الدهيماء

1.3k
3 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

يا هول مأساة لها عيني بكت *** جزعاً يذيب جوانحي وفؤادي

(قبح المعيدي) مائلاً أبصرته *** والفاجعات شواخصاً وبوادي

فالمهلكات وجوهها قد عددت *** مثنى، ثلاث، والهليك أحادي

جوع وداء في جسيم ناحل *** وجحيم قفر محرق وأعادي

يا للمهالك والبراءة قد بدت *** كشواء صيد في يد الصياد

ما للنجاة تقطعت أسبابها؟ *** الموت يبدو آكد الآكاد

لكأنّي أسمع صرخة مخنوقة *** لطفولة هي تستغيث، تنادي:

لا ذنب لي يا من أردتم مهلكي *** لم تحرقون مراتعي وبلادي؟

لا شيء لي فيها سوى جوع برى *** عودي، وأردى في الحياة مرادي

لا شيء غير الموت يحدوني وما *** غير التراب يمدني بوساد

انظر إلى كوخي بقفر موحش *** ما باله متناثر الأعواد؟

تخبرك حاله عن مآسي أهله *** إذ بات نهب مطامع وأعادي

مدت له الأطماع كفاً آثماً *** وتخطفته مخالب وأيادي

فجنت جناه وورثت فيه الأسى *** والجوع يعصر فلذة الأكباد

دارت بـ (دارفور) الدهيماء التي *** دهمت ربا (صومالنا) و (تشاد)

طحنت رحاها مطعمي بل أعظمي *** تكفيك رؤية منظري بمفادي

طفلٌ، حُرِمتُ طفولتي في مهدها *** ولبست ثوب كهولتي بولادي

ورضعت خوفاً قاتلاً لكنني *** لم أَدّر وجه مناصر ومعادي

كم من عيون نحو كوخي حدّقت *** ولكم أكفٌّ قد عبثن بزادي

حلّت بكوخي، أحللت فيه الأسى *** كالداء يطحن أعظمي وعمادي

ما كان غروا فعلهم، لكنني *** مستغرب، من بالسلام ينادي

كم من شعار زائف قد هزني *** باسم الطفولة كم سمعت منادي

ما بالها تلك الشعارات اختفت؟ *** أم أن عيناً كحلت برماد؟

هل أنكرت فينا الطفولة برأها؟ *** أم أنها قد أنكرت لسوادي؟

إن كان لوني داعياً في مهلكي *** فلماذا يُهلك (درة) أو (شادي)؟

وبأي حق دمرت أوطاننا؟ *** لا شيء، لكن رغبة بقيادي

ما بال (يافا) و (الرصافة) دثّرت *** فيها الأمومة في ثياب حداد؟

(حق الحياة) فالكلاب حظت به *** وحياتنا محفوفة بكساد

بـ (الأمن) أو (دعوى السلام) كليهما *** (الشرق) أضحى منتدى الإفساد

فيه يُرى الإرهاب (طفلاً) حاملاً *** (حجراً) بوجه مدافع وعتاد

حكم الفراعن أن تباد طفولتي *** فلقد رأوها مشعلاً لجهاد

ما كان جرمي غير جدّي (مؤذّن) *** للمصطفى طه البشير الهادي

و(أمية) ما زال قلبه موغراً *** بعداوتي مملوء بالأحقاد

وصى بها (صفر الوجوه) أبناءه *** فتواترت منهم إلى الأحفاد

إني بقومي، يا لعُظم مصيبتي *** ما بالهم في غفلة ورقاد؟

يا للعروبة للعروبة إذ غدت *** أضحيّة بصبيحة الأعياد

والموت يُمضي في بنيها حكمه *** مُتصنّع الأسباب والأبعاد

إني أراه جاثماً في داخلي *** داء يفتّ مفاصل الأوتاد

وأراه خلفي من عيون رواصد *** لبقايا شلو مُهلَكٍ, ومباد

فكأنه في وجه (باول) إذ أتى *** (دارفور) يخفي مطمعاً بوداد

طبع العُقاب إذا الفريسة أحجمت *** عنها الهوام يكون بالمرصاد

أعداؤنا لعدائنا قد (غرقدوا) *** وتسوّروا بمسلّح ومشاد

هم يرسمون خريطة لطريقهم *** وطريقنا مفعومة بقتاد

يبدون وجهاً بالسلام موشحاً *** يغرون فيه أعين القواد

هم قلة جاسوا خلال ديارنا *** وجموعنا بغثائها المزياد

إني وإن أمست يباباً بلدتي *** وتحولت أفياؤها لرماد

سأظل أجثو ساجداً في طهرها *** رغم العناء وكثرة الرصاد

ليصير موتي فوق أرضي عزة *** لطفولتي، وليعظم استشهادي

إني إذا ما مت تنبت أعظمي *** جيلاً بقدر صلابتي وعنادي

جيل له نور المصاحف مرشد *** إني عقدت من هداه قلادي

مهما يكن عجزي فحبي موطني *** فخر، وموتي في حماه مرادي


السابقرثاء
التاليلغة الحب
أضف تعليق