موقف أعداء الدعوة إلى الله من الدعاة والمصلحين ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الملأ

 منهم الملأ، ولماذا الحديث عنهم، وما سبب عداوتهم للدعوة، وما موقفهم، وكيف كانت نهايتهم ؟

 

أولاً : قال المفسرون الملأ : هم أشراف القوم وقادتهم ورؤساؤهم وساداتهم . فهم أصحاب النفوذ ، وقد يكونون هم القادة والحكام في مثل حال قريش ، أو هم السلطان وبطانته كما في قصة فرعون مع موسى ـ عليه السلام ـ قال تعالى : \" ثُمَّ بَعَثنَا مِن بَعدِهِم مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرعَونَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفسِدِينَ \" .

 

ثانياً : لماذا الحديث عن الملأ وقد انقرضوا وذهبوا ؟

فكان الجواب أن أساليب الملأ في محاربة الدعوة إلى الله - جل وعلا- متكررة في كل زمان ومكان ، فهم يقفون في وجه كل دعوة إلى الله

 

ثالثاً : أما أسباب معاداتهم للدعوة فهي كثيرة نذكر بعضها :

الكبر : وهو بين واضح في فرعون قال تعالى في وصفه : \" وَإِنَّ فِرعَونَ لَعَالٍ, فِي الأَرضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ المُسرِفِينَ \" وقال تعالى على لسان فرعون : \" وَقَالَ فِرعَونُ يَا أَيٌّهَا المَلأُ مَا عَلِمتُ لَكُم مِن إِلَهٍ, غَيرِي \" بل نجد أن فرعون يعلم كل العلم أن موسى ـ عليه السلام ـ على الحق المبين وأنه ضال غاو ولكنه الكبر قال تعالى :\" وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم ظُلمًا وَعُلُوًّا \" ، وكانت قريش تعلم صدق محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكنه الكبر والعجب بالنفس .

 

حب الرياسة : فهم يحبون الجاه والملك والتسلط على رقاب العباد ولذلك فهم يعرضون عن كل دعوة تسلبهم مكانتهم بين الناس وتجعلهم تابعين كبقية الناس ، وهم يتصورون أن قبولهم للدعوة يسلبهم الجاه والسلطان قال تعالى : \"فَقَالَ المَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَومِهِ مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثلُكُم يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيكُم \" أي يكون له الشرف عليكم ، وقال تعالى : \" قَالُوا أَجِئتَنَا لِتَلفِتَنَا عَمَّا وَجَدنَا عَلَيهِ ءَابَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الكِبرِيَاءُ فِي الأَرضِ وَمَا نَحنُ لَكُمَا بِمُؤمِنِينَ \" والكبرياء هنا بمعنى الملك ، كما حدث هذا مع نوح وموسى ـ عليهما السلام ـ حدث مع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال تعالى على لسان قريش : \"وَانطَلَقَ المَلأُ مِنهُم أَنِ امشُوا وَاصبِرُوا عَلَى ءَالِهَتِكُم إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ يُرَادُ \" قال القرطبي ـ رحمه الله ـ : ( \" إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ يُرَادُ \" كلمة تحذير أي إنما يريد محمد بما يقول الانقياد له ليعلو علينا ، ونكون له أتباعا فيتحكم فينا بما يريد ، فاحذروا أن تطيعوه .) وقال ابن جرير ـ رحمه الله ـ : ( إن هذا الذي يدعونا إليه محمد - صلى الله عليه وسلم- من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء وأن يكون له منكم أتباع ولسنا نجيبه إليه ) وما زال الملأ يظنون ويوسوس بعضهم لبعض أن الدعاة إلى الله يريدون الحكم والملك ـ والعياذ بالله ـ ومن هذا فقد ذكر بعضهم للحاكم في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يريد الملك بتدريسه الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !! فجاء الملك بشيخ الإسلام وسأله وقد أعد له السجن والعذاب فقال له الشيخ ـ رحمه الله ـ ( والله ما ملكك وملك أبيك يساوي عندي درهم ) فعلم السلطان صدقه فتركه .

 

رابعاً : تنوعت أساليب الملأ في حرب الدعوة ونذكر هنا بعضها :

1- الاستهزاء والسخرية : قال تعالى : \" وَلَقَدِ استُهزِئَ بِرُسُلٍ, مِن قَبلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنهُم مَا كَانُوا بِهِ يَستَهزِئُونَ \" وقال تعالى على لسان فرعون : \" أَم أَنَا خَيرٌ مِن هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ \" قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : (يعني فرعون ـ لعنه الله ـ بذلك أنه خير من موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقد كذب في قوله هذا كذبا بينا واضحا ـ فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ـ ويعني بقوله مهين أي : حقير ..\" وَلا يَكَادُ يُبِينُ \" يعني لا يكاد يفصح عن كلامه ، وقال سفيان : يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغير وهذا قاله فرعون ـ لعنه الله ـ كذب واختلاق وإنما حمله على هذا الكفر والعناد ، وهو ينظر إلى موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعينٍ, كافرة شقية ، وقد كان موسى ـ عليه السلام ـ من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب وقوله \"مهين\" كذب ، بل هو المهين الحقير خلقة وخلقا ودينا وموسى ـ عليه السلام ـ هو الشريف الرئيس الصادق البار الراشد ، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهـو يدري هذا وإنما أراد الترويج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء .) وقد سخر كفار قريش بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخرج أحمد بسنده عن عُروَةَ عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ قَالَ قُلتُ لَهُ ( مَا أَكثَرَ مَا رَأَيتَ قُرَيشًا أَصَابَت مِن رَسُولِ اللَّهِ فِيمَا كَانَت تُظهِرُ مِن عَدَاوَتِهِ قَالَ حَضَرتُهُم وَقَد اجتَمَعَ أَشرَافُهُم يَومًا فِي الحِجرِ فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا مَا رَأَينَا مِثلَ مَا صَبَرنَا عَلَيهِ مِن هَذَا الرَّجُلِ قَطٌّ سَفَّهَ أَحلامَنَا وَشَتَمَ آبَاءَنَا وَعَابَ دِينَنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا لَقَد صَبَرنَا مِنهُ عَلَى أَمرٍ, عَظِيمٍ, أَو كَمَا قَالُوا قَالَ فَبَينَمَا هُم كَذَلِكَ إِذ طَلَعَ عَلَيهِم رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَأَقبَلَ يَمشِي حَتَّى استَلَمَ الرٌّكنَ ثُمَّ مَرَّ بِهِم طَائِفًا بِالبَيتِ فَلَمَّا أَن مَرَّ بِهِم غَمَزُوهُ بِبَعضِ مَا يَقُولُ قَالَ فَعَرَفتُ ذَلِكَ فِي وَجهِهِ ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا مَرَّ بِهِم الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثلِهَا فَعَرَفتُ ذَلِكَ فِي وَجهِهِ ثُمَّ مَضَى ثُمَّ مَرَّ بِهِم الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثلِهَا .. الحديث ) وما زال الملأ يمارسون الاستهزاء والسخرية عبر وسائل الإعلام فهم يصفون الصالحين بأنهم أصحاب لحى كأنها كذا وكذا ، وثيابهم كأنها كذا وكذا ، بل يصفون الدعاة أن لا هم لهم سوى الأكل والنساء ، بل إن الملأ أخرجوا أفلاما تسخر بالصالحين فأحدهم ممن يدعي الإسلام يمثل فلماً يسخر فيه بكل مؤمن موحد ويثني على الفاجر الكفار مثل عدو الله والمؤمنين عادل إمام في فلمة الإرهاب والذي وصف النصارى بأنهم طيبين القلب والمؤمنين بأنهم فجرة كذبة ، وتصف بعض الصحف الدعاة بأنهم متطرفون ، رجعيون ، متخلفون .

 

2- التكذيب : قال تعالى : \" فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَد كُذِّبَ رُسُلٌ مِن قَبلِكَ جَاءُوا بِالبَيِّنَاتِ وَالزٌّبُرِ وَالكِتَابِ المُنِيرِ \" قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ( أي لا يوهنك تكذيب هؤلاء لك فلك أسوة بمن قبلك من الرسل الذين كذبوا مع ما جاءوا به من البينات وهي الحجج والبراهين القاطعة ) ، وقال تعالى : \" فَقَد كَذَّبُوا بِالحَقِّ لَمَّا جَاءَهُم فَسَوفَ يَأتِيهِم أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَستَهزِئُونَ \" فكان التكذيب لدعاة الحق عادة وطبيعة .

 

3- الشتم والسباب : وما أكثر ما شُتم وسُبَّ الدعاة إلى الله جل وعلا فيوصف المصلحون بأبشع الصفات وأخسها قال تعالى: \" كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبلِهِم مِن رَسُولٍ, إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَو مَجنُونٌ \" فجعلوا النبي ساحراً بل وصفوه بالجنون ، فإن لم يكن ساحر أو مجنون فهو شاعر قد جنّ قال تعالى : \" وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا ءالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ, مَجنُونٍ, \" أو كاهن قد غلبه الجنون كذلك قال تعالى : \" فَذَكِّر فَمَا أَنتَ بِنِعمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ, وَلا مَجنُونٍ, \"

 

ولا يكتفي الملأ بهذه الأوصاف بل يدعون أن الدعاة هم المفسدون في الأرض قال تعالى : \" وَقَالَ فِرعَونُ ذَرُونِي أَقتُل مُوسَى وَليَدعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُم أَو أَن يُظهِرَ فِي الأَرضِ الفَسَادَ \" قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ : ( هل هناك أطرف من أن يقول الضال الوثني عن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ \" إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُم أَو أَن يُظهِرَ فِي الأَرضِ الفَسَادَ \" !؟! أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح ؟ أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل ؟ أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادئ ؟ إنه منطق واحد يتكرر كلما التقى الحق والباطل ، والإيمان والكفر ، والصلاح والطغيان ، على توالى الزمان واختلاف المكان ، والقصة قديمة يعرضها الملأ بين الحين والحين ) .

 

قال تعالى : \" وَقَالَ المَلأُ مِن قَومِ فِرعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَومَهُ لِيُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَيَذَرَكَ وءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبنَاءَهُم وَنَستَحيِي نِسَاءَهُم وَإِنَّا فَوقَهُم قَاهِرُونَ \"

 

قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ( يخبر تعالي عما تمالأ عليه فرعون وملأه وما أضمروه لموسى ـ عليه السلام ـ وقومه من الأذى والبغضة \"وقال الملأ من قوم فرعون\" أي لفرعون \"أتذر موسى وقومه\" أي أتدعهم ليفسدوا في الأرض أي يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك. يا لله العجب صار هؤلاء يشفقون من إفساد موسى ـ عليه السلام ـ وقومه!!. ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) .

 

حسّن الملأ لفرعون وزينوا له قتل موسى - عليه السلام- وأكدوا له أن بقائه خطر على فرعون ، وهذا فعل الملأ في كل زمان ومكان يخفّون السلاطين من الدعاة المصلحين وما علموا أنهم رحمة للعباد والبلاد .

 

4. الطرد من البلاد : فهؤلاء هم قوم لوط ـ عليه السلام ـ يطردونه بعدما أمرهم بالطهارة والإيمان قال تعالى : \" وَمَا كَانَ جَوَابَ قَومِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخرِجُوهُم مِن قَريَتِكُم إِنَّهُم أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ \" يخرج الطاهر ويبقي الفاجر !! .

 

وقال تعالى : \" قَالَ المَلأُ الَّذِينَ استَكبَرُوا مِن قَومِهِ لَنُخرِجَنَّكَ يَا شُعَيبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَكَ مِن قَريَتِنَا أَو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا \" ، إنه الخيار الواحد إما ترك الدعوة وإقرار الباطل أو الطرد من البلاد ، وقال تعالى في بيان من الذين يجب معاداتهم : \" إِنَّمَا يَنهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُم فِي الدِّينِ وَأَخرَجُوكُم مِن دِيَارِكُم وَظَاهَرُوا عَلَى إِخرَاجِكُم أَن تَوَلَّوهُم وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ \" ، والإخراج لم يكن فقط نصيب الأنبياء بل كل من اتبعهم ونهج منهجهم ، وكم هم كثر في هذه الأيام والأزمنة وتشهد لندن وأمريكا وكندا على ذلك .

 

وتجد أن الملأ إن كان معهم شيء من الحق طالبوا به وعيروا من أخطأ من أهل الحق بتركه ، وإن كان عليهم سكتوا قال تعالى : \" يَسأَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرَامِ قِتَالٍ, فِيهِ قُل قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدُّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفرٌ بِهِ وَالمَسجِدِ الحَرَامِ وَإِخرَاجُ أَهلِهِ مِنهُ أَكبَرُ عِندَ اللَّهِ \" فهؤلاء عيروا أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنهم قاتلوا في الشهر الحرام فبين تعالى أن إخراج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه أكبر من القتال في الشهر الحرام .

 

وليعلم أولئك النفر الذين أخرجوا بالتضييق عليهم في عبادتهم ودينهم أو طردوا أن أجرهم ثابت عند الله تعالى فقد قال : \"فَاستَجَابَ لَهُم رَبٌّهُم أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ, مِنكُم مِن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى بَعضُكُم مِن بَعضٍ, فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلأُدخِلَنَّهُم جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ ثَوَابًا مِن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسنُ الثَّوَابِ \"

 

5. السجن : فإذا لم ينفع كل ما سبق لم يبقَ سوى السجن والقهر قال تعالى على لسان فرعون :\" قَالَ لَئِنِ اتَّخَذتَ إِلَهًا غَيرِي لأَجعَلَنَّكَ مِنَ المَسجُونِينَ \" وقال تعالى على لسان امرأة العزيز : \" قَالَت فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَد رَاوَدتُهُ عَن نَفسِهِ فَاستَعصَمَ وَلَئِن لَم يَفعَل مَا ءَامُرُهُ لَيُسجَنَنَّ وَلَيَكُونَن مِنَ الصَّاغِرِينَ \" ، قال سيد قطب ـ رحمه الله ، وهو ممن خبر السجن ـ : ( والسجن للبريء المظلوم أقسى ، وإن كان في طمأنينة القلب بالبراءة تعزية وسلوى ، هكذا جو الجاهلية دائما ) .

 

وسجن الدعاة لم ينتهِ عند موسى ويوسف ـ عليهما السلام ـ بل مازال فقد سجن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه في شعب أبي طالب وسجن بعدهم من سجن من أعلام الأمة كأحمد وابن تيمية والعز بن عبدالسلام وما زال الدعاة يسجنون في سجون الطواغيت والظلمة .

 

6. التعذيب : قد يصاحب السجن وقد يكون منفردا عنه فهذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضرب في مكة فقد أخرج البخاري عن عُروَةُ بنُ الزٌّبَيرِ قَالَ قُلتُ لِعَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ أَخبِرنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ المُشرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ بَينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِفِنَاءِ الكَعبَةِ إِذ أَقبَلَ عُقبَةُ بنُ أَبِي مُعَيطٍ, فَأَخَذَ بِمَنكِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَلَوَى ثَوبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنقًا شَدِيدًا فَأَقبَلَ أَبُو بَكرٍ, فَأَخَذَ بِمَنكِبِهِ وَدَفَعَ عَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ \" أَتَقتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَد جَاءَكُم بِالبَيِّنَاتِ مِن رَبِّكُم \" وقد بصق ابن ابي معيط على النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ، وأخرج البخاري وغيره عن خَبَّاب يَقُولُ أَتَيتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُردَةً وَهُوَ فِي ظِلِّ الكَعبَةِ وَقَد لَقِينَا مِن المُشرِكِينَ شِدَّةً فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا تَدعُو اللَّهَ فَقَعَدَ وَهُوَ مُحمَرُّ وَجهُهُ فَقَالَ \" لَقَد كَانَ مَن قَبلَكُم لَيُمشَطُ بِمِشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِن لَحمٍ, أَو عَصَبٍ, مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ وَيُوضَعُ المِنشَارُ عَلَى مَفرِقِ رَأسِهِ فَيُشَقٌّ بِاثنَينِ مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ \" ، وعَن عَبدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : ( أَوَّلُ مَن أَظهَرَ إِسلامَهُ سَبعَةٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-  وَأَبُو بَكرٍ, وَعَمَّارٌ وَأُمٌّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيبٌ وَبِلالٌ وَالمِقدَادُ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ, وَأَمَّا أَبُو بَكرٍ, فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَومِهِ وَأَمَّا سَائِرُهُم فَأَخَذَهُم المُشرِكُونَ فَأَلبَسُوهُم أَدرَاعَ الحَدِيدِ وَصَهَرُوهُم فِي الشَّمسِ فَمَا مِنهُم إِنسَانٌ إِلا وَقَد وَاتَاهُم عَلَى مَا أَرَادُوا إِلا بِلالٌ فَإِنَّهُ هَانَت عَلَيهِ نَفسُهُ فِي اللَّهِ وَهَانَ عَلَى قَومِهِ فَأَعطَوهُ الوِلدَانَ وَأَخَذُوا يَطُوفُونَ بِهِ شِعَابَ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ ) ، وما زال تعذيب الدعاة والصالحين مستمر إلى أن يشاء الله فهذا أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ ومالك ـ رحمه الله ـ وجماعة غير قليلة عذبت في سبيل الله وكثير من المعاصرين من الدعاة عذبوا من أجل دعوتهم .

 

7. القتل : قال تعالى : \" أَفَكُلَّمَا جَاءكُم رَسُولٌ بِمَا لا تَهوَى أَنفُسُكُمُ استَكبَرتُم فَفَرِيقًا كَذَّبتُم وَفَرِيقًا تَقتُلُونَ \"وقال تعالى : \" قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَن ءَالِهَتِي يَا إِبرَاهِيمُ لَئِن لَم تَنتَهِ لأَرجُمَنَّكَ وَاهجُرنِي مَلِيًّا \" وقال تعالى : \" وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثبِتُوكَ أَو يَقتُلُوكَ أَو يُخرِجُوكَ وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ المَاكِرِينَ \" فالقتل هو السلاح الأخير من الدعاة الصادقين

 

وممن قتل في الأزمنة المتأخرة - الإمام العلامة- سليمان بن عبدالله بن عبدالوهاب ـ رحمه الله وغفر له وأسكنه الجنة ـ فقد كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر فلما دخل جيش الترك للدرعية في سنة 1233 هـ .لم يتوقف الشيخ ـ رحمه الله ـ عن الدعوة للتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أرسل إليه إبراهيم باشا وتهدده ، ثم أحضره إلى مجلسه ، أمر بإحضار آلات اللهو والمنكر وضربت بين يدي إبراهيم باشا وبحضور الشيخ إغاظة وإرغاما له بها ، ثم أخرجه إلى المقبرة وصلبه فيها ، ثم أمر جنوده برميه بالبنادق والرصاص ، ففعلوا حتى مزقوا جسده تمزيقا ، وهو صابر محتسب ، وجمع لحمه قطعاً فرحمه الله . وكم قدم من الدعاة والمصلحين إلى أعواد المشانق فكانوا كعروس زفوه إلى عروسه .

 

أما جزاء الملأ وعقاب الله تعالى لهم قال تعالى : \"فَأَخَذَتكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُم تَنظُرُونَ\" وقال تعالى : \" فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَينَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الفُلكِ وَأَغرَقنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُم كَانُوا قَومًا عَمِينَ\" وقال تعالى : \" فَأَخَذَتهُمُ الصَّيحَةُ بِالحَقِّ فَجَعَلنَاهُم غُثَاءً فَبُعدًا لِلقَومِ الظَّالِمِينَ\"

 

ويجب أن يعلم الملأ وأتباعهم أن الله تعالى سينتقم منهم وأن العذاب لا ينـزل فقط على الزعماء بل على كل من شارك في حرب الدعاة والمصلحين ولو كان جندي مغلوب على أمره ـ زعم ـ فإن الله تعالى أغرق الجنود مع فرعون وجعلهم منه فقال تعالى : \" إِنَّ فِرعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ \" وقال تعالى :\" فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِنَ اليَمِّ مَا غَشِيَهُم\" ، وقال تعالى : \" وَنُمَكِّنَ لَهُم فِي الأَرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنهُم مَا كَانُوا يَحذَرُونَ \". فلا تصح دعوى أنا عبد مأمور ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

 

وقال تعالى واصفاً حال الأتباع مع المتبوعين : \"إِذ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتٌّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَت بِهِمُ الأَسبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَو أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنهُم كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعمَالَهُم حَسَرَاتٍ, عَلَيهِم وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ\" ، ليعلم الظلمة القتلة أنهم سوف يرجعون إلى الله وأنهم سوف يحاسبون قال تعالى : \" لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ \" .

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply