( قل هذه سبيلي ) ( 3 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فالمعلم الثالث من معالم السبيل: ما دل عليه قوله - تعالى -(على بصيرة): وهو العلم الذي يورث اليقين، وينفي الشك والتردد. إن مبنى هذا الدين على الوحي المعصوم، من الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة، وليس على الآراء، والنظريات البشرية، ومن ثمَّ كان لزاماً على سالكي هذا السبيل أن يتفقهوا في الدين، ويتبصروا في مقاصده. وقد امتن الله على المؤمنين بهذه النعمة، فقال: (لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) آل عمران: 164

إن السبيل القاصد يحتاج إلى كتاب وحكمة، يستقران في صدور الذين أوتوا العلم.

ولن تغني المناهج العاطفية، ولا الشعارات الانفعالية شروى نقير إذا ادلهمت الخطوب، وتشابهت السبل. لا بد من نور النبوة لكشف غلس الشبهة.

والعلم المقصود هاهنا، هو العلم النافع، ويتناول أنواعاً متلازمةً، منها:

1- العلم بالله: وقد عرَّفه ابن رجب، - رحمه الله -، بقوله: (هو ما باشر القلب، فأوقر فيه معرفة الله، وعظمته، وخشيته، وإجلاله، وتعظيمه، ومحبته.

ومتى سكنت هذه الأشياء في القلب، خشع، فخشعت الجوارح تبعاً له) شرح حديث أبي الدرداء 19

ولأهل هذا العلم بصيرة، وفراسة، وتوفيق، لا يؤتاها القاسية قلوبهم من ذكر الله، وإن حملوا المصاحف والمحابر! أما هؤلاء فقد أورثهم العلم خشوعاً، وتسبيحاً، وعبادة، ثم زادهم ذلك خشوعاً، كما وصفهم - تعالى -بقوله: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً. ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً. ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً) الإسراء: 107- 109

وما أشد حاجة الأمة لهذا الصنف من أهل الله، الصادقين مع ربهم، وما أعظم أثرهم في هداية الناس، وتمسيكهم بالكتاب.

2- العلم بشرع الله: بمعرفة أحكامه وحدوده، وحلاله، وحرامهº ذلك أن نظام الملة شامل لمصالح العباد المتنوعة، في عباداتهم، ومعاملاتهم، وآدابهم، وسلوكهم.

ولا بد أن ينفر طائفةٌ من أهل النباهة والحصافة، ليكونوا أوعيةً للعلم، وإخاذات يصدر عنها الناس في جليل الأمر ودقيقه، وإلا اتخذ الناس أئمةً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا. قال ابن رجب، - رحمه الله -: (العلماء بما أنزل الله على رسوله هم الأدلاء، والذين يهتدى بهم في ظلمات الجهل، والشبه، والضلال.

فإذا فقدوا ضل السالك. وقد شبه العلماء بالنجوم. والنجوم فيها ثلاث فوائد:

يهتدى بها في الظلمات، وهي زينة للسماء، ورجوم للشياطين الذين يسترقون السمع منها. والعلماء في الأرض تجتمع فيهم هذه الأوصاف الثلاثة: بهم يهتدى في الظلمات، وهم زينة للأرض، وهم رجوم للشياطين الذين يخلطون الحق بالباطل، ويدخلون في الدين ما ليس منه، من أهل الأهواء. وما دام العلم باقياً في الأرض، فالناس في هدى) شرح حديث أبي الدرداء: 16

3- العلم بالواقع: وهو البصيرة بحال الناس، ومدى قربهم، أو بعدهم عن سبيل الله، ومعرفة الأسباب والدواعي لذلك، وتنزيل الأحكام على الوقائع، وحسن تقدير المصالح والمفاسد، والدراية بمآلات الأمور، ومعرفة سنن الله في خلقه.

وهذه الأنواع الثلاثة متلازمة، وإن بنسب متفاوتة. فمن جمع منها الحظ الأوفر، كان من الراسخين في العلم، الذين جعل الله لهم نوراً يمشون به في الناس، ومن قصر في شيءٍ, منها فاته من الريادة، والسيادة، بقدر قصوره أو تقصيره. وفضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم.

وبه يتبين خطأ المخالفين في هذا الباب، وهم أصناف:

1- أهل التجهيل: المزهدون في العلم، المتنقصون لأهله، الصارفون الناس عنه.

2- أهل الرأي: المحكمون للنظر والقياس مع توافر النصوص.

3- أهل الكلام: المقدمون للعقول على النص المعصوم في مسائل الاعتقاد.

4- أهل المناهج العاطفية: ذات الضحالة الشرعية، والشعارات السطحية.

لابد للأمة، كي تتعافى، من الرجوع إلى السبيل القويم، والسير على الصراط المستقيم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply