بسم الله الرحمن الرحيم
المسلم يغار على دينه، ويفرح إذا رأى الدعوة الإسلامية تعمّ الآفاق، وتغزو القلوب...كما يحزن ويغتمّ إذا وجدها تجمُدُ أو تضعف، أو وجد السدود تحول بينها وبين قلوب الناس.
ومن البدهي أن تكون الدعوة أكثر مضاءً وانطلاقاً، كلما استجمعت أسباب القوة، وزالت من أمامها العقبات. فإذا عرفنا أسباب القوة، وبذلنا الجهد في تحقيقها، وعرفنا العَقبات، وعملنا على تجاوزها، نكون قد أبرأنا ذمتنا أمام الله - تعالى - في النصح لدينه.
وإن معظم الأمر يدور حول صفات الداعية وتكوينه النفسي والعقلي والعلمي والخلقي، فالداعية التقي الناضج الناشط يُعَدٌّ السبب الأول من أسباب القوة وانطلاقها ونموّها... كما أن كل ثلمة في نفس الداعية تكون عامل تثبيط وتعويق لنجاح الدعوة.
ومع هذا يمكن، من أجل التقسيم الدراسي، أن نذكر أربعة جوانب لقوة الدعوة وانطلاقها ومضائها، أو لضعفها وجمودها وتعثّرها.
الجانب الأول: توافر الدعاة الناجحين.
- و الداعية الناجح يتصف بصفات خلقية عالية، فهو دمثٌ رفيقٌ ليّن حليم، صبور على الأذى وعلى صدود الناس، يقول الحق ولا يخشى لومة لائم، مستعد للتضحية في سبيل دعوته بالجهد والمال والوقت و النفس.
(يا بني أقم الصلاة وأمُر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) سورة لقمان: الآية 17.
(الذين يبلِّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً) سورة الأحزاب: الآية 39.
(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) سورة الفرقان: من الآية 63.
وإذا كانت هذه الصفات و أمثالها مطلوبة من كل مسلم، فهي للداعية زاد وسلاح.
- والداعية الناجح تقيّ مطيع لله، عابد قانت، يقتدي الناس بسلوكه وسمته، مثلما يقتدون بكلامه وتوجيهه.
وقد ذكر الله - تعالى -من دعاء عباده، عباد الرحمن، قولهم: (واجعلنا للمتقين إماماً).
وصحيح أن الداعية لن يكون معصوماً - إذ العصمة للرسل الكرام وحدهم - لكنه لا بد أن يكون بادي الصلاح حتى يكون له أثر إيجابي في نفوس من يعرفونه.
- و الداعية الناجح يفهم الإسلام فمهاً عميقاً شاملاً، بعقيدته وأركانه وشمول أنظمته... فهو عقيدة في القلب، وطهارة في النفس، و استقامة في السلوك، وتنظيم لشؤون الحياة و المجتمع و الدولة.
- و الداعية الناجح ذو اطلاع واسع على ثقافة العصر في مختلف المجالات، بقدر الطاقة، من تاريخ واقتصاد وعلم نفس وسياسة ومذاهب وفرق واتجاهات ... حتى يكسب احترام الناس، ويعرف كيف يدخل إلى عقولهم وقلوبهم، ويزيل شبهاتهم.
- ويحسُن أن يتوافر هؤلاء الدعاة في شتى مجالات الحياة، بين التجار والعمال والأطباء والمعلمين … ليقوم كل منهم بدوره في ميدانه، وبما يناسب مجاله.
وكلما توافر أمثال هؤلاء الدعاة، وتوافرت فيهم تلك المواصفات، كان انطلاق الدعوة أجدر بالنجاح و المضاء. وكلما قلَّ هؤلاء، مع كثرة الخبث والسوء، تعرّضوا للضياع وعَسُرَ عليهم الوصول إلى أهدافهم، فتضعف الدعوة أو تجمد.
الجانب الثاني: الوسائل والأساليب.
ما يزال معظم الدعاة يقتصرون على الوسائل التقليدية كالخطبة و المحاضرة والكتاب... وهي وسائل مهمة، ولعلها تحتفظ بأهميتها على مر الزمان، لكن هناك وسائل تستجدّ في كل عصر، وتكون فاعليتها فائقة، وعلى الدعاة استثمار ذلك إلى أقصى حد ممكن. ونذكر من ذلك الإذاعة والتلفاز والفضائيات وأشرطة الفيديو والإنترنت وبرامج الكمبيوتر والصحافة.
وغني عن البيان أن ظروف كل إنسان وميوله تجعله يُقبل على بعض الوسائل ويتقبلها أكثر مما سواها... وينبغي أن يجد أمامه في كل وسيلة من هذه الوسائل طُرُقاً للهداية لتقوم عليه الحجة.
ومن المؤسف أن أهل الأهواء والزيغ والفجور والكفر يستخدمون تلك الوسائل وينشرون بها ضلالهم وفجورهم.
الجانب الثالث: جمهور الناس.
وإذا نظرنا إلى جمهور الناس نتذكر أولاً أن الإسلام هو دين الفطرة، فله في كل نفس رصيد، وأن الناس مهما ابتعدوا عن الإسلام، بل حاربوه، فإن في أعماقهم ما يدعوهم إلى اعتناقه، والتزام أحكامه... و إن غطى ذلك ركامٌ من الشهوات والضلالات.
الكثرة من الناس وقعت فريسة التجهيل والتضليل، فضلاً عن الأهواء والشهوات. وهي بحاجة إلى من يأخذ بيدها ويحتكٌّ بها، فيفرز الدعاة من يُحسن خطاب الجماهير، فلا تقتصر الدعوة على النخب الفكرية والطبقات المثقفة.
وهناك نخبة من المسلمين المخلصين، لكنهم لا يعُون أهميّة الدعوة إلى الله، والإعلام بها، ونشر الفكر الإسلامي، والأدب الإسلامي، والفن الإسلامي... فيجد أهل الضلال و الفجور من ييسّر لهم أسباب الكفر والفسق، ولا يجد أهل الحق على الحق أعواناً.
الجانب الرابع: السلطات و المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية.
إن السلطات في معظم بلاد المسلمين تعمل على إخضاع الدعاة إلى قوانين الوظيفة والتوجيه والرقابة، فتحظُر نشر بعض الكتب، و إلقاء كثير من المحاضرات، وتحصر التدريس في المساجد بمن يحصل على إذن رسمي!... وإذا تحدث الداعية بأحكام الإسلام التي تتنافى مع ممارسات السلطات وقوانينها وتوجيهاتها السياسية، تعرّض لألوان من العقاب والتنكيل.
ليعلم المسئولون في بلاد المسلمين أن الإسلام عزٌّهم وخيرهم ومجدهم... وأن الذي يخشونه من الإسلام ودعاته هو الذي يجب أن يطلبوه ويسعَوا إليه، ففيه الخير للبلاد والعباد. وأما ما يظهر أحياناً من جنوح أو شذوذ من بعض حملة الفكر الإسلامي، فهو أولاً من الخلل الذي لا بد أن يظهر في أي تجمّع بشري، ثم إن علاجه لا يكون بوضع القيود على الدعوة والدعاة، بل بفسح المجال أمام الحوار العلني المفتوح، ليعمّ التوجه الوسطي السديد، وينكمش الغلوّ والتطرّف.
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) سورة التوبة:الآية 33.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد