توظيف المشكلات الرياضية من خلال القصة في تطوير مهارات التفكير العليا وتحسينها عند الطلبة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

تعلم حقائق الرياضيات، ومفاهيمها، وتعميماتها من خلال الإثارة والتشويق، فيمكن توظيف أسلوب اللعب الحر (أو الموجه)، كالأحاجي و الألغاز، ويمكن توظيف أسلوب القصص الشيقة من خلال حل المشكلات، والعصف الذهني، علما أن أي مشكلة رياضية عند عرضها على الطلبة، لا يوجد حل جاهز لها في أذهان الطلبة.

تعتبر المشكلات في الرياضيات المناخ الخصب الملائم لتنمية مهارات التفكير العليا وتحسينها وتطويرها لدى الطلبة، لما توفر من فرص للتحليل و التركيب والتأمل و الخيال و النقد و الإبداع وتوليد الأفكار و كذلك إيجاد عدة حلول والتأكد من صحتها.

إن الطالب عندما يقرأ المشكلة و يفهمها، ويحدد معطياتها، وما هو مطلوب منه، ويلخصها بلغته، يكون الطالب في هذه المرحلة في دائرة التفكير الناقد، وعندما يحل المشكلة بطريقة، أو بعدة طرق، ويمثلها برسومات أو تشبيهات فإنه يكون في دائرة الإبداع وتوليد الأفكار، و بعد عملية حل المشكلة يتأكد من صحة الحل يكون مرة أخرى في دائرة التفكير الناقد الذي يميز الصح من الخطأ، لذا من الصعب جدا الفصل بين مهارة التفكير الناقد ومهارة التفكير الإبداعي لانهما متداخلتان ومتفاعلتان ومتشابكتان.

في هذه المقالة سأعرض قصة تتحدث عن ابنة الملك (شيماء)، وعن الشاب الفقير (عماد) والذي سيحاول أن يحل لغز الملك، هذا اللغز حاول الكثيرون حله قبل عماد، ولكن نهايتهم كانت محزنة.

يفضل بعد انتهاء المعلم وطلبته من دروس تشابه المثلثات، أن يعرض المعلم القصة الآتية، والتي تهدف إلى الخروج عن الروتين والتدريبات الروتينية، والى إثارة دافعية الطلاب وتشويقهم، والى توظيف مهارات التفكير العليا (مهارة التفكير الناقد والإبداعي) من خلال تحليل القصة وأحداثها (تفكير ناقد)، ومحاولة إيجاد الحل الأمثل لها (التفكير الإبداعي).

يحكى في قديم الزمان أن ملكا كان له ابنه وحيدة اسمها شيماء، وهذا الملك كان مغرما بالرياضيات، وخاصة قياسات أطوال الأشياء الشاهقة والخطرة، ومن شدة حبه للرياضيات قرن مهر ابنته بمسألة (مشكلة) رياضية، فقد كبرت ابنة الملك وأصبحت في سن الزواج، وجاءها الخطاب من كل حدب وصوب، ولكن أحدا لم يوفق في الزواج منها، حتى أن بعضهم فقد حياته ثمنا لذلك دون جدوى، ومرت الأيام والسنون، وسمع بقصة شيماء شاب فقير الحال اسمه عماد، و هو وحيد أمه، ذهب إلى قصر الملك، وبصعوبة شديدة استطاع الدخول إليه.

قال عماد للملك: أنا يا سيدي عماد، و أطلب يد ابنتك شيماء للزواج.

الملك: ظننتك يا بني تريد مساعدة من مال أو طعام، لكن حسنا، أتعرف مهر ابنتي أيها الشاب؟

عماد: لا يا سيدي.

الملك: مهر ابنتي لم يستطع أحد أن ينفذه، وكل من حاول فشل وهلك! إن مهر ابنتي أن تجد طول النخلة الباسقة الارتفاع في الصحراء القاحلة الموحشة، والتي تبعد عنا مسيرة خمسة أيام، بشرط أن لا تستخدم أي جهاز أو أداة أو الصعود عليها، وسيرافقك مجموعة من جنودي إلى تلك الصحراء، فإن استطعت أن تعرف طول النخلة ولو بصورة تقريبية فستنجو وتتزوج ابنتي، وإن لم تستطع فسيقتلك الجنود ويقدموا جثتك طعاما لهذه النخلة العملاقة، والتي قدم لها الكثير من قبلك، هل قبلت يا عماد؟

عماد: نعم يا سيدي، لقد قبلت، ولكن اسمح لي أن اذهب و أودع أمي المسكينة.

الملك: سنسمح لك، ولكن سيبقى جنودي برفقتك من الآن فصاعدا.

ذهب عماد إلى أمه، وأخبرها عن كل شيء، فحزنت حزنا شديدا وبكت، وقالت: لا تذهب يا عماد أرجوك يا بني. لكن عماد قبل التحدي ولن يرضى إلا بزواجه من ابنة الملك، نظر عماد إلى أمه وقال لها: ادعي لي يا أمي؟

سافر عماد برفقة جيش الملك، وبعد خمسة أيام وصلوا إلى تلك الصحراء التي في وسطها النخلة العملاقة، وقف الجميع ينظر إلى هذه النخلة، فتقدم أحد الجنود وقال لعماد: معك متسع من الوقت من الصباح حتى المساء، وبعد المساء إذا لم تخبرني عن طول النخلة الصحيح فسأقتلك، و أقدم جثتك للنخلة، هيا انطلق إلى مهمتك.

ملاحظة هامة جدا (يمنع منعا قاطعا إكمال سرد القصة، قبل قيام الطلاب بحلها) قبل إكمال سرد القصة، يوجه المعلم السؤال الآتي إلى طلبته: ما مقترحاتكم في مساعدة عماد في قياس طول النخلة؟ لديكم عشر دقائق قبل إكمال القصة ومن لديه مقترح يكتبه على ورقة، ثم يسلمه إلي قبل انتهاء الدقائق العشر. (ينتظر المعلم عشر دقائق، ثم يجمع أوراق الحل، دون استلام أي حل قبل نفاذ هذه المدة).

 

وقف عماد أمام النخلة العملاقة، فإذا هي طويلة، وعلى جوانبها الإبر الشوكية القاتلة، قال عماد في نفسه: إن تسلق هذه النخلة درب من الخيال، ولكن لماذا أتسلقها؟.

نظر عماد إلى قمة النخلة البعيدة المنال، ونظر إلى السماء، فإذا الغيوم تحجب الشمس، فحزن عماد كثيرا، وظل ينتظر مدة ساعتين دون عمل أي شيء، وفجأة ظهرت الشمس مشرقة ساطعة، وكأنها تحيي عماد المثابر، لقد فرح كثيرا، وقال في نفسه الحمد لله أن ظهرت الشمس، أولا سأصنع من طولي ومن ظلي مثلث قائم (وكذلك النخلة)، حيث خط (وضع علامة على الرمل) بالرمل خطا و ابتعد عنه حتى وصل أخر ظله عند الخط بالضبط، ثم وضع خطا مكان وقوفه، وبذلك حصر طول ظله بين خطين، وبسرعة كبيرة وفي نفس اللحظة وضع خط (علامة) على أخر نقطة في ظل النخلة الموجود على الأرض (سؤال: لماذا وضع علامات الظل في نفس اللحظة تقريبا؟ الآن سيقيس طول مسافة الظلين، المسافة التي تمثل طول ظله، والمسافة التي تمثل طول ظل النخلة.

سؤال: كيف سيقيس عماد طول ظله وطول ظل النخلة؟

وظف عماد عدة طرق مختلفة في قياس الأطوال، والطرق لها نفس الإجابة تقريبا، وذلك كما يأتي:

الطريقة الأولى: وقف عماد أمام النخلة وتأمل فيها جيدا، ثم تخيل في ذهنه كم شخصا يقفون على أكتاف بعض حتى يصلوا إلى قمة النخلة، فقدر ذلك بعشرة أشخاص مثله في الطول.

الطريقة الثانية: عن طريق عدد الخطوات (التوسيع بين القدمين بمسافة متر واحد تقريبا)، حيث استطاع أن يعد عدد الخطاء (جمع خطوة)، وقد وجد القياسات الآتية: طول ظله يساوي 3 خطاء (3 م تقريبا)، وطوله هو خطوتان (2م تقريبا)، طول ظل النخلة يساوي 27 خطاء(27م تقريبا)، وبذلك حصل عماد على مثلثين متشابهين، وبذلك أجرى عماد تناسبا بين المثلثين وحصل على طول النخلة،

طول النخلة = (27÷3) × 2 = 18 خطاء (أيº 18 مترا تقريبا).

الطريقة الثالثة: عن طريق وحدة القدم (طول قدم عماد 25 سم، هل تعرف طول قدمك؟). حيث استطاع أن يعد عدد الأقدام، وقد وجد القياسات الآتية: طول ظله يساوي 12قدما (3 م تقريبا)، وطوله هو 8 أقدام (2م تقريبا)، طول ظل النخلة يساوي 108 قدما (27م تقريبا)، وبذلك حصل عماد على مثلثين متشابهين، وبذلك أجرى عماد تناسبا بين المثلثين وحصل على طول النخلة =(108 ÷ 12)× 8 = 72 قدما (18 مترا تقريبا)

الطريقة الرابعة: عن طريق طوله (طول عماد 180سم، هل تعرف مقدار طولك؟ )

وظف عماد طول جسمه في عملية القياس، حيث مد جسمه على الأرض، وقاس كل من طول ظله و طول ظل النخلة وكانت القياسات كما يأتي: طول ظله يساوي طوله + نصف طوله أيº 270سم، طول ظل النخلة يساوي 15 مرة من طوله أيº 2700 سم، وبذلك طول يساوي (2700 ÷ 270) ×180 = 1800سم = 18 م.

قبل إكمال سرد القصة، هل يوجد لديك طريقة أخرى للحل؟، بدون استخدام أي أداة.

تبسم عماد ضاحكا، وقال: أيها الجندي، لقد عرفت قياس طول النخلة، ويساوي تقريبا 18 مترا. الجندي: نعم صحيح، لقد نجوت، وفزت.

عاد عماد والحرس الملكي إلى القصر، وتزوج عماد شيماء وعاش في سرور وسعادة مع زوجته وأمه.

يتوقف المعلم هنا، و يسأل طلبته الأسئلة الآتية:

1) ما الفكرة الرئيسة في كل طريقة من طرق عماد في الحل؟

2) هل ترى أن عماد تأكد من صحة حلوله أم لا؟ وضح ذلك.

3) وضح بالرسم الطرق التي وظفها عماد في حساب طول النخلة.

4) ماذا تفعل لو كنت مكان عماد؟

5) أي حالة من حالات التشابه وظفها عمادا؟

6) ما العبرة من هذه القصة؟

7) اختر عنوانا ملائما لهذه القصة.

8) لخص القصة في سطرين فقط.

9) كيف يمكن أن تستفيد من هذه القصة في حياتك اليومية؟

10) هل تستطيع أن تحاكي هذه القصة؟ حاول أن تكتب قصة شبيهة؟ لا تتردد!

11) هل تحب هذا النمط من القصص؟ ولماذا؟

12) كم طريقة وظف عماد في قياس طول النخلة؟

13) أي طريقة من طرق الحل التي استعملها عماد أعجبتك. ولماذا؟

يقارن المعلم إجابات الطلبة مع حلول عماد، في كل موقف، حيث يقول المعلم: فعل عماد كذا، وكذا، ماذا تفعل أنت؟

و أخيرا، هل يمكنك عزيزي المعلم أن تنسج قصصا مثل هذه القصة المثيرة؟ لما لا؟ أرجوك حاول مرة، ومرة، حتى تصبح ماهرا في بناء قصص رياضية على هذا النمط، وأرجو منك عزيزي المعلم أن تعد الأبحاث الإجرائية والتي تقارن فيها بين هذا الأسلوب وأساليب أخرى لمعرفة مدى فاعلية هذه القصص في تحسين وتطوير مهارات التفكير العليا لدى طلبتك.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply