بسم الله الرحمن الرحيم
شعور مفعم بالإيمان انتابني، وروحانية عالية أنعشتني، وهيبة أرعشتني وأنا أتشرف بالدخول إلى بيت الله العتيق، قبلة المسلمين، وإجابة دعاء أبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - حينما قال: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) (37)(إبراهيم).
كانت الروحانية والهيبة تملؤني وأنا أدخل الحرم الشريف في كل مرةٍ, أزور فيها البيت الحرام منذ 25 عاماً، فتعلقت بهذا الحرم، وطفت فيه، وتأملته بدقة، ودرست تاريخه، وكتبت فيه رسالة...فإذا كان هذا الشعور يغمرني في دخول البيت الحرام، فكيف بالدخول إلى الكعبة الغرّاء شرّفها الله!
كم كانت أمنيتي أن أعيش حتى أبلغ هذه اللحظة العظيمة، التي هي تاج في حياتي، وشرف يزيِّن أعمالي، حتى حقق الله لي ذلك يوم غسيل الكعبة الغرّاء، مع وفودٍ, وضيوف تقاطروا لحضور هذا الحفل البهيج أوائل العام الهجري 1427ه.
كانت الكعبة المشرَّفة في أبهى حلة وكأنها فرحة بتنظيفها ورشِّها بماء زمزم المخلوط بماء الورد، بعد كنس أرضها بالمكانس الخشبية من سعف النخيل، وتبخيرها بالعود الفاخر.
لم أملك غير الصلاة والبكاء: دخلنا الكعبة التي كانت مضاءة بأنوار خارجية، إذ ليس فيها كهرباء ولا أنوار في الداخل حفاظاً عليها من أي حادث كهربائي، وتوزعنا للصلاة في جميع أنحائها، منا من يصلي للشرق، ومنا للغرب، ومنا للشمال، ومنا للجنوب، ومنا للأركان، وأينما تولوا فثم وجه الله.. الجميع في خشوع وتضرٌّع وابتهال، نسارع الوقت لندعوَ بأكثر ما نستطيع من خيري الدنيا والآخرة، وقد ضاقت بنا الكعبة من كثرة المصلِّين والداعين.
واختلفت الروايات في المكان الذي صلَّى فيه رسول الله {والأكثرون على أنه صلَّى مستظهراً باب الكعبة واقفاً بين العمودين، بينه وبين الجدار المقابل للباب ثلاثة أذرع.
جوف الكعبة
وبالرغم من أن الوقت لم يسعفني لأتأمل في جوف الكعبة بشكل تامّ، لغلبة الخشوع، وتمام الرهبة، وتقاطر الدموع، ولكني استطعت أن أشاهد الأعمدة الثلاثة التي تتوسط الكعبة بحجمها الكبير بقطر60 سم تقريباً، وتغليفها الخشبي البني، عدا قاعدتها الذهبية، التي تقف في صفٍّ, واحد على اتساق مع جدار الباب، وقد وضع بين الأعمدة الصندوق الخشبي المعدّ لهذه المناسبة الحامل لمباخر العود وماء زمزم.
في حين يغطي أرضية الكعبة المشرفة الرخام البني والبيج، وكذلك جدرانها الأربعة يغطيها الرخام بالكامل، عدا مساحات صغيرة وضع فيها شواهد لبعض السلاطين والملوك الذين قاموا بتجديد الكعبة منحوتة على رخام خاص، ملصقة بجدار الكعبة داخلة فيه بشكل متساوٍ, مع الجدار.
وكانت الكسوة الداخلية الحمراء التي تصنع في مصنع كسوة الكعبة بمكة المكرمة التي تغطي الجزء العلويّ من الجدران الأربعة، ترتفع عن أرضية الكعبة مسافة ثلاثة أمتار تقريباً حتى السقف الأبيض، وقد نسجت عليها كتابات بلونها تشبه الكتابات التي تغطي الكسوة الخارجية وبالتطريز والزخرفة نفسها. كما مُدَّ ما بين أعمدة الكعبة في الأعلى حبلٌ علِّقت عليه بعض الهدايا الفضِّيَّة القديمة التي أهديت للكعبة شرفها الله كالأواني والأباريق ونحوها.
والطريق الوحيد المؤدي لسقف الكعبة هو باب التوبة، وهو بابٌ صغير مغلق، ضمن بناء مربع بمقاس مترين عن يمين الداخل للكعبة في زاويتها الشرقية الشمالية.
كان لا بدّ أن نغادرها، لنفسح المجال لبقية الضيوف والوفود، حامدين الله - تعالى -على نعمته، شاكرين له على أفضاله، سائليه أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين.
وبعد أن استمتعنا بهذه اللحظات الإيمانية العظيمة على قصرها، ودَّعنا السدنة كما استقبلونا بخير ترحاب.
حفظ الله للمسلمين كعبتهم المشرَّفة، وزادها تشريفاً وتكريماً ومهابةً، وجزى القائمين على الاهتمام بها خير الجزاء.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد