بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فإن رسالة التعليم من أشرف الرسالات وأكثرها نبلا وكيف لا تكون كذلك وهي مهنة الأنبياء والرسل وأصحابها هم ورثة الأنبياء وهم الذين يرفعون عن الناس الجهل فينقلونهم من ظلمات الجهالة إلى نور العلم والإيمان والمعرفة.
إن مهنة التعليم مهنة شريفة تحتاج من صاحبها استشعار المسؤولية تجاه ما يقوم به لأنه سيسأل أمام الله عزوجل عن هؤلاء الطلاب الذين هم أمانة بين يديه فـ\"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته\".
إن النجاح والفلاح في أمور الدنيا والآخرة هو مطمع دائم لأصحاب الهمم العلية والأنفس السوية , ونحن جميعا بحاجة دائمة للاستدلال على كل ما من شأنه الارتقاء بنا في معاشنا ومعادنا , وعليه فإن المعلم الذي يحمل هم رسالة التعليم بصدق هو ذلك المعلم الذي يحاول أن يتلمس السبيل الموصل إلى النجاح لكي يحقق من خلال مهنته شيئا لأمته التي تنتظر منه الكثير والكثير.
إن صاحب الهم الذي يحمل هم الأمانة التي استرعاه الله – عز وجل - عليها يتساءل دائما كيف أقوم بأداء هذه الرسالة وهذه الأمانة على الوجه الذي يرضي الله - عز وجل - عني, ويتساءل دائما كيف أكون معلما ناجحا في حمل أمانتي مؤديا لها على الوجه الصحيح.
وإيمانا مني بأهمية الإيجابية في حياة المعلم فإنني أحببت كواحد من هؤلاء المعلمين أن أقدم بين يدي زملائي جملة من الأمور التي أبصر من خلالها نفسي وإخواني زملاء المهنة ببعض المنارات التي يجب أن يستحضرها المعلم عند ممارسته لهذه المهنة الجليلة وهي مقومات أرى أنه لا غنى لكل معلم عنها وهي كالتالي:
أولا: (العلم عبادة – والتعليم جهاد)
لابد أن يستحضر المعلم وهو يمارس هذه المهنة أنه في عبادة وجهاد عظيمين فالعلم من أجل القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تبارك و- تعالى - وخصوصا العلم الشرعي وكذلك سائر العلوم إذا حسنت النية في تدريسها فلقد قال بعض العلماء\"العلم صلاة السر , وعبادة القلب\".
وقال الإمام أحمد - رحمه الله -:\"العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته, قالو: وكيف تصح نيته يا أبا عبد الله؟ فقال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره\".
وإذا كان العلم عبادة فما أحوج العبد فيه إلى استحضار جانب الإخلاص في تعلمه وفي أدائه فإن فقد العلم إخلاص النية فقد انتقل من أجل الطاعات إلى أحط المخالفات والعياذ بالله.
وإذا استحضر المعلم أثناء عمله أنه يمارس عبادة وجهادا فإن ذلك ولاشك سيدفعه إلى مزيد من الجد والاجتهاد وإلى مزيد من البذل والتضحية وسيدفعه ذلك إلى تغليب جانب المصلحة العامة على جانب المصالح الشخصية والمطامع الدنيوية فهو سيعمل بجد دون انتظار لشكر الشاكرين أو ثناء المثنين أو التفات لقدح القادحين , يقول الإمام النووي - رحمه الله - عزوجل\"ويجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله وألا يجعله وسيلة لغرض دنيوي فيستحضر المعلم في ذهنه كون التعليم آكد العبادات ليكون ذلك حاثا له على تصحيح النية ومحرضا له على صيانته من مكدراته ومن مكروهاته مخافة فوات هذا الفضل العظيم والخير الجسيم\"أ.هـ.
ثانيا: (المعلم قدوة)
المعلم الناجح قدوة في أمور الخير, منارة هدى, ودليل إرشاد وتوعية, فهو صادق اللسان, عفيف المنطق, حزم في غير عنف, ولين في غير ضعف, قدوة في الأقوال والأفعال, طاهر العرض, نقي السريرة, صبور على طلابه, بعيد كل البعد عن رديء القول وفاحش العبارات, طيب المخبر, حسن المظهر, إذا قال فعل, وإذا نطق سلب لب طلابه بما يجري الله على لسانه من جميل القول ورفيع العبارات, لا يعرف السباب ولا الشتم ولا اللعن ولا الاستهزاء طريقا إلى قاموس مفرداته, فهو حافظ لمنطقه فلا يسمع منه الطلاب إلا خيرا , وحين يعاتب أو يحاسب فلا يليق به وهو المربي والموجه أن يتجاوز أو يرمي بالكلمات التي لا تليق بمثل رسالته ولا بمثل مهمته.
وإن أنكى جراحات التعليم وأظم رزاياه لا يحدثها إلا ذلك المعلم الذي يخالف قوله فعله فهو بتصرف واحد يهدم مبادئ ويقضي على أجيال يلاحقها سلوك ذلك العمل المتناقض بين ما يقوله وبين ما يفعله مما يزيد الطين بلة والأمر علة وصدق من قال:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ****** عار عليك إذا فعلت عظيم
ثالثا: (المعلم الناجح منضبط السلوك)
المعلم ولا شك مطالب بضبط سلوكه وتصرفاته ومطالب بالاتزان وذلك لأن الاتزان والانضباط صفة يحتاج إليها من يطلب من الناس أدنى اعتبار لشخصيته فكيف بمن يكون معلما للجيل ومربيا للناشئة الذين هم عماد المستقبل وركنه الركين؟
إن المعلم المتزن لا يمكن أن يستفزه الطلاب إلى مهاوي الطيش والسفاهة فهو يقابل جميع التصرفات المشاكسة بشخصية وقورة وعقلية منضبطة متزنة عندها لكل داء دواء تداوي به تفاوت العقليات واختلاف الطبائع والأفهام.
يؤكد هذه الصفة الإمام النووي فيقول:\"وينبغي أن يصون يديه عن العبث، وعينيه عن تفريق النظر بلا حاجة، ويلتفت إلى الحاضرين التفاتاً قصداً بحسب الحاجة للخطاب\".
رابعا: (المعلم الناجح حريص على طلابه)
نعم تتجلى في المعلم الناجح أمارات الصدق والحرص وذلك من خلال سعيه الحثيث إلى كل ما من شأنه فائدة طلابه ورفعتهم , فهو يكد ذهنه ويضني نفسه في التحضير الجيد والجمع الفاحص للمعلومة , يراعي جميع طلابه ويتفقد مواطن الضعف والقوة لدى كل واحد منهم فيسعى لعلاج ضعف الضعيف ويشد من أزر المتفوق ويشجعه وهو يفرح لكل نجاح أو رفعة تتحقق لطلابه لأنه يعتبر نجاحهم دليل نجاحه وإخفاقهم يصب فيما يتعارض مع عمله وطموحه.
إنه يقدم المعلومة ويعيدها ويفصل فيه دون كلل أو ملل لأنه يفعل ذلك بشعور استحضار لعظم الأمانة التي تحملها حينما استرعاه الله عزوجل على فلذات أكباد عباد المسلمين.
هذه بعض الإطلالات التي يحتاج المعلم إلى استحضارها عند أدائه لهذه الرسالة الجليلة أقدمها كمفاتيح لي ولزملائي في حقل التعليم الذين يوجد لديهم أضعاف أضعاف ما في جعبتي والسلام.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد