لم يكن ذلك الصمت، وذلك النور ليوهب إلا للصادقين أمثال: مصعب العوشن، لله درٌّك يا مصعب، ما أفصح صمتك، وما أبلغ هدوءك، لم تكن تريد الشهرة [في زمن الاستماتة لنيل الشهرة]، ولم تكن لتنالها لولا استشهادك، فلله درك، كتبت أحرفك بدمك، وأن يكتب الإنسان تاريخه بدمه فذلك قمة المجد في الدنيا..والآخرة.
خطبوا فجادوا بالبيان وأطنب *** فأبنت أنك بالمواضي أخطبُ
ما كل من ركب البيان يسوسه *** عجُمت قوافيهم وأنت المُعرِبُ
\" يا مصعب \" أوّاه كم نطقت بها *** شفتاي.. قلبي.. أدمعي \" يا مصعبُ \"
إيهٍ, نديَّ الصوت أنشدتَ الربى *** شعراً فروحاً للمعالي تدأبُ
طاب القعود لنا فأما أنتمُ *** *** فرأيتم أن الشهادة أطيب
عذبت لنا الدنيا وأما أنتم *** فرأيتمُ أن القَضيَّةَ أعذبُ
بسمت لنا الدنيا ضحىً وازَّيَّنَت *** ما كنتَ تنعمُ والجنان تثوِّبُ
نُعمى الحياة سحابةٌ صيفيَّةٌ *** والباقيات سحابُهُنَّ الصيِّبُ
بعتَ الحياة رخيصة لما عشق *** تَ الباقيات وعشقهنَّ المكسبُ
من ذا يقود المرء من نعمائه *** من ذا يشوِّقه لكي يتغرَّبُ
من ذا يقود الناس نحو حتوفهم *** راح الصبيٌّ وراح قَبلُ الأشيبُ
عجبٌ -وربِّك- بذلُهم لنفوسهم *** لكنَّ ما يرجون منها أعجبُ
في ليلة يخشى الأبيٌّ مصابها *** لم تثنه أغوالها والأذؤب
لقي المنون مشمراً متفانياً *** في ساعة منها العقول تغيب
بيمينه قرآنه، وسلاحه *** بشماله وفؤاده متوثب
يتلو كتاب الله يكسوه التقى *** ويلفه الصمت \" الشتاء \" الغيهب
عينان لا يصلاهما حرٌّ اللظى *** عين بكت لله دمعاً تسكب
وحسيبة جفت المراقد تمتطي *** شم الجبال وللعدا تترقب
تخذ البسالة منهلاً لحياته *** أكرم به من منهلٍ, لا يجدب
كفكف دموعك يا محبٌّ فإنه *** لو قيل ماذا تشتهي يا مصعب؟
لوجدته يهوى الشهادة مرةً *** أخرى فبحر يقينه لا ينضب
ستراه بين جنانه فدع البكا *** ما مات من نحو الجنان سيذهب