بسم الله الرحمن الرحيم
تشربت حب الدعوة إلى الله - تعالى -..هي كالدم تجري في عروقي..لا أستطيع أن أتناسى ذلك أو أنساه.. نعم.. أنا امرأة ضعيفة كما أعلم من نفسي ويشير إلي كثير من الناس.. بل أنا امرأة من جنس النساء لكنني كنت أعلم أن من أساسيات النجاح في الدعوة التوكل على الله..
كنت أتأمل قول ابن القيم - رحمه الله تعالى -.. وهو يتكلم عن أرفع مقامات التوكل حيث يقول:
أرفع مقامات التوكل: التوكل على الله في الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -، وهو توكل الأنبياء والصالحين ومن سار على نهجهم من الدعاة والمصلحين..
فقلت في نفسي: حسبي الله ونعم الوكيل.
كنت أتأمل أمر الله - تعالى -لمريم - عليها السلام - في قوله - تعالى -: ((وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذعِ النَّخلَةِ تُسَاقِط عَلَيكِ رُطَباً جَنِيّاً)) (مريم: 25).
فقلت في نفسي: سبحان الله كيف لمريم - عليها السلام -.. وهي المرأة الضعيفة كحالي.. بل هي منهكة في أضعف أحوالها في حالة مخاض لا تستطيع الحراك.. يأمرها الله - تعالى -أن تهز النخلة.. وهي قلقة مضطربة.. وتهز النخلة..
سبحان الله!! النخلة التي هي من أصلب الأشجار وجذوعها.. من أقوى الأخشاب.. ومع ذلك جاءها الأمر الإلهي بأن تهز النخلة اتخاذاً للأسباب فتأتي النتيجة وهي تساقط الرطب..
حينها علمت أن عليَّ فعل الأسباب والتوكل على الله.. والذي هيأ لمريم - عليها السلام - أن يتساقط عليها ذلك الرطب.. فسيهيئ الله لي ثمرة دعوتي إن شاء الله.. ولعل الله - سبحانه وتعالى - بحكمته وإرادته أراد أن يمتحن صبري في ذلك.. ليتحول هذا الأمر من واقع نظري إلى واقع عملي..
تزوجت بحمد الله - تعالى -.. وانتقلت مع زوجي إلى عمله خارج المملكة.. وحملت معي هم الدعوة في أول أيامي هناك..
مع ظروف الحياة الزوجية.. وغربة الأهل والديار وفقد الوالدين والرحم.. انقلبت حياتي رأساً على عقب.. فتذكرت حينها غربة إبراهيم في قومه.. ويوسف في السجن.. ومحمد - عليه الصلاة والسلام - وهو يهاجر من مكة إلى المدينة..
ومما زاد الطين بلة أن زوجي قد حكم علي ألا أخرج من المنزل.. فعرضت عليه أن أجمع نساء الحي في منزلي.. فوافق مشكوراً على ذلك.. فاتصلت عليهن فجمعت النساء في منزلي وقد كنا من الجاليات المسلمة.. كان العدد لا يتجاوز الأربع.. استضفتهن في بيتي.. مع الحفاوة والتكريم.. ووالله الذي لا إله إلا هو ما أردت من خلال ذلك إلا للدعوة إلى الله - تعالى -..
اقترحت عليهن بعد اجتماعين أو ثلاثة.. أن نتلو شيئا من كتاب الله - تعالى -.. وافقن على ذلك.. ويتبع ذلك إلقاء درس تربوي.. زاد العدد بحمد الله - تعالى -على مراحل.. حتى استقر على أربعين امرأة..
حان وقت العودة إلى بلدي.. وقد كنت قبل ذلك أبذل غاية جهدي في تعليمهن وتربيتهن بحمد الله - سبحانه وتعالى -.. ووالله الذي لا إله إلا هو لما حان وقت العودة إلى بلدي لم آسى على شي في ذلك البلد الذي يعج بالفضائح والمنكرات إلا على هذا الدرس.. ودعتهن على أمل العودة.. حتى لا يتفككن وتضعف همتهن.. وقد كنت أعلم أني لن أعود..
عينت واحدة من الأخوات على هذا الدرس.. فكانت تُسمّع لهن ما يطلب حفظه.. وأكون وأنا في بلدي قد أعددت الدرس ثم أرسله بالفاكس.. لتقوم هذه الأخت بقراءته على الأخوات.. مع قيامي بالاتصال عليهن بين الفينة والأخرى.. لأطمئن على حفظهن.. وإن كان هذا قد كلفني بعض الأعباء المالية ولكن ذلك يهون في سبيل الدعوة إلى الله - تعالى -..
وقد مكثت على هذه الحال بحمد الله - تعالى -ما يقرب من سنتين.. أحمل لهذا الدرس هما عظيما.. وأنا أتصور حال أولئك النسوة وما يعشن فيه من فتنة لا يعلمها إلا الله - سبحانه وتعالى -..
ومما زاد همي وغمي أن الأخت القائمة عليهن هناك اعتذرت على المواصلة لظروفها.. فأصابني والله من الهم ما الله به عليم.. ولكن الله - تعالى -قريب ممن دعاه.. لجأت إلى الله - تعالى -أن يقيّض لي سبباً كما قيّضه لمريم - عليها السلام -..
حتى جاء الفرج من الله - تعالى -بافتتاح مركز إسلامي في ذلك البلد.. ولحاجة هذا المركز إلى نساء اتصلت علي القائمة على المركز وهي من الأخوات الفاضلات تطلب مني ضمهن إلى المركز.. فكان كذلك بحمد الله - تعالى -..
وهكذا انتقل الدرس.. من درس في بيت إلى منهج في مركز.. وما زال إلى الآن بحمد الله - تعالى -يسير من حسن إلى أحسن.. بل ما زلت بحمد الله على اتصال بهن حتى هذه اللحظة..
ومن هنا يتضح أن من يبتعد عن الدعوة.. ويتخاذل عن التقديم والعمل للدعوة.. ويُبعد نفسه حتى من صفوف المستقيمين المصلحين.. إنما ذلك هو عجز وخور.. وضعف وتواضع مصطنع..
فالدين لمن خدم الدين..
فعلى المرء أن يسعى إلى الخير جهده
وليس على المرء أن تتم المقاصد.
منا النداء وعلى الله البلاغ، وعلى الديك الصياح وليس عليه أن يطلع الصباح..
وهو أولا وآخراً، تشبهاً بالدعاة والمصلحين عسى الله أن يجعلنا منهم:((ومن تشبه بقوم فهو منهم)).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد