المدعون

5.7k
3 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

أيـهـا الـمدّعون طالت ليالينا *** ومـا كـحـل الـجفونَ ضياءُ

واسـتـبدّ الظلامُ لا قمرٌ يحـ *** ـبـو ولا سـامـر ولا أحياءُ

تـلـك آمـالُـنـا بـقايا رمادٍ, *** شـد يـومـا وثـاقَها الإعياءُ

لـم تعش في حياتها لذةَ الدفء *** صـقـيـعٌ أيـامـها وامنطفاءُ

سـكـنَ الحزنُ مقلتيها وأظمى *** شـفـتـيها السرابُ والإفتراءُ

طـائرُ الحلم لم يزل ينقر الأر *** ضَ فـأحـلامـنا جياعُ ظماءُ

عـصـب الـليلُ مقلتيه وألقاه *** كـسـيـراً تـنـزٌّ منه الدماءُ

لـم يـغـرد فـمهده من نجيع *** وصـبـاحـاته الحسان انكفاء

أيـهـا الـمدّعون صار هشيماً *** مـا رواه الـرواةُ والأدعـياءُ

نـسـي اللوزُ زهرَه يوم دوّت *** قـهـقـهـاتُ السٌّراق والأنواءُ

وتهاوى الصفصاف ليس غريباً *** أن يـمـوت الجمال والكبرياء

أين حبُ الحصيد أين البساتيـ *** نُ وأيـن الـزهـور والأنـداءُ

وي كـأن البلاد لم تغن بالأمـ *** ـس فــلا زارع ولا بَـنَّـاءُ

إنـه الـقيظُ والتصحّرُ والهجـ *** ـرُ ومـا ثـمَّ جـدولٌ سـقّاء

ألـفُ صـنفٍ, من الدواء وماذا *** يـفـعـل الطب والدواءُ الداءُ

أصـبـحـت أرضُنا قبورَ نفايا *** ت فـهـل يُـرتجى الغداة نَماءُ

اسـتـوى الـفلك مثقلاً بحطام *** حـيـن بيع الشذا وغيض الماءُ

إن جـمر الإسمنت حرّق وجهاً *** مـا تـغـنّـى بـمثلِه الشعراء

أيـهـا المدّعون هذي الملاييـ *** ن ظـلال مـحـزونـةٌ وغُثاءُ

راقـصت ليلَها الهواجسُ والخو *** ف وهـمـس الأشباح والظلماءُ

وعـلـى ضـفة الضياء نؤومٌ *** لـم تـفـق بـعدُ حُرّةٌ شقراءُ

ضـل خُـطّابها وتلك الدياجي *** دونـهـا والـحتوفُ والدٌّخَلاء

مـن ترى أطفأ الشموعَ وأردى *** خـفـقـاتِ القلوب فهي خُواءُ

ذُبـحَ الـحبُ مثلما يُذبحُ الطيرُ *** ودقّـت طـبـولَـها البغضاءُ

تـلـك عبسٌ على مشارف ذبيا *** ن وهـذي الـدمـاء والأشلاء

ذاك جـسّـاسُ والصواهل والنا *** ر جـمـوعٌ يـقـتادهن الفناءُ

مـلأت أرضَنا شظايا المغيريـ *** ن فـأيـن الـقعقاعُ والخنساء

ابـن مـاء السماء يزجي المنايا *** فـاغـراتٍ, والـغولُ والعنقاءُ

ويـهزّ الحجاج ظلم السلاطيـ *** ن سـيـوفـاً لـكـنها عمياءُ

نـسـي الناس ذا الفقار وبيعت *** وهـي تعدو في شوطِها البلقاءُ

نـسـي الـناس خالداً والمثنى *** فـي بـلادي تُـبَـدّلُ الأسماءُ

سُـرقـت سيرةُ الشموس بليلٍ, *** فـالـتـواريـخُ بعدَها عرجاءُ

سُـرق الـلونُ والشذا من زمانٍ, *** نـحـن فـيـه الأعزةُ الحكماء

أيـهـا الـمـدّعون لم أَبنِ بيتاً *** أنـا مـازلـتُ يحتويني العراءُ

أنـا مـازلـتُ طامحاً لرغيفٍ, *** أنـضـجـتـه قلوبُنا البيضاءُ

الـطوابيرُ جرّحت زهرَ عمري *** والـحـصـادُ الهشيمُ والبأساءُ

إنـهـا ليستِ العروسَ فعودوا *** أيـهـا الـنـاس إنها \"السوداء\"

هـذه لـيست النياقَ العصافيـ *** ر وإن هـام في حسنها البلغاءُ

أفـسـدت شربَها الرعاةُ وأدمت *** ضـرعـهـا فهي سِلعةٌ عَجفاءُ

كـل نـعـمى للمترفين وماصا *** ءَ ومـا صـاتَ مـنحةٌ وجباءُ

شـربَ الـمترفون كأسَ الحميّا *** وتـعـرَّوا فـلـيـس ثَمَّ حَياءُ

نـفـشـوا ريـشهم فتلك تغني *** وعـلـى \"الـبار\" مقلةٌ وطفاءُ

هـذه! هـذه! وحـشـدُ بـغايا *** والـلـيـالي حرائقٌ واصطلاءُ

هـكـذا الـعـمرُ: أكلةٌ ونبيذٌ *** وبـغـيٌ ورقـصـةٌ وغِـناءُ

أيـهـا الـمدّعون خلف العمارا *** ت بـيـوتٌ يـموءُ فيها الشقاء

كـلـمـا أبـحرت سفائن خزٍّ, *** مـثـقـلاتٍ, تـضـوّرُ الفقراءُ

نـحـن أغنى من الغنى فلماذا *** لـم يـزرنـا منذ احتلمنا الهَناءُ

كلُ شبرٍ, في أرضنا ذهبٌ يُجـ *** نـى وكـرمٌ تـعـهدته السماءُ

هـذه الأرض جـنـةٌ فـلماذا *** جـاعَ فـيـها الكرّام والأُجراءُ

أكـل المعتدون أطرافَ أرضي *** إنَّ أرضـي شـهـيّـة غَـنّاءُ

حـذف الـمـعتدون أذكار أمي *** هـي والسيف والصهيلُ سواءُ

سـرق الـمعتدون صورة جدي *** إنَّ عـيـنـيـه نـخوةٌ وإباء

حـرّقوا الزرع والنخيل وشُدّت *** نـحـو وجـهي جهنَّمُ الحمراءُ

أنـا يـا قـومُ بـيـنكم أتلظى *** هـكـذا هـكذا يكون الإخاءُ؟!

أنـا قـبلاً أُكلتُ يومَ استباحت *** أرضَ أهـلـي الفجّارُ والأعداءُ

أيـهـا المدّعون خلفَ اغترابي *** سـبـأٌ والـخـرابُ والأرزاءُ

جـنـدُ بـلقيسَ شامتون بموتي *** إن مـوتـي بـدايُـة بـلـهاءُ

أولُ الـغـيـث قطرةٌ ثم يأتي *** بـعـد هـذا الطوفانُ والإفناءُ

أيـهـا المدّعون أرضي حَرامٌ *** سـكـنـتها الشموسُ والأنبياءُ

حـبةُ الرمل من قلوب المياميـ *** ن عـسـيـرٌ طلابها والرجاءُ

كـم تأبّت على المغير روابيـ *** نـا ومـادت بغيظها الصحراءُ

كـلـمـا أغفتِ العروسُ تغنّى *** بـهـواهـا الـرَوّاحُ والـغدّاء

كـلـمـا قـمتُ للحصاد تنزّى *** حول حقلي اللصوصُ والغرباءُ

أَبـعِـدوا كـذبةَ الحضارةِ عني *** ودعـونـي أعـيش كيفَ أشاءُ

إن حـقـي تـكـفلته السماوا *** ت وصـانـتـه شمسنا الغرّاء

أحـقوق الإنسان أن يُذبح النا *** سُ ويـعرى السجّانُ والسجناءُ؟

أحقوق الإنسان أن يسفح الطفـ *** ل دمـوعـاً وتُـستباحَ النِّساءُ؟

أيٌّ حـريـةٍ, وأيٌّ سـلامٍ, *** صـدّرتـه الـعِـصابةُ النكراءُ

أَبـعـدوا كـذبـةَ الـتمدّنِ قدا *** مـي ذئـابٌ ومن ورائي عُواءُ

هـكذا تنهضُ الشعوبُ: سجونٌ *** وعــراةٌ وحـيّـةٌ رقـطـاءُ

أيـهـا الـغافلون ضيّع صوتي *** ذاريـاتٌ عـنـيـفـة هوجاءُ

ضـقـتُ من أحمر الشفاه وما *** رسـمـتـه القصائدُ العصماء

كـلما استيقظت أَزاهيرُ شعري *** حـرّقَ الـدمعُ وجهَها والرثاء


أضف تعليق