قـالـت: فـديـتُكَ هل للشعرِ من نظرِ *** يـرى فـيـخفق نبضُ القلبِ بالغُررِ
أمـا لـنـفـسِـك مـن حبٍّ,، ومن متعٍ, *** بـهـا تـعـيشُ بلا شكوى ولا ضجرِ
ألـم يُـذوَّب بـنـارِ الـشـوقِ من أمدٍ, *** مـضـى عـلـيـك فؤادٌ ناءَ بالكدرِ
فـكـم قـرأنـا لأهـلِ الشعرِ من غُررٍ, *** لـلـحـبِّ والـشوقِ والمزمارِ في أُطُرِ
وشـنَّـفـت سـمـعَـنـا أُغرودةٌ لفتت *** طـولَ الـلـيـالـي خـليًّا غيرَ منتظرِ
وكـم تـدلَّـى (أجـيـنـارٌ) بـطلعتِه *** عـلـى يَدَي شاعرٍ, من غابرِ العُصُرِ 1
تـروي الـهـوى بمزاجِ العصرِ ريشتُه *** أُسـطـورةً دلـفـت فـي حسنِها النَّضرِ
كـالـغـصـنُ أورق يسقي جذلَ كبوتِه *** صـمـتٌ تـكـابـدُه الأجراسُ في حذرِ
ألـم تـصـلـكَ الدواوين التي انتشرت *** و ذاعَ صـيـتٌ لها في البدوِ والحضرِ
عـن الـخـدود الـتـي بـيعت لكاهنِهم *** عـن الـصـدورِ التي باتت بلا سُتُرِ
عـن الـحـضـارةِ والـحريةِ انطلقت *** بـثـوبِـهـا الـنـاعـمِ الغالي لمتَّجرِ
عـن الـصـلـيبِ الذي قد صارَ فلسفة *** مـن غـيـر تـفعيلةٍ, في الشعرِ أو خَفَرِ
فـمـا لـهـا اكتأبت فيك المنى؟ وبكت *** دنـيـا شـبـابـك، إذ هلَّت بلا ثمرِ
أمـا وجـدتَ عـلـى الـتغريبِ تسليةً *** (ساجانُ) تزجي لها من نسجِها القذرِ (2)
فـقـم وجـدِّد شـبـابَ الـشـعرِ متكئا *** عـلـى ابـتـكـارٍ, جديدٍ, غيرِ مندثرِ
بـالـحـبِّ والـكفرِ: فامزج منهما شفةً *** عـلـى هـزيزِ الهوى واشدد على الوترِ
إنَّ الـتَّـحـرٌّرَ يُـغـنـي كـلَّ فـاتنةٍ, *** ولـيـس يـتـركُ للرجعيِّ من وزرِ
هـفـت عـلـى غـيرِ ما للدينِ من قيمٍ, *** فـبـالـهـوى دولٌ طـارت إلى القمرِ
وأنـتَ تـسـجـدُ خـمـسًـا بعد نافلةٍ, *** فـي الظهرِ والعصرِ والإمساءِ والسَّحرِ
دع عـنـك رجـعـيـةً لم تُغنِ في زمنٍ, *** فـيـه الـتـقـدمُ يـاهـذا لـمفتخرِ
قـالـت: فقلتُ: اخرسي.يابئس عابثةٍ, *** جـاءت لـتـبـدلَ أمـنَ القلبِ بالخطرِ
أغـرَّكِ الـزيـفُ فـي أبـنـاءِ جلدتِنا *** فـكـنـتِ لـعبَتَهم بين اللهوِ والوطرِ
أم أسـكـرتـكِ مـلـذَّاتٌ بـحـانـتهم *** حـيـثُ الـمـهازلُ لاتعدو هوى أشرِ
بـاعـوا عـفـافَك يا بلهاءُ، بل ظفرت *** بـك الـتـجارةُ، بئسَ العُهرُ من ظفرِ
وأشـعـلـوهـا عـلـى الإسلامِ ضاريةً *** حـربًـا ضـروسـا بمكرٍ, ماجَ بالضَّررِ
يــقــاتـلـون بـأقـلامٍ, مـزيَّـفـةٍ, *** هـدى الإلـهِ، ومـا لـلـحقِّ من سورِ
أعـمـتـهُـمُ الـنَّزواتُ: اللهوُ يركلُها *** خـلـفَ الـتـهـافتِ في حفلٍ, و مؤتمرِ
يـقـودُهـم عَـبَـثًـا إبـليسُهم ويرى *** أغـلـى مـآربِـه فـي أتـفـهِ الـنَّفرِ
فـوضـى الـسـفاهةِ في تدميرِ فطرتهم *** نـارٌ تُـؤجَّـجُ فـي اسـتـهتارِ محتقَرِ
تـفـحٌّ بـالـشـهـوةِ العمياءِ ما طلعت *** لـمَّـا تـعـرَّت بـغـيرِ النَّابِ والظٌّفُرِ
بـهـرطـقـاتِ بـغـاةٍ, مـا رأوا أبـدًا *** نـورَ الـطـهـارةِ يـجـلو لوثةَ البصرِ
يـتـاجـرون، ألا بـارت تـجـارتُهم *** ومـا بـهـا مـن مـتـاع الإثمِ والكِسَرِ
فـانـظـر هُـويَّـتَـهم تعرف معادنَهم *** فـي خـسَّـةٍ, أنـكـرتـها رفعةُ البشرِ
* * *
أهـجـتِ نـفـسَكِ، ما هيَّجتِ لي حلمًا *** عـلـى الـحرامِ، ولا أغريتِ بالصٌّورِ
رجـعـيـتـي درعُ إيماني، و معتقدي *** حـصـني الحصين، ومَدِّي غيرُ منحسرِ
ولـيـس زيـفُـكِ تـغـريـني مفاتنُه *** وكـيـف يـقـرن هذا الزيفُ بالدررِ
فـلا تـقـودَنَّـكِ الأوهـامُ عـابـثـةً *** وتـسـتـخـفُ بـكِ الأهـواءُ للضَّررِ
ولا تـكـونـي لـهـم جسرًا إذا عبروا *** ولا الـتـفـاتـةَ غـيٍّ, خـلفَ ذي نُكُرِ
قـد أوغـلـوا بـالإثـاراتِ التي قلبت *** دنـيـا الـجـمـالِ إلـى مـستنقعٍ, قذرِ
ولـم يـثـب مـنـهُـمُ إلا أخـو شـيمٍ, *** عـلـى ارتـطـامِ عمى الألوانِ بالبصرِ
فـمـزِّقـي ثـوبَ إفـسـادٍ, و بـهرجةٍ, *** واسـتـعصمي بالهدى و الطهرِ في العُمُرِ
فـزيـنـةُ الـغـيـدِ جلبابٌ على خُمُرٍ, *** ولـلـحـجـابِ ولـلإسـلامِ فانتصري
وسـفِّـهـي أُخـتَـنـا أحلامَهم و ذري *** لـلـتـيـهِ مـن زمـرٍ, تأسى على زمرِ
طـابـورُهـم شـبَّ فـي مرمى دناءتهم *** عـلـى الـفـجورِ بليلِ الكأسِ و الوترِ
فـكـيـفَ تُـرجَـى يدُ المخمورِ أوهنَها *** لـكـي تُـقـيـمَ علانا رعشةُ السٌّكُرِ
أو كـيـف يـنـهـضُ مأروضٌ بأُمتِنا *** أو أن تـقـومَ على ضُرٍّ, بمنحَدَرِ؟! 3
مَـن عـاشَ لـلـعبثِ المبتضِّ صاحبُه *** فـقـد تـسربلَ بالبرسامِ والقِصَرِ 4
يـاضـيـعـةَ الـعـمرِ ولَّى خلفَ بائعه *** يـعـوي عـلـى إثرِه والموتُ في لأثرِ
تـفـنـى الـرموزُ (لميخائيل) هذرمة *** أو بالبدائع من (جبران) في الصورِ 5
ولـيـس (فـيـنيق) بالرمز الخفيِّ فقد *** عـرَّتـه بـنـتُ رمادِ الرمزِفي الفكَرِ
فـدونـك الـيـوم سـاقـتـها مذاهبُهم *** سـود الـطـلاسـمِ فـي أكفانِ محتضرِ
فـلـمـلـمي سترَكِ المفضوحَ في يدِهم *** و أوِّبـي لـلـهـدى بالتوبِ و اعتبري
لـم يـصـفـعِ الـمجدَ إلا كفٌّ خسَّتِهم *** ولـم تُـوارِ الـعـلـى إلا يـدُ الـهذرِ
عـلـى سـرابٍ, مـن الـلذَّاتِ قد ركعوا *** وفـي الـعـمـايةِ يستخفون من قدرِ
أو تحتَ وقدِ نارِ (رماد الأربعاء) مضوا *** بـفـلـسـفـات من الهندوسِ للحفرِ(6)
تـبًّـا لـمَـن بـذلـوا أيـامَـهـم عبثًا *** مـع الـعـفـاريتِ واختاروا لظى سقرِ
* * *
يـا أخـتـنَـا: والـمـعالي ثوبُ عفَّتنا *** نـادتـكِ فـاسـتـمعي للحقِّ لا الخُسُرِ
مـدِّي يـديـكِ إلـى الـزهراءِ طاهرةً *** تـلـقَـي بـبـردتـهـا من يانعِ الثمرِ
تـهـدي انـبـعـاثـكِ بالتقوى إلى قيمٍ, *** ولـيـس يُـبـقـي حُنُوٌّ الدينِ من عَسِرِ
ولـيـس مـن مـتـعـةٍ, أجدى لظامئةٍ, *** مـن دافـقِ الـنٌّـورِ يا أُختاه في السٌّوَرِ
يـصـونُـكِ اللهُ بـالـرفقِ الذي ظهرت *** بـه الـنٌّـبـوَّةُ و الـمـأثورُ في السِّيرِ
رامـوكِ صـيـدًا عـلى شطآنِ شهوتِهم *** وأنـتِ فـي يَـمِّـنـا أغـلى من الدٌّرَرِ
لـم نـسـتـمـع لـسفيهٍ, في محاضرةٍ, *** إلا دعــاكِ لـديـجـورٍ, ومـنـحـدرِ
عـلـى مـسـاحـبِ حريَّاتِ مَن كفروا *** فـي الـغربِ والشرقِ وفي آفاقها الأُخرِ
ألـفـيـتُـهـم فـي فـمِ الأهواءِ قهقهةً *** ثـمـلـى بهم، وتلاشت في دجى الخورِ
فـإنَّ لـلـغـيِّ مـهـمـا اشـتدَّ ساعدُه *** بـتـرًا، ومـا لـغُواةِ العصرِ من وزرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
(1) أجينار: من ملوك الفينيقيين
(2) ساجان: قاصة فرنسية تُعنى بالجنس
(3) مأروض: مَن به خبل
(4) المبتض: المستأصَل
(5) إشارة إلى كتابات الحلول والكفر والفجور في كتابات أولئك
(6) رماد الأربعاء: إشارة لشاعر الجنس والعهر الإنكليزي إليوث