بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة الإسلامية المعاصرة بذلت جهداً كبيراً لإصلاح العالم الإسلامي ومعالجة ما يحمله من أمراض وعلل منها على سبيل المثال شرك القبور والأضرحة وما يتبع ذلك من الخرافات والغلو في الصالحين، ومنها الإعراض عن التحاكم للشريعة الإسلامية، وقام في العالم الإسلامي علماء يمثلون صوت الدعوة الإسلامية يذكرون بالعلم الصحيح ويدعون إلى التحاكم إلى الشريعة الإسلامية في جميع المجالات.
ولقد بقي أمام المصلحين من مؤسسي الدعوة الإسلامية المعاصرة مجالات كثيرة تحتاج إلى تجديد وبذل مزيد من الجهد.
من هذه المجالات:
1- تصحيح العقائد عند طوائف كثيرة من الناس سيطرت عليهم الخرافات والغلو في الصالحين وانتشرت بينهم أنواع كثيرة من الشرك وحملهم التقليد والتعصب والجهل إلى رد العلم الصحيح بالسنة.
2- انتشار الإعراض عن دين الله بترك العمل به وترك التحاكم إليه وترتب على ذلك انتشار القوانين الوضعية والعمل بها.
وراجت في العالم الإسلامي المذاهب الفكرية التي زَّينها الغزو الفكري للناس فحكمت قوانينها وتمكنت وصدت طوائف من الناس عن عبادة الله وحده.
وقد ناهض الدعاة والمصلحون هذا الخطر العظيم وبقي السؤال المهم وهو على أي أساس قام هؤلاء الدعاة بالإصلاح والتجديد؟ ونكتفي بذكر الجواب على سبيل الإجمال لندلّ به على جوانب الخير العظيمة التي اشتملت عليها الدعوة الإسلامية المعاصرة.
ومنهجنا الذي نذكّر به - وقد سبق بيانه في المقال الأول - إن هذه الإيجابيات لا تمنعنا من الوقوف عند أمور تحتاج إلى معالجة، وتأمٌّل مقالات بعض المفكرين يحتاج إلى تصحيح.
والمقام هنا للحديث عن الإيجابيات ومنها:
توجه الدعوة الإسلامية المعاصرة إلى تعظيم مذاهب السلف ويدل على ذلك:
أولاً: استمرار دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب وانتشار آثارها العلمية في العالم الإسلامي وأبرز ما فيها تحقيق مذهب السلف في التحذير من شرك القبور والخرافة وما يتبعها من بدع وأهواء والتحذير أيضاً من كفر الطواغيت وإعراضهم عن قبول الشرع والتحاكم إليه.
وقد كشف في كتابه (مسائل الجاهلية) عن تلك المظاهر الشركية والكفرية محذراً منها ومبيناً أن الإيمان قول واعتقاد وعمل وأن له نواقض هي أسباب الكفر والشرك الأكبر مذكراً بعقيدة السلف في ذلك كله داعياً الناس إلى الاعتقاد الصحيح في صفات الله - سبحانه وتعالى -.
ثانياً: استمرار الدعاة إلى مذهب السلف في أنحاء كثيرة من العالم وانتشار كتبهم وأتباعم وأنصارهم ومن أبرز ما نشير إليه من المظاهر التي تدل على تعظيم مذهب السلف مما يلي:
أ- نشر العلم الصحيح بالسنة وبروز أئمة مجتهدين في بيان صحيح الحديث وضعيفه فانتشرت كتب الحديث وشاع هذا العلم بين الطلاب.
ب- نشر الاعتقاد الصحيح في صفات الله تعظيماً لله واتباعاً لعقيدة الصحابة - رضوان الله عليهم -.
ج- إنكار البدع والأهواء المضلة عن مذهب السلف ومحاربتها.
ومن أبرز المظاهر العملية لهذه الدعوات تعليم الأفراد في المجتمعات، وإنكار المخالفات العملية، ومن أبرزها انحراف أهل البدع وشرك القبور ومخالفة السنة.
ولعل سائل يسأل فيقول: إن هذا الجهد في تعظيم مذهب السلف جهد طيب ولكن المشاهد عند هؤلاء الدعاة الاقتصار على معالجة هذه الانحرافات وهناك انحرافات أخرى مثل \" المذاهب الفكرية، وقوانينها الوضعية \" وهذه تحتاج من الدعاة إلى جهد كبير لكشف زيفها وتحذير الناس منها.
فكيف تتم معالجتها؟ ويمكن أن يجاب على هذا السؤال بما يأتي:
1- أن الدعاة السلفيين يعتبرونه انحرافاً يحتاج إلى معالجة ولكنهم يعالجون الانحرافات التي سبق ذكرها لأنهم يرون أنها أخطر والمسألة عندهم لا تعدو ترتيب الأولويات.
2- أنهم ينادون بتصحيح الواقع في ضوء عقيدة السلف ويرون أن تحذير الناس من شرك القبور والأهواء والبدع ومخالفة السنة هو طريق لمحاربة المذاهب الفكرية المعاصرة وقوانينها.
والظاهر أن هذا النقص الموجود عندهم في مواجهة المذاهب الفكرية والقوانين الوضعية قد سده دعاة آخرون من أهل السنة والجماعة شاركوا في كشف أباطيل الغزو الفكري وقوانينه مع محافظتهم على عقيدة السلف ومشاركتهم إخوانهم في معالجة الانحرافات الأخرى.
ولا شك أن هؤلاء وهؤلاء معظمين لمذهب السلف.
ثالثاً: هناك دعاة آخرون يخلطون مذهب السلف بغيره من آراء المتأخرين ومناهجهم متأثرين تارة بالأشعرية وتارة بالصوفية ومع ذلك فإنهم يعظمون مذهب السلف ويدل على ذلك أنهم لما جعلوه مقارناً لبعض الأسماء قدموه عليها فقالوا:
أ- دعوتنا طريقة سلفية وحقيقة صوفية..
ب- أنهم يعتقدون السلامة فيه كما قال الأشاعرة من قبل \" مذهب السلف أسلم \" والشهادة لمذهب السلف بالسلامة تعظيم له بهذا الاعتبار.
ج- أن أكثرهم يعتبرون المسألة مسألة أولويات وأسلوب وإلا فإن عقلائهم يشهدون بأن مآل الحال هو انتصار مذهب السلف ويرددون قولتهم المشهورة وهل أحد يخالف مذهب السلف؟ ومع وجود كثير من المخالفات لمذهب السلف إلا أن ما ذكرناه فيه دلالة ظاهرة على أن مذهب السلف له تعظيمه في النفوس وله هيبته فتجد المخالف لبعض عقائد السلف يشهد بأن السلامة فيه كما صنعت الأشاعرة.
فآل الأمر - والحمد لله - إلى تعظيم مذهب السلف قولاً وعملاً واعتقاداً أو على الأقل الشهادة له بالخيرية والسلامة.
ومن البشائر التي نذكرها في هذا الباب وجود أقوام قد خرجوا من تحت أنقاض الشيوعية الخاسرة محتفظين بإسلامهم على عقيدة السلف الصالح وهذه بشارة تشير إلى أن البديل عن المذاهب الوضعية والعقائد البدعية هو الإسلام لا على فهم العصور المتأخرة بل على فهم الجيل القدوة الذي رباه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو الطريق الصحيح الذي ينبغي على الدعاة أن يتعاونوا على الاجتماع عليه ونصرته مبتغين بذلك وجه الله - عز وجل - والدار الآخرة وهمهم هداية الخلق وإبعادهم عن أسباب الشرك والكفر بجميع أنواعه سواء أكان شرك القبور والغلو في الصالحين، وما يتبعه من الأهواء والبدع أو كان شركاً في العبودية والطاعة والتشريع مِن دون الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد