أيـهـا الـمدّعون طالت ليالينا *** ومـا كـحـل الـجفونَ ضياءُ
واسـتـبدّ الظلامُ لا قمرٌ يحـ *** ـبـو ولا سـامـر ولا أحياءُ
تـلـك آمـالُـنـا بـقايا رمادٍ, *** شـد يـومـا وثـاقَها الإعياءُ
لـم تعش في حياتها لذةَ الدفء *** صـقـيـعٌ أيـامـها وامنطفاءُ
سـكـنَ الحزنُ مقلتيها وأظمى *** شـفـتـيها السرابُ والإفتراءُ
طـائرُ الحلم لم يزل ينقر الأر *** ضَ فـأحـلامـنا جياعُ ظماءُ
عـصـب الـليلُ مقلتيه وألقاه *** كـسـيـراً تـنـزٌّ منه الدماءُ
لـم يـغـرد فـمهده من نجيع *** وصـبـاحـاته الحسان انكفاء
أيـهـا الـمدّعون صار هشيماً *** مـا رواه الـرواةُ والأدعـياءُ
نـسـي اللوزُ زهرَه يوم دوّت *** قـهـقـهـاتُ السٌّراق والأنواءُ
وتهاوى الصفصاف ليس غريباً *** أن يـمـوت الجمال والكبرياء
أين حبُ الحصيد أين البساتيـ *** نُ وأيـن الـزهـور والأنـداءُ
وي كـأن البلاد لم تغن بالأمـ *** ـس فــلا زارع ولا بَـنَّـاءُ
إنـه الـقيظُ والتصحّرُ والهجـ *** ـرُ ومـا ثـمَّ جـدولٌ سـقّاء
ألـفُ صـنفٍ, من الدواء وماذا *** يـفـعـل الطب والدواءُ الداءُ
أصـبـحـت أرضُنا قبورَ نفايا *** ت فـهـل يُـرتجى الغداة نَماءُ
اسـتـوى الـفلك مثقلاً بحطام *** حـيـن بيع الشذا وغيض الماءُ
إن جـمر الإسمنت حرّق وجهاً *** مـا تـغـنّـى بـمثلِه الشعراء
أيـهـا المدّعون هذي الملاييـ *** ن ظـلال مـحـزونـةٌ وغُثاءُ
راقـصت ليلَها الهواجسُ والخو *** ف وهـمـس الأشباح والظلماءُ
وعـلـى ضـفة الضياء نؤومٌ *** لـم تـفـق بـعدُ حُرّةٌ شقراءُ
ضـل خُـطّابها وتلك الدياجي *** دونـهـا والـحتوفُ والدٌّخَلاء
مـن ترى أطفأ الشموعَ وأردى *** خـفـقـاتِ القلوب فهي خُواءُ
ذُبـحَ الـحبُ مثلما يُذبحُ الطيرُ *** ودقّـت طـبـولَـها البغضاءُ
تـلـك عبسٌ على مشارف ذبيا *** ن وهـذي الـدمـاء والأشلاء
ذاك جـسّـاسُ والصواهل والنا *** ر جـمـوعٌ يـقـتادهن الفناءُ
مـلأت أرضَنا شظايا المغيريـ *** ن فـأيـن الـقعقاعُ والخنساء
ابـن مـاء السماء يزجي المنايا *** فـاغـراتٍ, والـغولُ والعنقاءُ
ويـهزّ الحجاج ظلم السلاطيـ *** ن سـيـوفـاً لـكـنها عمياءُ
نـسـي الناس ذا الفقار وبيعت *** وهـي تعدو في شوطِها البلقاءُ
نـسـي الـناس خالداً والمثنى *** فـي بـلادي تُـبَـدّلُ الأسماءُ
سُـرقـت سيرةُ الشموس بليلٍ, *** فـالـتـواريـخُ بعدَها عرجاءُ
سُـرق الـلونُ والشذا من زمانٍ, *** نـحـن فـيـه الأعزةُ الحكماء
أيـهـا الـمـدّعون لم أَبنِ بيتاً *** أنـا مـازلـتُ يحتويني العراءُ
أنـا مـازلـتُ طامحاً لرغيفٍ, *** أنـضـجـتـه قلوبُنا البيضاءُ
الـطوابيرُ جرّحت زهرَ عمري *** والـحـصـادُ الهشيمُ والبأساءُ
إنـهـا ليستِ العروسَ فعودوا *** أيـهـا الـنـاس إنها \"السوداء\"
هـذه لـيست النياقَ العصافيـ *** ر وإن هـام في حسنها البلغاءُ
أفـسـدت شربَها الرعاةُ وأدمت *** ضـرعـهـا فهي سِلعةٌ عَجفاءُ
كـل نـعـمى للمترفين وماصا *** ءَ ومـا صـاتَ مـنحةٌ وجباءُ
شـربَ الـمترفون كأسَ الحميّا *** وتـعـرَّوا فـلـيـس ثَمَّ حَياءُ
نـفـشـوا ريـشهم فتلك تغني *** وعـلـى \"الـبار\" مقلةٌ وطفاءُ
هـذه! هـذه! وحـشـدُ بـغايا *** والـلـيـالي حرائقٌ واصطلاءُ
هـكـذا الـعـمرُ: أكلةٌ ونبيذٌ *** وبـغـيٌ ورقـصـةٌ وغِـناءُ
أيـهـا الـمدّعون خلف العمارا *** ت بـيـوتٌ يـموءُ فيها الشقاء
كـلـمـا أبـحرت سفائن خزٍّ, *** مـثـقـلاتٍ, تـضـوّرُ الفقراءُ
نـحـن أغنى من الغنى فلماذا *** لـم يـزرنـا منذ احتلمنا الهَناءُ
كلُ شبرٍ, في أرضنا ذهبٌ يُجـ *** نـى وكـرمٌ تـعـهدته السماءُ
هـذه الأرض جـنـةٌ فـلماذا *** جـاعَ فـيـها الكرّام والأُجراءُ
أكـل المعتدون أطرافَ أرضي *** إنَّ أرضـي شـهـيّـة غَـنّاءُ
حـذف الـمـعتدون أذكار أمي *** هـي والسيف والصهيلُ سواءُ
سـرق الـمعتدون صورة جدي *** إنَّ عـيـنـيـه نـخوةٌ وإباء
حـرّقوا الزرع والنخيل وشُدّت *** نـحـو وجـهي جهنَّمُ الحمراءُ
أنـا يـا قـومُ بـيـنكم أتلظى *** هـكـذا هـكذا يكون الإخاءُ؟!
أنـا قـبلاً أُكلتُ يومَ استباحت *** أرضَ أهـلـي الفجّارُ والأعداءُ
أيـهـا المدّعون خلفَ اغترابي *** سـبـأٌ والـخـرابُ والأرزاءُ
جـنـدُ بـلقيسَ شامتون بموتي *** إن مـوتـي بـدايُـة بـلـهاءُ
أولُ الـغـيـث قطرةٌ ثم يأتي *** بـعـد هـذا الطوفانُ والإفناءُ
أيـهـا المدّعون أرضي حَرامٌ *** سـكـنـتها الشموسُ والأنبياءُ
حـبةُ الرمل من قلوب المياميـ *** ن عـسـيـرٌ طلابها والرجاءُ
كـم تأبّت على المغير روابيـ *** نـا ومـادت بغيظها الصحراءُ
كـلـمـا أغفتِ العروسُ تغنّى *** بـهـواهـا الـرَوّاحُ والـغدّاء
كـلـمـا قـمتُ للحصاد تنزّى *** حول حقلي اللصوصُ والغرباءُ
أَبـعِـدوا كـذبةَ الحضارةِ عني *** ودعـونـي أعـيش كيفَ أشاءُ
إن حـقـي تـكـفلته السماوا *** ت وصـانـتـه شمسنا الغرّاء
أحـقوق الإنسان أن يُذبح النا *** سُ ويـعرى السجّانُ والسجناءُ؟
أحقوق الإنسان أن يسفح الطفـ *** ل دمـوعـاً وتُـستباحَ النِّساءُ؟
أيٌّ حـريـةٍ, وأيٌّ سـلامٍ, *** صـدّرتـه الـعِـصابةُ النكراءُ
أَبـعـدوا كـذبـةَ الـتمدّنِ قدا *** مـي ذئـابٌ ومن ورائي عُواءُ
هـكذا تنهضُ الشعوبُ: سجونٌ *** وعــراةٌ وحـيّـةٌ رقـطـاءُ
أيـهـا الـغافلون ضيّع صوتي *** ذاريـاتٌ عـنـيـفـة هوجاءُ
ضـقـتُ من أحمر الشفاه وما *** رسـمـتـه القصائدُ العصماء
كـلما استيقظت أَزاهيرُ شعري *** حـرّقَ الـدمعُ وجهَها والرثاء