من هم أهل الحديث


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالِنا.

 

من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فإن الله بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحقّ ليُظهره على الدين كلِّه ولو كره الكافرون.

 

وإنَّ أسعدَ الناس بهديه واتباعِه وحبِّه وموالاته ونصرة ما جاء به من الحق: هم صحابته الكرام، ومن اتبعهم بإحسان من القرون المفضلة، ومَن سلك سبيلَهم، وترسّم خطاهم إلى يوم الدين.

 

ثم إن مَن يدرس أحوال السابقين واللاحقين من الفِرق المنتسبة إلى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويدرُس مناهجَهم وعقائدهم وأفكارَهم بإنصاف وفهم وتجرٌّد يجد أنّ أهلَ الحديث هم أشدٌّ الناس اتباعـًا وطاعةً وتعلٌّقـًا وارتباطـًا بما جاءهم به نبيٌّهم محمد - صلى الله عليه وسلم - كتابـًا وسنّة، في عقائدهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم، ودعوتهم، واستدلالهم، واحتجاجهمº وهم على غاية من الثقة والطمأنينة بأن هذا هو المنهج الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه الطريقُ السليم، والصراطُ المستقيمº وما عدا ذلك من المناهج والسبل فأمرٌ لم يشرعه الله ولم يرضَ به، ولا يؤدِّي إلاّ إلى الهلاك والعطب.

 

فمن هم أهل الحديث إذًا؟

هم من نَهَج نَهج الصحابة والتابعين لهم بإحسان في التمسٌّك بالكتاب والسنة، والعض عليهما بالنواجذ، وتقديمهما على كلِّ قول وهدى، سواء في العقائد، أو العبادات، أو المعاملات، أو الأخلاق، أو السياسة والاجتماع.

 

فهم ثابتون في أصول الدين وفروعه على ما أنزله الله وأوحاه على عبده ورسوله محمد ـ - صلى الله عليه وسلم -.

 

وهم القائمون بالدعوة إلى ذلك بكل جد وصدق وعزم، وهم الذين يحملون العلم النبوي، وينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

 

فهم الذين وقفوا بالمرصاد لكل الفرق التي حادت عن المنهج الإسلامي، كالجهمية، والمعتزلة، والخوارج، والروافض، والمرجئة، والقدريّة، وكلّ من شذّ عن منهج الله واتبع هواه في كلِّ زمان ومكان، لا تأخذهم في الله لومة لائم.

 

هم الطائفة التي مدحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزكاها بقوله: لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا مَن خالفهم حتى تقوم الساعة))[1]).

 

هم الفرقة الناجية الثابتة على ما كان عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، الذين ميّزهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحدّدهم عندما ذكر أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة، فقيل: مَن هم يا رسول الله؟، قال: مَن كان على ما أنا عليه وأصحابي))[2]).

 

لا نقول ذلك مبالغةً ولا دعاوى مجرَّدة، وإنما نقولُ الواقع الذي تشهد له نصوصُ القرآن والسنة، ويشهد له التاريخ، وتشهد به أقوالهم، وأحوالهم، ومؤلفاتهم.

 

هم الذين وضعوا نصب أعينهم قول الله - تعالى -: {واعتصموا بحبل الله جميعـًا ولا تفرّقوا} [آل عمران: 103]، وقوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم} [النور: 63]º فكانوا أشدَّ بُعدًا عن مخالفة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبعدهم عن الفتن.

 

وهم الذين جعلوا دستورهم: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجـًا مما قضيت ويسلموا تسليمـًا} [النساء: 65]º فقدّروا نصوص القرآن والسنة حق قدرها، وعظّموها حق تعظيمهاº فقدّموها على أقوال الناس جميعـًا، وقدموا هديها على هدي الناس جميعـًا، واحتكموا إليها في كل شيء عن رضى كامل، وصدور منشرحة، بلا ضيق ولا حرج، وسلموا لله ولرسوله التسليم الكامل في عقائدهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم.

 

هم الذين يصدقُ فيهم قول الله: {إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} [النور: 51].

 

هم بعد صحابة رسول الله جميعـًا ـ وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون ـ سادة التابعين، وعلى رأسهم: سعيد بن المسيب ت بعد 90هž، وعروة بن الزبير ت 94هž، وعلي بن الحسين زين العابدين ت 93هž، ومحمد بن الحنفية ت بعد 80هž، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ت 94 أو بعدها)، و سالم بن عبد الله بن عمر ت 106هž، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ت 106هž، والحسن البصري ت 110هž، ومحمد بن سيرين ت 110هž، وعمر بن عبد العزيز ت 101هž، ومحمد بن شهاب الزهري ت 125هž.

 

ثم أتباع التابعين، وعلى رأسهم: مالك ت 179هž، والأوزاعي ت 157هـ، وسفيان بن سعيد الثوري ت 161هـ، وسفيان بن عيينة ت 198هـ، وإسماعيل بن علية ت 193هـ، والليث بن سعد ت 175هـ.

 

ثم أتباع هؤلاء، وعلى رأسهم: عبد الله بن المبارك ت 181هـ، ووكيع بن الجرّاح ت 197هـ، والإمام محمد بن إدريس الشافعي ت 204هـ، وعبد الرحمن ابن مهدي ت 198هـ، ويحيى بن سعيد القطّان ت 198هـ، وعفّان بن مسلم ت 219هـ.

 

ثم تلاميذ هؤلاء الذين سلكوا منهجهم، وعلى رأسهم: الإمام أحمد بن حنبل ت 241هـ، ويحيى بن معين ت 233هـ، وعلي بن المديني ت 234هـ.

 

ثم تلاميذهم كالبخاري ت 256هـ، ومسلم ت261هـ، وأبي حاتم ت 277هـ، وأبي زُرعة ت 264هـ، وأبي داود ت 275هـ، والترمذي ت 279هـ، والنسائي 303هـ).

 

ثم مَن جرى مجراهم في الأجيال بعدهم، كابن جرير ت 310هـ، وابن خزيمة ت 311هـ، والدارقطني ت 385هـ في زمنه، والخطيب البغدادي ت 463هـ، وابن عبد البر النمري ت 463هـ، وعبد الغني المقدسي ت600هـ)، وابن قدامة ت 620هـ، وابن الصلاح ت 643هـ، وابن تيمية ت 728هـ، والمزّي ت 743هـ، والذهبي ت 748هـ، وابن كثير ت 774هـº وأقران هؤلاء في عصورهم ومَن تلاهم واقتفى أثرهم في التمسٌّك بالكتاب والسنة إلى يومنا هذا.

 

هؤلاء الذين أعني بهم أهل الحديث.

 

----------------------------------------

[1]) حديث صحيح: رواه الإمام مسلم في صحيحه)): 3/1523)، والإمام أحمد في المسند)) 5/278 ـ 279)، والإمام أبو داود في السنن)): 3/4)، والإمام الترمذي في السنن)): 4/420)، والإمام ابن ماجه في السنن)): 1/4-5)، والحاكم في المستدرك)): 4/449-450)، والطبراني في المعجم الكبير)): 7643)، والطيالسي في المسند)) ص 94، برقم: 689).

انظر: الصحيحة)) للعلامة الألباني 270، 1955).

[2]) يأتي تخريجُه برقم 17، ص).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply