بسم الله الرحمن الرحيم
ليس يخفى على أحد أن الصحوة تعاني خللا في الكثير من جوانب مسيرتها، وليس ثمة من شك أن الإنسان مهما بلغت رتبته في العلم عرضة للخطأ والزلل، والسعيد من اعتبر بخطأ غيره، وانتصح بنصيحة سواه.
والنصيحة التي نطمع أن تكون سمة ظاهرة في الصحوة هي النصيحة المتكاملة التي تبطن الإخلاص وحسن القصد، وسلامة النية وطهارة الطوية، كما يجب أن تظهر بمظهر الشفقة والحرص على الإصلاح، ولذلك أحب دائما أن أسمي الناصح الشفيق بأن له حسا إصلاحيا، والناصح الصفيق بأنه ليس لديه حس إصلاحي.
قد يدلي الناصح الصفيق بكثير من الحق من فمه، ولكن كلماته تخرج محتوية الاتهامات واللمز والهمز والنبز بالألقاب لعلماء الأمة وقادتها (وأعني هنا دعاتها وقادة الصحوة الذين هم عندي أهل الحل والعقد على التحقيق).
مثل هذا النصح يولد ميتا، ولا ينتفع به لا الناصح ولا المنصوح، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، كيف كان يتلطف مع المنصوح لدرجة أنه أنكر على الصحابة عندما نالوا من الأعرابي الذي بال في المسجد وقال: لا تزرموه، أي لا تعكروه عليه بوله، وكل ذلك من كمال عقله - صلى الله عليه وسلم -.
يحكي أحد الدعاة أنه صادق أخا ملتزما، وزاره في بيته، فوجد أخا له أصغر منه لكنه غير ملتزم، فتوثق في المجلس بين الداعية وبين ذلك الأخ الأصغر نوع صداقة، فسأل الداعية الشاب الصغير: لماذا لا تلتحي فإن اللحية سنة، فسكت الشاب، ولما خرج الداعية خرج معه الشاب ليودعه، وأثناء سيره معه منفردين قال الشاب للداعية إنني فكرت مرارا أن ألتزم بدين الله وعزمت على ذلك، ولكن كان أخي الأكبر كلما رآني قال لي شكلك بدون لحية مثل القرد المسلوخ، فعنادا معه أغير رأيي وأصرف نظري عن موضوع الالتزام.
وهذا في حق فرد صغير في المجتمع، فكيف بمجتمع الصحوة كله لو جابهناه بالقبيح من الكلام والصفيق من النصح الثقيل.
كما أنه يجب أن يستقر في أذهان شباب الصحوة إن كل طرق الإصلاح مؤصدة بدون علم وعلماء، فقد قضى الله - تعالى -أن العلماء هم المفزوع إليهم عند الملمات، ونحن بدونهم ليست لنا شرعية، وشرعية كل جماعة تعمل لدين الله بوجود علماء بينهم يعملون على تصحيح مسيرتها، وتقويم اعوجاجها.
ومسيرة صحوتنا المباركة أيها الأخوة لا بد أن تنبع من هذه القناعة، وإلا فإنني أتصور هذه الصحوة بشباب يحتقرون علماءهم، ويظنون ظن السوء بقادتهم (دعاة الصحوة وقادتها أعني) أتصورها صحوة بدون مستقبل، تكتنفها المخاطر من كل حدب وصوب، والعامة تقول: الذي ليس له كبير ليبحث له عن كبير، وأنا أسائل كل الأخوة الذين تعرضوا لعلمائنا وأئمتنا: ماذا تكون الصحوة لو أخليناها من الألباني وابن باز وسلمان العودة وربيع المدخلي وسفر الحوالي وبكر أبو زيد ومحمد إسماعيل ومحمد حسين يعقوب وأبي إسحاق الحويني وغيرهم من أئمة الدين، هل سيكون قادتها مثل المقدسي وأضرابه، وأنا ليس بيني وبين المقدسي وأضرابه أي مشكل، وأنا أعتز أن يكون هو أو غيره ذخيرة لهذا الدين وحصنا لهذه الصحوة ضد مكائد أعدائها، لكن أن يكون هو وأضرابه الوقود الذي تحرق به الصحوة نفسها بنفسها، وتنحل بكيمياء أفكاره رموزها وعلاماتها المضيئة فهذا الذي لا يمكن أن يرضاه ويقبله أي شفيق وحريص على استمرار هذه الصحوة.
الصحوة الإسلامية أيها الأخوة قدر مقدور، وقد كانت الأمة على موعد مع هذه الصحوة في هذا الوقت من الزمان، أطلت الصحوة برأسها على حين غفلة من مكائد الأعداء، وبدون إنذار ولا إرهاص فرضت نفسها، وأجبرت الدنيا أن تستكين لواقع وجودها، فما من قوة الآن تملك أن تمحوها، بل يجب على العالم إما أن يرضى بقيادتنا له وإمساكنا بزمام مسيرة البشرية، وإما أن يحاول أن يكيف وضعه معنا بالحال التي لا تتعارض مع ثوابتنا وأصولنا، وإلا فإن المواجهة هي القدر المحتوم الذي تواثقنا عليه وتعاهدنا على المضي فيه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فليعلم الناس أجمعون أن دين الله - تعالى -لم يبل، بل هو باق خالد، وبقائه وخلوده ببقاء علمائه وحملته، من أئمة الدين ودعاته وقادته، ومجموع هؤلاء يعرف أن الحق معهم بتواطؤ مقاصدهم، وتطابق أهدافهم، وإن اختلفت تفاصيل المناهج، أو تباينت فروع التكاليف الحركية، لكن الهدف الأسمى لهؤلاء جميعا هو إعزاز الدين وجمع كلمة المسلمين، فمن دخل بينهم بفتنة ليزيد من الصدع بدلا من أن يرأبه، ويوسع الشقاق بدلا من أن يمنعه فإنه داعي فتنة يجب أن يحارب ويقاوم، وبمثل هؤلاء تتباطأ مسيرة الصحوة، فنسأل الله - تعالى -أن يقلل عددهم في أمتنا وأن يؤمننا شرهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد