كـالـسـيفِ فوقَ حياتنا مَرَّا *** هـذا الـزمـانُ فقطّعَ العُمرا
ونـخـالُ بـسـمتَهُ ستثلجُنا *** فـتـصـبٌّ فوقَ قلوبنا جَمرا
ويـشـيـرُ يُغرينا لنرشُفَ ما *** فـي كـأسـهِ..فيذيقُنا المُرّا
مـا جـفَّ دمعٌ في محاجرنا *** إلا وفـجّـر دمـعـه حَمرا
يـا قـارة الأحـبـاب أرّقني *** بُـعـدٌ تـخطّى البرَّ والبحرا
ومـضـى بأنفاق الحياةِ على *** أجـسـادنـا وكـأننا أسرى
وسـرابُ آمـالٍ, عـدا حَدثاً *** دُفـنَ الـشـبابُ بلحده قسرا
نـحـرَ الأماني في محاجرنا *** ومـحا السرور وأطفأ البشرا
لـكـنـه قد خابَ حين سعى *** مـتـعمداً كي يمسحَ الذكرى!
وتـشـبّث الحبٌّ الأصيل لها *** فـي خافقي..واستنفر الشّعرا
فـمـضـى يغرّد دونما وجلٍ, *** مـتـغزلاً برياضها الخُضرا
وبـنـى بأنفاس القريض هنا *** بـيـني وبين حبيبتي جسرا
فـإذا نـظرتُ رأيتُها نظرت *** نـحو المهاجر نظرة حيرى:
مـن ذاك؟ شيخٌ شابَ مفرقُهُ! *** أيـن الـشبابُ وشاربٌ طرّا؟
أيـنَ الـفـتـوّةُ في توقّدها؟ *** أيـن النضارةُ تنتشي سكرى؟
أنـا يـا حبيبةُ ما أزالُ على *** عـهـد الهوى أشدو به جهرا
ما زالَ في قلبي الشبابُ.. وما *** زالـت صـبـابـتُهُ لها بِكرا
شـبـنـا وما شابت عزائمنا *** ونـجِـدٌّ فـي أهدافنا الكبرى
ذكـراكِ فـي الأذهـان عالقةٌ *** بـل إنـهـا حفرت بنا حفرا
صـورٌ تـشعٌّ بخاطري أبداً *** سبحانَ من أعطى ومن أثرى!
إنـسـانُـها.. بنيانها.. ورُبى *** مـثلُ الكواكب حاصرت بدرا
الـجـودُ ظـاهرها وباطنها *** غـيـمٌ وعـيـنٌ أبرزا خيرا
فـإذا بـقـارة تـنتشي فرحاً *** ورنـت إلـيه بنظرةٍ, حيرى
وكـأنـها طربت لما سمعت *** لـكـنـهـا نظرت له غيرى
أتـحـبني؟ فلم ابتعدتَ إذن؟! *** وعـلـقتَ دوني بلدةً أخرى!
لو عينُ كسرى شاهدت سمتي *** مـا رام غـيري بلدة كسرى
فـعـلام تـنأى شارداً؟ ومتى *** كـان المحبٌّ يفضّل الهَجرا؟
وإذا بـكـفـي تحتوي كبدي *** ودمـوعُ عـيني موجةٌ حرّى
أنـا يـا حبيبةُ لم أدعك رضاً *** بـل إنـني ذقتُ النَّوى قسرا
كـابـدتُ مـثـلكِ ما يكابدهُ *** مـن عـاشَ كـل حياته حُرّا
إنّـا ألِـفـنـا الـعدل مؤتلقاً *** لا نـرتـضي ظلماً ولا جورا
لـكِ فـي الفؤاد مكانةٌ سمقت *** وتعاظمت لتطاول الشِّعرى(1)
لـمَ لا أُشـيـدُ بـقارتي ولهاً *** وسماتُها قد أعجزت حَصرا؟!
قُـطـعـانـها قد أدمنت دَرّا *** وريـاضُـهـا قد أثمرت دُرّا
وفـضـائـل قد أشرقت بِرّاً *** وبـيـادرٌ قـد أتـخمت بُرّا
لـكـنّـمـا الأيـامُ قد قلبت *** بطنَ المجن لقارتي ظهرا(2)
قـد أثقلت بذنوبِ من جحدوا *** نِـعَمَ الإلهِ وأدمنوا الكفرا(3)
ولأنـهـم زرعوا الفسوقَ بها *** جـعـلـوا ثراها يُنبتُ الفقرا
غـابـت غيومُ الخير عازفةً *** والعينُ غارت في الثرى غَورا
فـتـصحّر المرجُ الجميلُ بها *** لا نبعَ.. لا مجرى.. ولا نهرا
أوّاه يـا ذكـرى تـؤرقـني! *** أنا لا أطيق لجرحها صَبرا؟!
أنـا في اغترابي جففوا أملي *** وبـقـارتـي قد جففوا الخيرا
يـا ربّ أدركـنـا بـمحنتنا *** وابـعـث لـنا في ليلنا فجرا
فـهناك مات أبي ومات أخي *** وشـقيقتي.. واستوطنوا القفرا
وهـنـاكَ ماتت أمس والدتي *** أأنـالُ بـيـن قبورهم قبرا؟
(خمس وعشرون) ارتوت ألما *** فـمـتى تلوح أمامنا البشرى؟