أَتَانِـي نَذِيـرُ الـموتِ فِي قَعرِ مَنزِلِي *** وَمَدَّ يَـدَ الرٌّعبِ الرَّهِيبِ لِمَقتَلِي
فَأَغرَزَ في جِسمِـي شَظَـايَا فَأَضعَفَت *** عِظَامِـي وَفِكرِي مِثلُ بِئرٍ, مُعَطَّلِ
وَسَـدَّدَ سَهمًـا نَحـوَ كُـلِّ خَلِيَّـةٍ, *** بِجِسمِي وَلَم يَفتَـأ يَهُـدٌّ بِمِعوَل
كَأَنِّـي بِهِ في دَاخِـلِ القَلبِ وَالحَشَا *** يَدُورُ كَرِيحٍ, مِـن جَنُوبٍ, وَشَمأَلِ
فَيَهـدِمُ أَعضَـاءً وَ يُضعـِفُ قُـوَّةً *** وَيُبدِلُ مَا استَعذَبتُ حُلواً بِحَنظَلِ
وَمَـرَّ عَـلَى شَعـرٍ, كَلَيـلٍ, سَـوَادُهُ *** فَأَصبَحَ مُبيَضًّا كَمَا الصٌّبحِ مُنجَلِي
فَأَنشَدتُ بَعدَ السٌّقمِ وَالضَّعفِ وَالوَنَى *** وَعِندَ لَهِيبِ النَّارِ فِي كُلِّ مِفصَلِ
(وَلَيلٍ, كَمـوجِ البَحـرِ أَرخَى سُدُولَهُ *** عَلَيَّ بِأَنـوَاعِ الهُمُـومِ لِيَبتَلِي)
أَلا يَا نَذِيـرَ المَـوتِ جِئتَ فُجَـاءَةً *** وَحَمَّلتَنِـي الأَكفَـانَ دُونَ تَمَهٌّلِ
فَقَالَ مُجِيبًـا كَـم أَتَتـكَ إِشَـارَتِي *** وَأَنتَ تَغُـضٌّ الطَّرفَ دُونَ تَأَمٌّلِ
فَتَنسَى اقتِرَابَ المَوتِ تَنسَـى قُدُومَهُ *** وَتَنسَى ظَلاَمَ القَبرِ تَحتَ عَقَنقَلِ
أَضَعتَ زَمَانًـا بَيـنَ لَهـوٍ, وَ غَفلَـةٍ, *** كَأَنَّكَ عَن أَهـلِ الصَّلاَحِ بِمَعزِلِ
أَفِق أَيٌّهَا المَغـرُورُ وَاحـذَر بِفِطنَـةٍ, *** وَفِكرٍ, مُضِيءٍ, عَـلَّ لَيلَكَ يَنجَلِي
فَقُلتُ لِنَفسِي وَالدٌّمُـوعُ غَـزِيـرَةٌ *** أَفِيقِي أَفِيقِـي مِـن سُبَاتِ تَدَلٌّلِ
فَكَـم مِـن نَذِيرٍ, هَبَّ نَحوَكِ مُسرِعًا *** وَأَنتِ بِـأَعلَى ذُِروَةِ اللَّهوِ فَانزِلِي
وَتُوبِـي إِلَى الرَّحمَنِ تَـوبَـةَ مُخلِصٍ, *** وَإِلاَّ جَحِيمًا فِي انتِظَارِكِ فَاعقِلِي