فعل خير ضل الطريق


بسم الله الرحمن الرحيم

 

...إن من يريد حقاً أن يحظى بالمثوبة العظمى من بناء المسجد فعليه أن يتمعن في الحديث الشريف الذي اشترط لتلك المثوبة - وهي بناء بيت في الجنة - شرطاً واحداً ألا وهو \"إرادة وجه الله\" من بناء المسجد، معنى ذلك أن عليه أن يتخلص من كل هوى يبعده عن إرادة وجه الله.

 

مثلاً من يريد أن يبني مسجداً يزعم أنه يريد به وجه الله تعالى لا غير لماذا لا يبنيه في قرية فقيرة أقصى أماني المصلين هناك أن يضعوا رؤوسهم حين يسجدون على سجادة بدلاً من الحصير الذي ختم على جباههم بالتقوى - إن شاء الله - ويحلمون بمسجد دافئ في الشتاء بارد في الصيف؟

فأين من يزعمون أنهم يبتغون وجه الله من هؤلاء؟!

 

لماذا من يبتغي وجه الله من بناء المسجد لا يبنيه في الطرق السريعة بين المدن، مثل الطريق بين جدة والمدينة المنورة، حيث توجد مساجد في أوضاع مؤلمة تأبى النفوس السوية الصلاة فيها، لأنها مرتع لحيوانات الطريق. فأين من يريد ونوجه الله من بناء المساجد من هذه الأماكن التي هي في أمس الحاجة إلى مسجد نظيف، لأن من شروط الصلاة طهارة البقعة، وهذه المساجد لا يتحقق فيها هذا الشرط. فأين هم من ذلك؟!

 

أين من يريدون وجه الله من بناء المساجد من توفير مصلى للنساء في أسواق جدة الكبيرة والضخمة، والتي بالرغم من أن 99% من مرتاديها من النساء إلا أن أحداً لم يكترث بتخصيص مكان آمن ساتر للنساء للصلاة فيه، لذا نرى ذلك المنظر غير الحضاري في هذه الأسواق حيث تتجمع النساء تحت درج أو في أحد الممرات ويقمن بالصلاة تحوطهن الأحذية من كل جانب.

فأين من يريد وجه الله من بناء المساجد من هذه الأسواق؟

 

ثم لا يفوتني وأنا أتكلم عن فعل الخير الذي يضل الطريق من الالتفات إلى جانب آخر غير بناء المساجد، لا سيما ونحن نقترب من طاعة كبرى ألا وهي الحج.

 

والذي أود قوله هنا إن كثيراً ممن يريدون فعل الخير قد يغفلون عن هذا النوع من فعل الخير ألا وهو توفير المال لإنسان كبير في السن ومقتدر جسدياً على أداء الحج لكنه لا يملك المال لذلك، فلماذا لا يتوجه فاعلو الخير لهؤلاء فيدفعون لهم المال الكافي لأداء فريضة الحج بشكل جيد يحفظ لهم إنسانيتهم ويقيهم الامتهان؟! ألا ترون أن ذلك من فعل الخير العظيم وأنه قد يتفوق على بناء المسجد، لأن الحج ركن وبناء المسجد فضيلة؟

 

المضحك في هذا الصدد أن كثيراً من الناس يوصون أبناءهم بتخصيص جزء من الميراث لهذا الغرض، لكن الأبناء ربما لانشغالهم في تنمية أموال الفقيد قد يعينون شخصاً للحج عن المرحوم كل عام سواء كان هذا الشخص أميناً في الذهاب إلى الحج أو غير ذلك، غير مكترثين باختيار الشخص المستحق لأداء هذه الفريضة والذي إن ساعدوه على أدائها ربما دعا للفقيد دعاء مخلصاً ينفعه في آخرته.

 

إن الإسلام دين الحكمة وإن حثه الدائم على فعل الخير بشتى صنوفه وألوانه إنما ينبع من توخي الحكمة في فعل الخير وإلا كان هباء منثوراً!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply