البتراء

4.8k
2 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

زرت آثار البتراء الخالدة، وعن هذه الزيارة كتبت هذه القصيدة:

عـذراً إذا قـصـرت يـا بتراء *** فـتـحيتي، مهما سمت، بتراءُ

وجـلال قـدرك لـلبلاغة معجزٌ *** فـقـصيدتي أرض، وأنت سماءُ

كـم كـنت أحلم أن أراك فشاقني *** حـسـن لـه بين الضلوع غناءُ

رفّـت على شفتي القوافي وانثنت *** نـشـوى، وفي أعطافها خيلاءُ

وهـفـت إلـى آيات حسن باهر *** حـتـى سـبـاها رونق ورواءُ

سـرّحـت طرفي في مرابع فتنةٍ, *** حـسـناء، لم تحلم بها صحراءُ

شمٌّ الصخور تسامقت فيها الذرى *** ولـهـا مـع الأفـق السنيّ لقاء

عـزّت نـسـور فوقها بوكورها *** فـلـهـا شـمـوخ بـاذخ وإباء

يـا لـلـجـبال الراسيات كأنها *** حـرّاس أرض خـشّـع أمـناءُ

وقـفـت تـصلي في تهجدِ عابد *** لـيـهـزّ آذان الـسـماء دعاءُ

عـجـبـاً للون قد كساها ضافياً *** كـغـلالـة رقصت بها الأضواء

ولـه احـمـرار الـورد إلا أنه *** زاده عـلـى هـامـاتها، وضاءُ

أترى جَنَت حمر الورود، فلم يعد *** فـي الأرض منها وردةٌ حمراءُ!

كـم خـلـتها شفقاً، كأن ضياءه *** لـهـبٌ، ولـكن ما اعتراه فناءُ

أو غـادةً هـيـفـاء بات يزينها *** خـفـرٌ يـضرِّج خدها، وحياءُ

بـتـراء كـم توحين من أنشودة *** إن الـجـمـال لـشـاعرٍ, إيحاءُ

فـقـلوبنا بالشوق أضحت أعيناً *** لـنـراك يـا بـتراء حين نشاءُ

كـم مـن جـمال بالخيال بدا لنا *** لـتـراه حـتـى الـمقلة العمياء

إن لـم نـقـل شعراً نبُثٌّ بصدقه *** إحـسـاسـنـا، فقلوبنا شعراءُ

صيغت لك الأسماء، لكن قصّرت *** وتـخـاذلت عن وصفك الأسماء

مـا أنـت إلا سـفرُ مجدٍ, مشرقٍ, *** ولأنـت حـقـاً والـخلود سواء

فـإذا أشـرأبّ لك الخيال، فإنه *** يـرنـو فـيـبهر طرفه اللألاء

شـاخ الـزمـان فلم يدع لحسانه *** حـسـنـاً، وأنت صبية حسناءُ

مـا غـادرتـك وسامة ووضاءةٌ *** أو غـاب حـسـنٌ ساحرٌ وبهاءُ

وكـأن عـمرك ساعة، لما يغب *** عـن سـاحـك الـنحاتُ والبناءُ

هـذي قـصـورك ما تزال كأنها *** بـالأمـس غـاب سراتها النبلاءُ

قـومٌ نـمـتـهـم عزةٌ وشهامةٌ *** ونـبـالـة وعـروبـةٌ قـعساءُ

ويـهـزنـي فـخرٌ بآبائي، وكم *** يـزهـو بـمـاضٍ, زاهـرٍ, أبناءُ

كـم جـال في أبهاء قصر عاهلٌ *** واخـتـال فـي سـاحاته أمراءُ

وانـقـضّ مـنـه جحفل متحفزٌ *** لـلنصر، تسيق زحفه ضوضاءُ

وأكـاد أبـصـر رايـةً خـفاقةً *** وتـكـاد تـمـلأ مسمعي أصداءُ

وإخـال أهـلـي لم يغيبوا لحظة *** عـنّـا، ولـم تذهب بهم أرزاءُ

ما زال موطئ خطوهم فوق الثرى *** مـا زال فـي حضن النسيم نداءُ

بـتـراكـم للصخر من أعجوبةً *** جـلّـى، ولـيس لحسنها أكفاءُ

تـحـكـي بصمت معجزٍ, متميّزٍ, *** يـا سـحر ما نطقت به البكماءُ !

فـي كـل ركـن روعـة أخاذة *** تـسـبـي الـعقول، وآيةٌ غراءُ

جـئـناك يا بتراء يحملنا الهوى *** وتـحـس نـار حـنينا الغبراءُ

فـكـأن أرتـال القوافل لم تزل *** تـسـعـى إلـيك يقودهنّ حداءُ

فـإذا نـأى عـنا المزار، فحسبنا *** فـي الـبـعد، أن قلوبنا سفراءُ

تـبـقـيـن يا بتراء توأم دهرنا *** مـا دام لـلـدهـر الأبـيد بقاءُ


أضف تعليق