بسم الله الرحمن الرحيم
المكان: أرض بيت المقدس.
الزمان: يوم الحساب.
التوقيت: مع اقتراب الشمس من الرؤوس.
المشهد:
أنت واقف تحت الشمس وقد بلغ منك العرق بمقدار ذنوبك إلى الكعبين أو الساقين أو الصدر أو الفم فيغمرك العرق وكل أعلى بمقدار كم سيغرق وأنت في هذا الموقف تتمنى أن ينتهي بأسرع ما يمكن وبأي طريقة وحولك يقف أصدقاؤك الذين كنت معهم على غير طاعة الله لا يستطيعون أن يفعلوا لك شيئا ولا حتى أن يكونوا كما كانوا يفعلون في الدنيا \' رجالا \' في مواقف المعصية فهم مشغولون بأنفسهم أيضا.
وبينما أنت في هذا الموقف العصيب تنظر على مقربة منك فترى ظلا عظيما ممتدا يقف تحته الكثير من الناس كنت تعرفهم بأشكالهم بل حتى منهم من تعرفه باسمه بل ومنهم من وقفت وتكلمت معه مرات ومرات ما بالهم هناك وأنا هنا؟؟؟ بل ما لهم مستظلين وأنا في عرق ذنوبي غريق. نعم أليسوا هم من كانوا يدعونني إلى صحبتهم ويلحون علي في ذلك أليسوا هم من كانوا يحذرونني من صحبة رفاقي ويخبرونني بهذا المشهد ويرجونني ألا أكون في موضعي هذا.
حينها يملأ الندم قلبك \' ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا \' فهل علمت أخي الحبيب من الذي سيحتاج إلى أسنانه يوم الحساب أسأل الله ألا تكون منهم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \' الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل \'.
وقال صلي الله عليه وسلم: \' لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي \' وكما وجه الحبيب - صلى الله عليه وسلم - كل قابل لنصحه ومستجيب لأمره إلى من يكون الخليل والصاحب ومن يدخل بيتك ويأكل طعامك كذا بين الثواب العظيم للصحبة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: \' إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم [يحسدهم الحسد المحمود] الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله - عز وجل - قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم تلا الآية: \' ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون \'.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: \' إذا خلص الله المؤمنين من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار قال يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار فيقول الله - تعالى -: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه فيخرجونهم فيقولون: ربنا أخرجنا من قد أمرتنا فيقول الله - تعالى -: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل\' فانظر أعزك الله إلى شفاعة المؤمنين في إخوانهم وأصحابهم وأهليهم وأصدقائهم يوم القيامة وفضلها العظيم.
وتعال معي عزيزي الشاب إلى محور حديثنا الأساس وهو السبيل إلى اختيار الأصحاب والأصدقاء لكي ننال الثواب العظيم ولعل من أفضل العبارات التي تصوغ شكل الصاحب والرفيق عبارة الإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - من القرن السادس الهجري حيث قال - رحمه الله -: \' ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلا حسن الخلق غير فاسق ولا مبتدع ولا حريص على الدنيا \'.
ونلمح في العبارة أن المنهي عنه في الصاحب أكثر من المأمور به وهي إشارة إلى أن الصفة الحسنة إن وجدت في الصاحب فليست كفاية للحكم بصلاحه لصحبتك بل الأهم انتفاء المنهيات حيث أنها علامة الهلاك.
1- أما العقل فهو رأس المال ولا خير في صحبة الأحمق لأنه يريد أن ينفعك فيضرك ونعني بالعاقل الشخص الذي يفهم الأمور على ما هي عليه إما بنفسه أو يكون بحيث إذا شرح له فهم وهذا مفهوم بالفطرة فلا نظن أن هناك من يحب مصاحبة الحمقي الذين لا يعرفون ما لا يفعلون.
2- وأما حسن الخلق فلا بد منه فرب عاقل يغلبه غضب أو شهوة فيطيع هواه فلا خير في صحبته فلا يغرنك صاحب العقل الراجح إن ساءت أخلاقه فسيؤذيك أنت أولا بأخلاقه قبل أن ينفعك بعقله وإن لم يفعل تنطبع أخلاقه على أخلاقك ولو بعد حين.
3- وأما الفاسق فإنه لا يخاف الله ومن لا يخاف الله - تعالى - لا تؤمن غائلته ولا يوثق به وهذا والله من درر كاللام فأمر طبيعي للغاية أن من لا يراعي حرمات الله - تعالى - هل سيراعي حرماتك وهل تأمنه على نفسك ومالك؟ كلا والله وإن ظهر منه عكس ذلك فعند الملمات والخطوب تظهر الحقائق وتنكشف وعندها لا ينفع الندم.
4- وأما المبتدع فيخاف من صحبته بسراية بدعته فصاحب البدعة يسرب إليهم فهمه الخاطئ للإسلام وبدعته ولا تشعر فمثلا كثرة مخالطتك للقبورييين ورؤيتك لما يفعلونه تقذف في القلوب الاعتقاد في القبور والتبرك بها والذبح والنذر لها والدعاء عندها وهذا من أخطر الأمور.
5- وأما الحريص على الدنيا فإن واجب المؤمن أن يتجنب عشرة طلاب الدنيا فإنهم يدلونه على طلبها وجمعها ومنعها عن أصحاب الحق فيها وذاك الذي يبعد العبد عن طلب نجاته ويقطعه عنها ويجتهد في صحبة أهل الخير ومن يدله على طلب الآخرة وينبغي الحذر من هذه الصفة بالذات فصاحبها قد يكون صاحب عقل راجح وخلق رفيع وليس مبتدعا ولا فاسقا ولكنه غافل عن الله - تعالى -وليس حريصا على مرضاته فتصبح مثله بعد فترة من الوقت لا يهمك في هذه الدنيا إلا ذات الدنيا العمل والدراسة والكلية والبيت وغيرها من الأمور الدنيوية ولا يصبح في عقلك ولا فكرك حيز ولا مجال لمرضاة الله - تعالى - والسعي إليها فيقسو قلبك أعاذنا الله - تعالى - وإياك من ذلك، ويختم ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -فيقول: \' ومن اجتمعت فيه هذه الخصال كلها فإن صحبته لا ينتفع بها في الدنيا فقط بل ينتفع بها في الآخرة وعلى هذا يحمل كلام بعض الصحابة والتابعين - رحمهم الله - تعالى -: استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة \'.
وخير ختام لهذا الكلام قول الله - تعالى -: \' الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين \'
أخي الحبيب: إنها دعوة لإعادة النظر في أصدقائك وتوصيفهم تبعا للقواعد التي ذكرناها سابقا فإما أن تنال بهم الشفاعة يوم القيامة وتكون معهم في تلك المكانة العظيمة وإما أن تبدأ بالأخذ بنصيحتي وتستعد بتنظيف أسنانك فستحتاج إليها في ذلك المقام.
حفظك الله - تعالى - ومن تحب من كل سوء وشر وأعانك على الخير ونيل رضاه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد