندُ باتَ متاهةً *** تـخـتـال فـيـه كواسرٌ وضواري

سـوقٌ.. على مَن باع لا مَن يشتري *** دفـعُ الـنـقودِ إلى الدخيلِ الشاري

وَدَّعـتـهُ وأَتَـيـتُ حـقـلَكِ لائذاَ *** طـمـعـاً بِـظِـلٍّ, لا بِتِبرِ ذِمارِ[5]

أَوصَـدتِ دونـي واحـةً أسرى لها *** قـلـبٌ مـطـامـحُـهُ شميمُ عَرارِ

أبـكـاكِ نـزفي يا هنيدةُ؟ فاعلمي *** هـذي الـجـراحُ بـدايـةُ المشوارِ

الـحزنُ أوفى الاصدقاءِ... فلم يَغِب *** عـنـي فـكـان مُلاصقي كإزاري

أُولاءِ أهلي: \" عروةٌ \" و \" مُعَمَّرٌ \"[6] *** و \" الـحـميريٌّ \" و \" شارد الأفكارِ \"

قـومٌ ولا كـعـفـافِـهِم.... لكنهم *** خُـلِـقـوا لـعـيشِ فجيعةِِ وخَسارِ

ــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

1) الحباب: الفقاقيع التي تعلو الماء في الكأس

2) الشنار: الفعل المشين، العار

3)اشارة إلى الأغنية الشعبية العراقية

4)نخل السماوة يكول طرتني سمره... سعف وكرب ظليت مابيه تمره

الجديدة: حي من أحياء مدينة السماوة حيث كان مسكن الشاعر

5)الذمار: كل ما يدافع عنه من مال او ملك، او الوطن

6) عروة: هو عروة بن الورد عاشق عفراء. و\" معمر \" هو جميل بن معمر عاشق بثينة. و \" الحميري \" هو توبه بن حمير الحميري عاشق ليلى الاخيلية، و\" شارد الأفكار\" هو قيس بن الملوح مجنون ليلى العامرية.


أضف تعليق