آمنة بناني : داعية إلى الله بالرسم على الزجاج


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

اختارت آمنة بناني (ربة بيت منخرطة في جمعيات خيرية، أم لأربعة أبناء، منهم رسامة) أن تمارس فن الصباغة على الزجاج وتتخذها وسيلة لنقش حب الله في الصدور عبر لوحاتها الهادفة، سواء منها التي تهديها في المناسبات أو التي تعرضها في المعارض كلما أتيحت لها الفرصة.

 

تسكن\"آمنة بناني\"بحي المحيط في العاصمة المغربية الرباط في عمارة تتميز شقتها فيها عن باقي شقق العمارة ببصماتها الفنية، إذ يكفي الزائر أن يرى زجاج الباب الخارجي لبيتها مزينا بلوحات فنية ليعرف أنه بيت آمنة.

 

حكت لنا آمنة بناني عن دور الفن في الدعوة إلى الله كما عن أثره في تنمية العلاقة الزوجية والمساعدة على تربية الأبناء وصولا إلى المجتمع وقضايا الأمة الإسلامية.

 

بصمات الوالدين:

تقول آمنة بناني وهي تحكي عن بداياتها مع فن الصباغة على الزجاج:\"من أحب اللحظات في حياتي أن أكون مصدر عطاء، والعطاء بالنسبة لي في الظرف الحالي هو الفن بصفته موهبة ونعمة، أسأل الله أن يديمها ويحفظها من الزوال. ترعرعت في بيت تملؤه بصمات الفن لوالدي الذي كان يعمل في الجيش، وكان يعشق الفن لدرجة أنه كان يملأ أرجاء البيت بأعماله الفنية، ويتعلق الأمر بالنقش على الخشب. هذا بالإضافة إلى أن أمي - رحمها الله - هي الأخرى كانت تتقن فن التطريز والخياطة\".

 

وتضيف آمنة:\"الصباغة على الزجاج جاءت في المرحلة الثانية إذ الأولى تميزت بالرسم حيث كنت أدرس في الثانوية العسكرية وكان المجال مفتوحا أمامنا نحن التلاميذ لممارسة جميع الفنون التي تعجبنا، وكنت حينها من المتفوقات في الفنون التشكيلية، وكنت أرغب دائما في الإبداع. والصباغة على الزجاج بدأتها منذ خمس سنوات، تتويجا لموهبة الرسم التي تعتبر القاعدة الأساسية لفن الصباغة على الزجاج. واخترت الزجاج لأنني أحب الشفافية والوضوح\".

 

 لوحاتها والأمة:

لا تنفك آمنة عن تذكر ما يقع للأمة الإسلامية وهي تضع لمساتها الفنية على لوحاتها الزجاجية، كما تكتشف أن الصور التي تبثها الفضائيات عن واقع هذه الأمة تسيطر على عقلها الباطني لتجد آثار هذه الأحداث منقوشة على زجاجاتها وتعبر آمنة عن ذلك بقولها:\"إنني كلما أتممت لوحة، صغيرة كانت أم كبيرة، أتأملها لأقرأ من خلالها نفسيتي سواء من حيث الألوان أو غيرها، خصوصا وأن لوحاتي تتأثر بما يحيط بي من أحوال الأمة الإسلامية وخصوصا ما يذاع عبر الفضائيات وما يقرأ في الجرائد\".

 

 الأمل في المستقبل:

 شاركت آمنة برواق خاص يهم الأسرة بقاعة باحنيني بوزارة الثقافة بالرباط موازاة مع يوم دراسي نظمته منظمة تجديد الوعي النسائي بمناسبة اليوم العالمي للأسرة، ولقيت اللوحات إقبالا متميزا، خصوصا وأنها تحاول أن تغرس قيم أخلاقية فاضلة بريشة فنية نافذة، وكان من بين مضامين لوحاتها الزجاجية على سبيل المثال لا الحصر:\"أبناؤنا أمانة بين أيدينا\"،\"الأسرة شجرة..الآباء جذورها والأبناء فروعها\"دلالة على الأسرة المستقرة، المترابط أعضاؤها مثل الشجرة،\"لا تنس ذكر الله\"، كما فكرت آمنة بطريقة فنية في تشجيع الأبناء على الجد والاجتهاد عبر نقش لوحات توضع على مكاتب الأطفال مزينة بورود مكتوب عليها\"ما شاء الله فلان\"إذ كلما رأى الطفل تلك العبارة أخذ جرعة من التحفيز على الجد والعطاء وترك الكسل، وبذلك يساعد الفن الآباء على حسن تربية أبنائهم استعانة بذوق فني هادف يشرح الصدر.

 

ولا تكتفي آمنة بذلك بل إن ورشاتها الفنية في العطل المدرسية يستفيد منها الأطفال الصغار، وتعبر عن هدفها من ذلك بقولها:\"إن الذي يهمني هو أن ينتقل هذا الفن إلى أبنائنا وبناتنا حتى إذا متنا يحتفظون لنا بالمشعل\".

 

وتتحسر آمنة لواقع عدد لا يحصى من ربات البيوت بقولها:\"يحز في نفسي أن أسمع عن ربات البيوت أنهن أسيرات الفراغ، فبالفن يمكن لربات البيوت أن يقمن ورشات خاصة بالرسم أو التطريز، بل ويمكن أن يكون الفن وسيلة من وسائل الدعوة إلى فضائل الأخلاق وحسن المعاملات، بل وتجاوز أعظم المشكلات داخل الأسرة\".

 

وتضيف آمنة:\"إن الرسم والفن الهادف بصفة عامة يهدئ الجو داخل البيت ويدفئه، فالأبناء يعايشون هذا الفن مما يجعلهم يميلون نحوه أو غيره من الهوايات، ولا يضيعون أوقاتهم في الفراغ القاتل، كما أنني آخذ برأيهم في أعمالي وهو ما يوطد العلاقة بيننا ويزرع روح التشاور والحوار البناء، ليبقى زوجي في الأخير هو الحكم، ونعم الحكم\".

 

وتؤكد آمنة أن نعمة الدفء التي يضفيها الفن على العلاقات داخل الأسرة لا يستشعرها إلا من ذاق طعمها وأن الفن راحة ومتنفس من المتاعب النفسية التي يمكن أن تصدر حتى من خارج البيت\". وتستشهد الفنانة آمنة بالمثل المغربي الذي يقول:\"ما تعمله يدك يفرح له قلبك\"فذاك شأن اللوحات التي يمكن اعتبارها في بعض الأحيان بمثابة الأبناء.

 

 وعند سؤال آمنة عن الوقت المفضل لديها لممارسة فن الرسم على الزجاج بقولها:\"أختار الصباح الباكر بعد صلاة الصبح انطلاقا من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:\"بورك لأمتي في بكورها\"وفعلا أنا ألمس ذلك حين أرسم في الصباحº إذ معظم اللوحات التي أعدها قبل طلوع الشمس تبدو زاهية مما يشجعني على الإبداع، سواء في اختيار الألوان أو الكتابات التي ترافق الرسوم. وحينما أكتب شعرا جميلا أفضل أن يرسم على شكل لوحة زجاجية\"

 

 تقييد الإبداع:

سألنا آمنة عن أي نوع من الأعمال الفنية تفضل فأجابت:\"أغلب اللوحات التي أعدها هي بالدرجة الأولى تستجيب لطلب نفسيتي، وفي غالب الأحيان الطلبات تكون مبنية على نماذج أعددتها تعجب الزائر فيطلب مثلها\".

 

وأكدت أنها تكره التقيد بمحددات الطلب في إعداد اللوحات الفنية، لأنها من وجهة نظرها لا تسمح للإبداع بالانطلاق. ويكفي آمنة أن تعرف المناسبة التي يقصد طالب اللوحة إهداءها فيها، وبعد ذلك يبقى شكل اللوحة وألوانها من اختيارها لكي تتمكن من العطاء أكثر.

 

وتضيف آمنة:\"معظم لوحاتي هي عبارة عن هدايا تدخل في إطار ثقافة الهدية الهادفة فالذين يشترون اللوحات الفنية يفضلون أن تكون هديتهم في مناسبة زفاف أو عقيقة أو نجاح.. هادفة لا أن تكون مادية فقط. والهدية الهادفة يكون تأثيرها أقوى على الشخص المتلقي.

 

 ذكر الله قوة:

المتأمل في اللوحات الفنية التي تعدها آمنة يلحظ أن معظمها يتضمن أقوالا وحكما وأدعية مأثورة أو وصايا أو آيات قرآنية، وتستدل آمنة على ذلك بقولها:\"أعتبر ذكر الله والكلمات الهادفة من عناصر القوة داخل لوحاتي، وأعتبر ذلك من أساليب الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، فمثلما تسوق اللوحات التي تملأ الشوارع منتجات معينة وترسخ ثقافة ما، اخترت أن يكون متأمل اللوحة التي أعدها أمام سلعة تقربه من الله ومن الأخلاق الفاضلة وهو يتمتع بجمال الفن\".

 

وتردف آمنة:\"رب كلمة بسيطة رسمت مسار شخص نحو الخير أو الشر. وأنا كلما كتبت عبارة تذكر بالله في لوحاتي سألت الله أن لا أحرم أجر من ذكره.\"

 

ومن جهة أخرى تؤكد آمنة أن المرأة يمكن أن تقدم الكثير لخدمة دينها وأمتها من قلب بيتها بواسطة هذا الفن أو غيره، وأحيي النساء اللواتي يخترن لوحاتي لهذا الهدف، بل منهن من شجعنني للمضي في هذا المسار وإخراجه للعموم بعدما كنت أقتصر على الرسم لبيتي وداخل بيتي\".

 

 فلسطين السليبة:

حاولنا نبش ذاكرة آمنة في مسارها الفني ومحاولة معرفة ما إذا حدث لها مع فن الصباغة على الزجاج حدث مؤثر فقالت:\"لا أكاد أنسى حين عرضت بعض لوحاتي التي أعتبرها جد عادية وأعددتها بعفوية في مهرجان نظمته إحدى الجمعيات بالرباط لأجد من يأخذ ثلاث لوحات مقابل ثمانية آلاف درهم والتي جعلتها بدوري مساهمة في عمل خيري لصالح فلسطين المحتلة، وهذه بصمة يحق لي الشرف بجعلها ضمن أعز ذكرياتي\".

 

 آخر لوحة:

كم كانت فرحة آمنة عارمة وبادية من إشراقة عينيها وهي تجيبنا عن موضوع آخر لوحة أعدتها، لقد كانت اللوحة هدية منها لزوج بنتها. وأوضحت مضمونها بقولها:\"إنها عبارة عن ورود بلون داكن بقوة الحب الذي يربطني ببنتي وزوجها وهذه اللوحة اخترت لها دعاء:\"بارك الله لكما وجمع بينكما في خير\". وقد قوبلت بنفس القوة التي رسمت بها وبدفء الصلة التي أسأل الله أن يديمها بيننا\".

 

واستطاعت آمنة من خلال هذه اللوحة أن ترسم الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الأصهار، وليس الشكل الذي نجد فيه أم العروس في أغلب الأحيان تتصيد الفرص لتؤجج الصراع بين بنتها وزوجها لأسباب واهية.

 

 لوحة المحرومين!

لم يقتصر اهتمام آمنة على أسرتها الصغيرة أو على زبنائها الذين يعيشون دفء الأسرة الملتئمة، بل إن زياراتها المتكررة لمركز\"للا مريم\"لحماية الطفولة بالرباط، جعلها تبوح لنا بمشروع لم تكن ترغب أن تعلن عنه إلى حينه، فهي تفكر في تقديم لوحة خاصة بالأطفال المحرومين الموجودين بهذا المركز، كما أنها بصدد دراسة كيفية رسم لوحة جماعية رفقة هؤلاء الأطفال وتسأل الله التوفيق.

 

وتعلن آمنة عن استعدادها لخدمة هذه الفئة بقولها:\"أنا رهن الإشارة لمن يرغب في خدمة المحرومين والمنكوبين بهذا الفن، فلم لا ننظم أياما خاصة بالأطفال المرضى في المستشفيات يتعلمون الرسم على الزجاج وتبقى لوحات من إنتاجاهم في غرفهم ينسون بها هموم ما يكابدونه من المرضº خصوصا منهم ذوي الأمراض التي يتطلب الاستشفاء منها المكوث في المستشفى لمدة طويلة\".

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply