رسالة من مغترب إلى بلدتي الحبيبة (قارة)

5.2k
2 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

كـالـسـيفِ فوقَ حياتنا مَرَّا *** هـذا الـزمـانُ فقطّعَ العُمرا

ونـخـالُ بـسـمتَهُ ستثلجُنا *** فـتـصـبٌّ فوقَ قلوبنا جَمرا

ويـشـيـرُ يُغرينا لنرشُفَ ما *** فـي كـأسـهِ..فيذيقُنا المُرّا

مـا جـفَّ دمعٌ في محاجرنا *** إلا وفـجّـر دمـعـه حَمرا

يـا قـارة الأحـبـاب أرّقني *** بُـعـدٌ تـخطّى البرَّ والبحرا

ومـضـى بأنفاق الحياةِ على *** أجـسـادنـا وكـأننا أسرى

وسـرابُ آمـالٍ, عـدا حَدثاً *** دُفـنَ الـشـبابُ بلحده قسرا

نـحـرَ الأماني في محاجرنا *** ومـحا السرور وأطفأ البشرا

لـكـنـه قد خابَ حين سعى *** مـتـعمداً كي يمسحَ الذكرى!

وتـشـبّث الحبٌّ الأصيل لها *** فـي خافقي..واستنفر الشّعرا

فـمـضـى يغرّد دونما وجلٍ, *** مـتـغزلاً برياضها الخُضرا

وبـنـى بأنفاس القريض هنا *** بـيـني وبين حبيبتي جسرا

فـإذا نـظرتُ رأيتُها نظرت *** نـحو المهاجر نظرة حيرى:

مـن ذاك؟ شيخٌ شابَ مفرقُهُ! *** أيـن الـشبابُ وشاربٌ طرّا؟

أيـنَ الـفـتـوّةُ في توقّدها؟ *** أيـن النضارةُ تنتشي سكرى؟

أنـا يـا حبيبةُ ما أزالُ على *** عـهـد الهوى أشدو به جهرا

ما زالَ في قلبي الشبابُ.. وما *** زالـت صـبـابـتُهُ لها بِكرا

شـبـنـا وما شابت عزائمنا *** ونـجِـدٌّ فـي أهدافنا الكبرى

ذكـراكِ فـي الأذهـان عالقةٌ *** بـل إنـهـا حفرت بنا حفرا

صـورٌ تـشعٌّ بخاطري أبداً *** سبحانَ من أعطى ومن أثرى!

إنـسـانُـها.. بنيانها.. ورُبى *** مـثلُ الكواكب حاصرت بدرا

الـجـودُ ظـاهرها وباطنها *** غـيـمٌ وعـيـنٌ أبرزا خيرا

فـإذا بـقـارة تـنتشي فرحاً *** ورنـت إلـيه بنظرةٍ, حيرى

وكـأنـها طربت لما سمعت *** لـكـنـهـا نظرت له غيرى

أتـحـبني؟ فلم ابتعدتَ إذن؟! *** وعـلـقتَ دوني بلدةً أخرى!

لو عينُ كسرى شاهدت سمتي *** مـا رام غـيري بلدة كسرى

فـعـلام تـنأى شارداً؟ ومتى *** كـان المحبٌّ يفضّل الهَجرا؟

وإذا بـكـفـي تحتوي كبدي *** ودمـوعُ عـيني موجةٌ حرّى

أنـا يـا حبيبةُ لم أدعك رضاً *** بـل إنـني ذقتُ النَّوى قسرا

كـابـدتُ مـثـلكِ ما يكابدهُ *** مـن عـاشَ كـل حياته حُرّا

إنّـا ألِـفـنـا الـعدل مؤتلقاً *** لا نـرتـضي ظلماً ولا جورا

لـكِ فـي الفؤاد مكانةٌ سمقت *** وتعاظمت لتطاول الشِّعرى(1)

لـمَ لا أُشـيـدُ بـقارتي ولهاً *** وسماتُها قد أعجزت حَصرا؟!

قُـطـعـانـها قد أدمنت دَرّا *** وريـاضُـهـا قد أثمرت دُرّا

وفـضـائـل قد أشرقت بِرّاً *** وبـيـادرٌ قـد أتـخمت بُرّا

لـكـنّـمـا الأيـامُ قد قلبت *** بطنَ المجن لقارتي ظهرا(2)

قـد أثقلت بذنوبِ من جحدوا *** نِـعَمَ الإلهِ وأدمنوا الكفرا(3)

ولأنـهـم زرعوا الفسوقَ بها *** جـعـلـوا ثراها يُنبتُ الفقرا

غـابـت غيومُ الخير عازفةً *** والعينُ غارت في الثرى غَورا

فـتـصحّر المرجُ الجميلُ بها *** لا نبعَ.. لا مجرى.. ولا نهرا

أوّاه يـا ذكـرى تـؤرقـني! *** أنا لا أطيق لجرحها صَبرا؟!

أنـا في اغترابي جففوا أملي *** وبـقـارتـي قد جففوا الخيرا

يـا ربّ أدركـنـا بـمحنتنا *** وابـعـث لـنا في ليلنا فجرا

فـهناك مات أبي ومات أخي *** وشـقيقتي.. واستوطنوا القفرا

وهـنـاكَ ماتت أمس والدتي *** أأنـالُ بـيـن قبورهم قبرا؟

(خمس وعشرون) ارتوت ألما *** فـمـتى تلوح أمامنا البشرى؟


أضف تعليق