بسم الله الرحمن الرحيم
تسعد المسلمة الداعية إلى الله - عز وجل - بتلك اللحظة التي تأتي فيها إليها إحدى الأخوات لتقول لها : لقد تبت إلى الله وأقلعت عن المعاصي، أو تقول لها لقد هداني الله - عز وجل - وتحجبت، أو تقول لقد أقتنعت بكلامك وبدأت أصلي، وغير ذلك من الأفعال التي تفرح قلب الداعية وتعطيها مزيداً من الحوافز على مباشرة الدعوة من جديد.
إلا أن التجربة التي مررت بها تركت فيّ أثراً كبيراً وعلمتني أن على الداعية أن تعمل على أن لا تجعل لحظوظ النفس دوراً في حياتها الدعوية، وأن تحارب وساوس النفس الأمارة بالسوء التي تدعو إلى العجب والفخر والإحساس بالعظمة وغير ذلك من الوساوس التي قد تفسد أي عمل دعوي وتبطله.
لذا على الداعية ألا تثق بنفسها تلك الثقة العمياء التي تجعلها تغتر بنفسها وتعتقد أنها مكتفية بذاتها، تستطيع دوماً أن تقنع وتؤثر بالآخرين دون حاجة لأي استعانة بأية وسيلة أخرى، بل عليها ان تعلم بأن الناس أنواع فما يؤثر بشخص قد لا يؤثر الآخر، لذا عليها ان تستخدم كل الوسائل المتاحة عندها من أجل نجاح دعوتها، حتى ولو كانت هذه الوسائل ليس من انتاجها بل من انتاج عالم أو كاتب أو داعية آخر، لأن الأصل في العمل الدعوي هو النتيجة وليس الوسائل، والنتيجة هي بيد الله - سبحانه وتعالى - الذي قد يبارك وينفع بأي عمل مهما كان صغيراً.
هذا الدرس الحياتي تعلمته منذ سنتين عندما كنت أشارك في سلسلة محاضرات أقيمت في إحدى البلدات، فقد طلبت مني إحدى الحاضرات بعد الانتهاء من القاء المحاضرة أن يكون موضع المحاضرة التالية عن الحجاب، إلا أن هذا الأمر لم يكن ممكناً لوجود عدة محاضرات أخرى سبق التحضير لها، إلا أني وعدتها أن أحضر لها في الأسبوع القادم نسخة عن محاضرة كنت قد كتبتها عن الحجاب وأهميته.
عندما جئت في الأسبوع التالي أحضرت معي تلك المحاضرة وأحضرت معها أيضاً كتيباً صغيراً يتناول موضوع الحجاب، عندما انتهت زميلتي من القاء محاضرتها بحثت بين الحضور عن المرأة التي سألتني عن موضوع الحجاب فلم أجدها، لذا أعطيت المحاضرة والكتيب للأخت المسؤولة عن تنظيم المحاضرات، والتي نشأت بيني وبينها مودة وصداقة حميمة، على أن تعطيهما لتلك المرأة فيما بعد.
ومرت الأيام، وجاء موسم الحج وعلمت أن الأخت الفاضلة ذهبت لقضاء فربضة الحج، فأحببت ان أتصل بأهلها لأطمئن عليها إثر الأحداث الأليمة التي ألمت بالحجاج في تلك السنة، وعندما اتصلت بهم ردّت عليّ ابنتها ذات السابعة عشر ربيعاً التي أخبرتني أن أمها بخير وأنها ستأتي قريباً، ولكنها فاجأتني بخبر آخر، قالت لي : لم تباركي لي، فلقد تحجبت؟ فرحت كثيراً بالخبر وهنأتها عليه وقلت لها: مبارك كيف حصل هذا، فأجابت : لقد قرأت موضوع الحجاب الذي أعطيته لأمي، قلت لها : أي موضوع، تقصدين المحاضرة؟ قالت : لا، ولكنه ذلك الكتيب الصغير الذي أرفقتيه بالمحاضرة؟ آه لو تعلمين كم ترك في نفسي من أثر.
في تلك اللحظة شعرت بمشاعر متضاربة، بين إحساس بالحسد من هذا الكاتب الذي نجح فيما لم أنجح به، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : \"لاحسد إلا في اثنين رجل اتاه الله علماً...\"، وبين إحساس بالتعجب من قدرة الله - سبحانه - الذي تتعدد وسائل هدايته، فهذا كتاب صغير لكاتب لا أعلم إلى أي بلد ينتمي، والذي لم يكن يحتل في مكتبتي سوى ركناً صغيراً كان سبباً في هداية إنسان وتغيير حياته، فكم من كتب تملأ رفوف المكتبات إلا أنها لا تستخدم إلا من أجل الزينة، ثم كم لكاتب هذا الكتيب الصغير من أجر يوم القيامة، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : \" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، علم نافع أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له \".فليبارك الله - عز وجل - لهذا الكاتب عمله وللفتاة هدايتها وعسى أن يجعل الله لي أجر الدلالة على الخير، فإن الدال على الخير كفاعله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد