تحديات الدعوة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من الإحساس بأهمية النظر في مستقبل الدعوة الإسلامية: جاءت هذه الكلمة.

والدعوة في أغلب مراحلها مهددة.. حتى في الزمان الذي يغلب فيه الأمن والفرصة: التهديد كامن بالقوة!!.

لأن القاعدين بكل صراط، يوعدون ويصدون.يبغونها عوجا: موجودون، متربصون..

هكذا هي سنة الحياة، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولا تحويلا.

ونحن في الزمان ذي التركيبة العجيبة، والغريبة؟!!

اجتمع فيه أمران، هما متناقضان، وهذا موضع العجبº إذ المتناقضين لا يجتمعان، ولا يرتفعان!!

فهل هذا خرق للعادة: كرامة، أم معجزة، أم ماذا؟!!

 

اجتمع في الزمان أمران:

الأول: التضييق على الدعوة الإسلامية، بوسائل:

- فكرية، مضمونها: محاولة تغيير الصورة، والمفهوم من الداخل.

- وعملية، بإغلاق المؤسسات الخيرية المنتشرة في العالم، وباحتلال بلاد المسلمين.

 

الثاني: اتساع باب الدعوة اتساعا لا مثيل له، بتنوع وتجدد الوسائل: إنترنت، جوال، فضائيات. وظهور وطغيان ما يسمى بحرية الرأي، واحترام الرأي الآخر، وإيمان كثير من المستبدين به، وتلبسهم بلبوسه، تجاوبا مع مقتضيات العصر، لا اعترافا بخطورة وضرر الاستبداد.

 

فإن كان التضييق أغلق أبوابا: فإن الانفتاح وسّع أبوابا كانت - في الأصل - مغلقة، ففتحها على مصاريعها، وكسر مزاليجها.

فإن قلت: قد ضيق على الدعوة.. صدقت.

وإن قلت: قد اتسع باب الدعوة.. صدقت.

ومن مثل هذا التركيب العجيب، الغريب: ظهرت الآراء المتناقضة أيضاً.. !!

 

فالباب المفتوح بلغ من اتساعه: أن صار يلج منه ويخرج، حتى ذلك الذي كان محرما وممنوعا ذلك، إما لمخالفة للسنة، أو لسفاهة في الرأي، أو لمجاهرة بمنكر. ليتكلم ويبديء ويعيد في مسائل الدين، مع غيره، كغيره، سواء بسواء؟؟!!.

 

قابل ذلك تغير نوعي في مواقف بعض الدعاة تبدت في: إعادة النظر في مسائل بدت محسومة، مختومة، وتغير الاجتهاد والفتوى.

 

والتعليل: أن العلماء ما زالوا يغيرون فتاواهم، كلما بدا لهم الحق في غير ما كانوا عليه. فهذا الشافعي له القول القديم يوم كان في العراق، والجديد يوم صار في مصر. وليس من بعدهم بأحسن منهم.

 

ومن التغير المهم الذي طرأ:

استبدال حالة الاسترخاء والكمون بحالة المصابرة.. بل والانتقال إلى موقع قريب من الضد والنقيض، والحديث بمنطقِ ومصطلحاتِ وتبني طائفةٍ, من أفكار من كان خصما، وربما عدوا مارقا بالأمس؟!!.

 

وهذا، وإن كان بداعي بإعادة النظر والبحث، وعدم التعصب للرأي، إلا أنه ا أورث اضطرابا، وريبة عند كثير من المراقبين.. !!º إذ رأوا فيه استباحة لأصول، وأسس، وهكذا كان رأيهم.

وهكذا، فإن كل التيارات وكافة الفئات: استفادت كل الاستفادة من مناخ الحرية والانفتاح، وحققت مكاسب ما كانت لتحلم بها، إلا هذه الفئة، فئة إعادة النظر، ليس لأنها أعادت النظر، بل لأنها بالغت في هذه العملية.. هكذا يرى المعارضون لهذه الفكرة.

نتج عن هذا: أن الناس بعد أن كانوا يتقربون إلى الحق، صار الحق يتقرب إليهم!!.

وكم من فرق بينهما.. فالمتقرب راغب، والراغب مستعد للتخلي عن أشياء من لذاته وضرورياته لينال رضى المرغوب.. فالحق إذا صار يتقرب، فهذا يعني فقدان شيء، قل أو كثر منه.. ؟!!.

 

وفرق بين التدرج في عرض الحق، وتقريبه إلى الناس: فالتدرج عرض بعض الحق، وتأخير بعضه إلى حين، لضرورة. أما التقريب فتغيير صورته، ليتلاءم مع أحوال الناس، بل وأهوائهم. يقول الله - تعالى -:

 

{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون * وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}.

 

* * *

ومن التغيرات الملحوظة: انتقال الخطاب اللاديني من جهة الرفض الواضح للدين، إلى الدخول في نصوصه ومحاولة إنتاجه من جديد، متلائما مطواعا.. !!.

وهكذا قصدوا إلانة الحديد، وهي موجة قديمة متجددة، تتبع سنة اليهود في كتبهم الكتاب بأيديهم، ليقولوا من ثم: هذا من عند الله. وليّ الألسنة بالكتاب، لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب. والقول هو من عند الله، وما هو من عند الله.

 

وهذا نوع تحدٍ, كبير لأهل العلم خصوصا.. فمن يفوز بإقناع الناس: أن ما يقوله هو الدين الصحيح؟.

فهنا عملية إعادة صياغة لمفاهيم جديدة للدين، في قضايا أصلية، محورية: الولاء والبراء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحرية، والمرأة، والجهاد، واتباع السلفº لتنسجم مع دائرة العصر وعقاربها.

 

ومن الصعب فهم كيف يمكن حصول هذا الانسجام في ظل متناقضين، لا يجتمعان، ولا يرتفعانº أحدهما: هو المحرك للدائرة وعقاربها، وهو لا يرى عدوا عنده أعدى من الإسلام، ولا يزال هذا منطق كبرائهم، ورؤسائهم، وكل نشاطهم في هذا الاتجاه:

- بالطعن في الإسلام، كما في تصريح البابا الأخير.

- والاستهزاء بنبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه، كما في الرسوم في الصحف الدنمركية.

- وإعلان حرب صليبية ضد الإسلام، واحتلال البلاد الإسلامية.

وأما الآخر: فيراد له أن يدخل هذه الدائرة، ليسير وفق عقاربها هذه، متلائما مطواعا. !!.

كيف يمكن أن يبقى في صورته، محتفظا بهويته، حينئذ.. ؟!!.

لكنه الإسلام الذي يبشر به من لا يرى عدوا أعدى عنده من الإسلام..

ويبشر به أيضا من رمى بنفسه في الدائرة، فدارت به، حتى أحبها، فولاؤه لها، ومحاداته لبني جلدته. !!

 

* * *

الناس اليوم في أمر مريج.. ؟!!

مع شدة إقبالهم على الدين، ومحبتهم الكبيرة له، فالأحداث الجسام التي حصلت في الأعوام الأربعة الأخيرة، خصوصا احتلال بلاد المسلمين، وقتلهم بعشرات الألوف: أيقظت المسلمين، فكثر فيهم السائل والمستفتي، والراغب في التفقه، والمقبل على التدين، والمتقرب إلى الله - تعالى -، فزاد عدد المرتادين المساجد، كما زاد عدد المسلمين، في حين أن المؤشرات كانت تتجه إلى الضد.

وهكذا هم المسلمون، أشد استفاقة في المحن منهم في المنح.. وهذه هي فائدة البلايا والفتن.

 

وإسلام الناس واستسلامهم، مؤشر على أن التمسك بالعزيمة والأصل، أولى من تتبع الرخص والاستثناءات، فهي فرصة طالما تمناها من يحب للناس الهداية، ففي النفوس ظمأ إلى الحق، بعد القلق، والحيرة، والاضطراب. وما أكثر هذا في الناس اليوم، بسبب الحياة المادية.

فخير لها أن تأخذ بالحق كما هو، وتدعى وتساق إليها سوقا، لا أن يقدم لها في طبق مصنوع بالهوى.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply