بسم الله الرحمن الرحيم
ابدأ وعينك على النهاية.. واجعل الإخلاص ملاذك
كن فطناً وإياك والابتعاد عن أهداف المقالة.. فما أتتك الحروف متجاذبة متتابعة إلا وترجو أن تكون كالبدر بين السائرين، رقماً لا يستهان به، رجل قمة في مجالك، قائداً في هذه الحياة:
قد رشحوك لأمر لو فطنت له **** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وإياك والرضى بالدون فمن كمال العقل علو الهمة:
ولم أر في عيوب الناس عيباً **** كنقص القادرين على التمام
فإلى مسارب الريادة وخطوات القيادة:
الخطوة الأولى: تصفية العمل:
هي كما يطلق عليها \"الراشد\" النية الحرة، وكأنها حرة مما يقيد غيرها من الأهواء والأطماع والمصالح، لم يستعبدها درهم ولا دينار ولا جمال فاتنة بغنجها ودلالها، ولم تكن رقيقاً لمنصب أو لشهوة.
فينبغي على الداعي إلى الله - سبحانه - أن يستحضر النية في كل سكنة وخطوة يخطوها نية صالحة يتطلع فيها إلى الأجر العظيم والثواب الجزيل. قال – تعالى -: { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين * قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } [ النحل ].
ولعل من أبرز مفاتيح نجاح عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - في كونه أحد مجددي أمر دين هذه الأمة، ما ذكره عنه ابن عمه الخليفة هشام بن عبد الملك عندما قال: \" ما أحسب عمر خطا خطوة إلا وله فيها نية \".
والنية الخالصة تطلق اللسان بفصيح العبارة ودرر الحكمة، فما خرج من القلب وصل إلى القلب. قال مكحول: \" ما أخلص عبد قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه \". فبصفاء النية يحرك الخطباء والمحاضرون الجماهير الهادرة نحو شرع الله، وتحقق الدعوات التغيير والتمكين والريادة وقيادة المجتمعات، عندما يتعاهد الرجال على إفراد الحق سبحانه بالقصد.
هذه القاعدة العظيمة {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } [ البينة 5 ] تنطلق من التعبد لله في جميع الأحوال بإخلاص خالص لرب العزة والجلال، يتعاهدها المربون فيمن وقع عليهم الانتقاء لقيادة هذه الحياة، فتكون مشكاة الإخلاص حارسة حافظة دافعة، تحرس الدعاة من الذوبان والانزلاق في عالم الشهوات والإغراقات التي تقدم لهم عند الظهور والبروز، ويبقى في قمة الاستعلاء والتميز باقتدائه بالمصطفى - صلى الله عليه و سلم - والعزة بهذا الدين، ويطهر من التشبه، ويستصغر حياة التهافت على هذه العجوز الشمطاء، وتحفظ الصف من فتن التمزيق والتناحر والتباغض والتحريش وسوء الظن وهوى النفس الذي يقدم الذات على الحق.
قال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء.
كما أن هذه القاعدة العظيمة تدفع الرجال نحو المعالي بغية الأجر والثواب من الله، وتجويد التربية، وإجادة فن القيادة للعودة بالأمة إلى إسلامها، فما أجمل أن يتحرك الداعي مع الله، لا يطلب على عمله شاهداً غير الله.
مع الله في سبحات الفكر **** مع الله في لمحات البصر
مع الله حال احتدام الخطر **** مع الله في الرهط والمؤتمر
مع الله في حب أهل التقى **** مع الله في كره من قد فجر
فالإخلاص لله وحده هو ملاذ المؤمن وزاده في حال الفتن، إخلاص يدفعه إلى البعد عنها، وكذا التجرد والصبر في المحن.
الخطوة الثانية: همة المبادأة وعزيمة المبادرة:
إنها الشكوى المريرة التي بثها أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، يقلب عينيه بحثاً عن الرجال وأي رجال! أصحاب الهمم والعزمات، ثم ينفث زفرة المتأمل \"أشكو جلد الفاجر وعجز الثقة\". فكثير من أصحاب المهارات والإمكانات من الثقات º لكنهم أخلدوا إلى الأرض وركنوا إلى الدنيا، وما صدهم عن العمل لهذا الدين إلا الخوف أو الغفلة أو الشهوات أو الشبهات..في الوقت الذي ترى فيه أرباب الباطل في كل موقع يصبر بعضهم بعضاً، ويسيرون في غيهم، ومكرهم بجلد {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد } [ سورة ص ].
تبلد في الناس حب الكفاح **** ومالوا لكسب وعيش رتيب
يكاد يزعزع من همتي **** سدور الأمين وعزم المريب
هُم القوم:
يأبى الداعي إلى الله إلا أن يحلق في عالم الحرية، بعدما رأى الجموع من حوله تتلذذ بقيود الرق، تدفعه همته وعزيمته إلى أن يكون من أصحاب الدار التي تمنى لها الفاروق - رضي الله عنه - أن تمتلئ برجال كأبي عبيدة بن الجراج - رضي الله عنه -.. يرفع يديه إلى السماء يسأل الله خالقه أن يكون من تلك الطائفة التي بشر بها المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )، فتبرق عينه نحوهم، ويلوذ بالبقية الباقية من أهل الإيمان العاملين لهذا الدين ورثة الأنبياء والمرسلين، فيشحذ من عزمهم، ويسارع في الخيرات معهم { ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين } [ آل عمران ].
يقول الإمام القرطبي - رحمه الله -: يسارعون في الخيرات التي يعملونها غير متثاقلين.
وقد تربى أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - على المنافسة في الخيرات. كيف لا والله - سبحانه - يقول: { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } [ المطففين ].
يقول عمر بن الخطاب في أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -: \"والله ما سابقته إلى خير إلا سبقني إليه\".
هي الحياة ولذة العيش في التسابق والتنافس، والمبادرة نحو إثراء حياتك في جميع الجوانب، وبما يجب أن تزيد به حصيلة تجاربك، فتعلنها مدوية أنك هاهنا صانع لهذه الحياة، وتملك زمام المبادرة، وتتوثب لمقارعة الباطل.
فليعلم الفجار أني هاهنا **** لن أنحني لن أتثني لن أركنا
لذة الفوز:
بالدم القاني كان الدرس، وبإزهاق الروح طلباً للشهادة كانت الموعظة، وما هي إلا لحظات تنفذ الحرية إلى سويداء القلب، فتهتكه وتتفجر الدماء وتتألق كلمات الفرح بالشهادة على لسان ذلك الصحابي الجليل - رضي الله عنه -: \" فزت ورب الكعبة \"، ويا للعجب! لم يسر تأثيرها على الصاحب والتابع فحسب، وإنما نور الإخلاص أضاء الكلمات فأسرت القاتل وأثّرت في قلبه فأسلم.
لا تقنع بما دون النجوم:
هكذا عزمات أهل الصلاح تنطلق من عالم الإيمان والتربية الروحية نحو مدارج التقى والنقاء، فيكون الزاد الإيماني الذي يدفع صاحبه نحو التحليق في عالم السمو. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: \" لا بد للعبد من أوقات ينفرد فيها بنفسه في دعائه وذكره، وصلاته وتفكره، ومحاسبته نفسه، وإصلاح قلبه \"، ومن هنا بداية الطريق، والانطلاقة الأولى لاستئناف الحياة الإسلامية، فانهض للمعالي، وارسم خطى العزم نحو المجد.. اجتهد.. اصنع الفرص وكن رجل قمة في ميدان من ميادين هذه الحياة، وبادر نحو مواقع التأثير والاستقطاب، ودق على صدرك بكل ثقة، وقل للملأ: هاأنذا، وأبعد عنك همس المثبطين، وإن كانوا في صفوف الدعوة، ومداخل الشياطين من احتقار للنفس، وتواضع زائف وتهمة رياء وتكبر، ولا تلتفت إلى همسات متهمي النيات، واحذر التردد والانزواء طلباً للسلامة، فمن أراد العلو في الجنة فلا بد من أن يطلب العلو في الدنيا.
إذا كانت النفوس كباراً **** تعبت في مرادها الأجسام
هناك طاقات، وهناك تخصصات، وهذا يقتضي توجيه الطاقات نحو تخصصات مدروسة لتحقيق الاحتياجات، لابد أن تصبح الدعوة برجالاتها شمساً مشرقة ينعم بسلاسل ضيائها كل حقل وميدان.
وما نيل المطالب بالتمني **** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال **** إذا الإقدام كان لهم ركابا
الخطوة الثالثة: معايشة الأهداف:
على المستوى الفردي والجماعي ترسم الأهداف بجميع أنواعها، ولن يرضى صاحب الهدف بأن يعيش سبهللاً في هذه الحياة.
اسأل نفسك: ماذا تريد أن تحقق؟ ماذا تريد أن تكون؟ ضع تصوراتك في هذه الحياة، ويجب أن يسهم كل يوم في حياتك بقدر ملموس في التصور الذي وضعته لحياتك، وهذا يقتضي أن تبدأ ولديك فهم واضح، وإدراك جيد لما أنت ماضٍ, إليه، وتتأكد من أن خطواتك تسير في الطريق الصحيح.
تحديد الأهداف والزمن المطلوب لتحقيقها يجعلك أكثر دقة في تحديد النجاح، الطرق كثيرة متشعبة، ولا يكتفي الإنسان بتحديد الطريق الموصل لأهدافه بل لابد من البحث عن الطريق الأقصر والأيسر.. واحذر كل ما يلهيك عن الوصول لأهدافك.
لا تجعل من أهدافك أحلاماً.. واجعل من أحلامك أهدافاً.
فكر في أوقات حياتك، واجعلها زادك في السعي لأهدافك.
رجل الأهداف:
قبل الانتقال إلى الخطوة الرابعة تأكد مما يلي:
1- حدد أهدافك ولتكن واضحة مثل الشمس المشرقة.
2- اجعلها نصب عينيك، أو كما يقول: ستيفتر كفى \" ابدأ وعينك على النهاية \" لا تجعلها تفارق ذهنك.
3- ابحث.. نقب عن أسهل وأسرع السبل وعند الظفر بها انطلق.
4- التوقعات في رسم الأهداف من مؤشرات التخطيط الناجح.
5- أهم شيء في الحياة أن تجعل أهم شيء عندك أهم شيء فعلاً.
6- حدد الأولويات ونظم أمورك، وإجراءاتك بناءً عليها.
7- طور من قدراتك الذاتية.
8- الحياة لحظة.. الحياة تمضي سريعاً فلا تتوقف كي تتلفت حولك لئلا يضيع وقتك.
الخطوة الرابعة: الحياة تخطيط:
إن هيمنة الدعوة على الحياة حياة للحياة، وحياة الدعوة ونجاتها من الضمور في قيادة الحياة، ومثل ذلك لا يمكن أن يتحقق من خلال أحلام اليقظة، والعفوية، بل لابد من التخطيط الهادف المنظم لتحقيق النجاح، وعدم التخطيط أو الفشل في التخطيط يعني في الغالب التخطيط للفشل، والتخطيط الخيالي الحالم هو قفزات سريعة نحو السبات العميق. وعدم وضوح الرؤية والارتكاز على التلقائية والعموميات هو إزهاق للأوقات، وسير بالجموع نحو تحقيق الهدف ولا هدف! ثم ماذا بعد ذلك ؟ الاختلاف والتمزق والتفرق والضمور والتلاشي.
على الدعوة أن تدرك أنها ليست الوحيدة التي تسير في الساحة، وإنما هي في خضم أمواج متلاطمة، تتقاذفها من كل جانب، وعيون راصدة تتربص بها من الداخل والخارج، ثم إن هناك صعاباً وأوضاعاً لا تستطيع الخروج منها ولا السير بدونها، ربما تمر لحظات الزمن على سفينة الدعوة فتبدو كأنها خارج نطاق التحكم، ومن خلال هذا وذاك قد تدبّ الفوضى، وتلوح الفرص، ولا يملك القوة في صنع الخيارات، أو الوصول إلى الحكيم منها، وانتهاز الفرص بل واقتناصها، وقيادة الحياة بكل صعابها، إلا من يملك وضوح الرؤية، ومن ثم رسم الخطط الاستراتيجية والعمل الدائب نحو تحقيق الأهداف المرسومة.
لولا المشقة ساد الناس كلهم **** الجود يفقر والإقدام قتال
فالتخطيط وفق خطوات ذكية يعد إحدى الخطوات الأساسية لقادة الحياة في إدارة الصراع مع التحديات، والمنافسة باقتدار، بحيث لا يشغل عن السعي الحثيث نحو أهداف الدعوة.
لقد أدرك كثير من دعاة اليوم من خلال التأمل في تيار الصحوة الهادر أن كل حركة ليست فاعلة وإن كانت دائبة، وأن كل خطو لا يعني التقدم، ومن هنا تبرز وقفات التأمل والمراجعة لخطط الدعوة: أين نقف وإلى أين المسير؟! ليتهيأ بعد ذلك الانطلاق نحو الآفاق الرحبة، والشمولية المتكاملة في جوانب الحياة المتنوعة والمختلفة، فيصبح للدعوة في كل وتر رمية، ثم بعد ذلك تهيمن على جميع سهام الكنانة، وتحرك السواعد بسهامها نحو الأهداف المنشودة، والنجاح يكمن في الاستفادة من كل تحرك إسلامي في خدمة أهداف واستراتيجيات الدعوة، والقيادة الذكية الفاعلة هي التي تحرك جميع العناصر نحو تحقيق الأهداف:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم **** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها **** وتصغر في عين العظيم العظائم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد