بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، و الصلاة و السلامُ على رسول الله، و على آله و صحبه، و من والاه.
أما بعد:
فإنَّ المرءَ حين تنقلِه بين رياضِ الكتب، يجد من طيب الثمار ما يستوقفه، و يشدٌّ منه الانتباه، و يسلُبُ منه الفكرَ، و يُشغلُ الهاجسَ.
و لكن من أسفٍ, أن تلحظَ كثيراً من القُراءِ يُهملون تلك الفوائد النفيسات، فلا هم لها مقيدين، و لا هم لها حافظين، و هذه وصمةُ عارٍ, في جبين أولئك القوم، إذ ضاعتِ الأعمار بتحصيلِ ما يُستفادُ منه إبقاءً و إدامةً.
و لهذا أسبابه، سيكون التعريجُ عليها قريباً بحول الله و توفيقه.
و تقييدُ الفوائد مهم جداً للقاريءِ، و كما قال الأولُ:
العِلمُ صيدٌ و الكتابةُ قَيدُه *** قيِّد صُيودَك بالحبال الواثقة
فَمِنَ الحماقةِ أن تصيدَ غزالةً *** و تتركها بين الخلائقِ طالقة
و على هذا التقييد كان مسيرُ الأئمة، و قد سموا كتبهم بـ: \" خبايا الزوايا \"، أو \" الفوائد \" و نحوها.
إلا أنه ينبغي أن يُشارَ إلى أن الفوائد على نوعين:
الأول: فوائدُ لا بُدَّ من إبقائها، و رعايتها، و هي مربطُ الفرس، و رنةُ الجرس.
الثاني: فوائدُ بخلاف الأولى، فأمرها ليس بذاك، و إن كان لا يُستغى عن تقييد أيةِ فائدة، فلربما كانت الحاجةُ لها داعية في وقتٍ, آتٍ,.
إذا بان هذا، فإنَّ أسباب عدم التقييد و الاحتفاظ والإبقاء للفوائد راجع إلى سببين:
أولهما: عدم المبالاة والاهتمام بالفائدة، وهذه مصيبةٌ عظمى، وخطبٌ جلَلٌ.
ثانيهما: عدم معرفة تقييد تلك الفوائد، وهذا حالُ كثيرين من الناس، والله المستعان، ولتفادي هذه المشكلة، فإنَّ هناك طرائقَ عدة لتقييد الفوائد، وهي:
الأولى: التقييدُ على جلدة الكتاب، ولهذا صورٌ:
1. أن تكون على وجه الجلدة، بأن تكون حول عنوان الكتاب، و قد كان مسلوكاً عند العلماء في تقييد فوائدهم، كما يظهرُ في صورِ المخطوطات.
2. أن يكون على بطن الجلدة من داخل الكتاب سواءً في أولِه أو آخرِهِ، و هي الدارجة و الأسهل عند القراءة، و لكن ينبغي مراعاة أشياء:
أولاً: كتابةُ رقم الصفحة.
ثانياً: كتابةُ طرف الفائدة، أشبه ما يكون بكَتبِ أطراف ألأحاديث.
ثالثاً: الإشارةُ إلى الفائدة بعلامةٍ, عند موضعها في صُلبِ الكتاب.
رابعاً: تصنيف الفائدة على حَسبِ العلوم، و لو كان تقسيم الصفحات إلى أنواع العلوم فَحَسَنٌ.
الثانية: التقييدُ في بطاقات، و هي التي بحجم كفِّ يد المرءِ، أو ما يُناسبُ المرءَ أو الفائدة، و لها منهاجٌ حسَنٌ، و هو:
أولاً: كتابةُ عنوان الفائدة في أعلى الصفحةِ في إحدى الزاويتين، و ذلك لأن الباحثَ أول ما يقع نظره في البحث على أعلى الصفحة و الورقة.
ثانياً: كتابةُ الفائدة كاملةً، و لا يُشيرُ إلى طرفٍ, منها، لأنه سيضطرٌّ إلى البحث عن الكتاب لنقلها منه، و إذا نقلها في البطاقة كاملةً اكتفى بذلك.
ثالثاً: ذكرُ مصدرها: \" الكتاب \" (مجلد / صفحة)، و يُستحسنُ ذكر الطبعة.
رابعاً: ذكرُ تاريخ التقييد، و يُفادُ من ذلك في معرفة حال التنقلات و التطورات الفكرية لدى القاريءِ.
خامساً: تصنيف الفائدة على حسب العلوم.
تنبيه: آفةُ هذه الطريقة أنه إذا كثُرَت البطاقات أين سيكون محلٌّها، فإنَّه لابُدَّ من وضِعِ محلٍّ, لها و أدراجٍ,، أو صناديقَ لحفظها، و عند حدوث ذلك لا بُدَّ من تصنيف الصناديق و الأدراج.
الثالثة: التقييدُ في \" كُرَّاسٍ, \"، أو \" كُنَّاش \"، و ذلك بأن تُجعلَ الفوائد في \" كراريسَ \"، و لها طريقتان:
أُولاهما: جعلُ \" كُرَّاسٍ, \" لكلِّ علمٍ,، و يُسلَك فيه الترتيب المطروق في ذلك العلم، أي: على \" كتبه \" و \" أبوابه \" و \" فصوله \".
ثانيهما: جعلُ \" كشَّافٍ, \" أشبَهَ \" الفهرِس \" الموجود في أواخر الكتب، و أقرب ما يُشَبَّه به أيضاً طريقة تقييد الفائدة في بطن جلدة الكتاب، و على هذا درجَ كثيرون من المشتغلين بالقراءة و البحث، كالعلامة عبد السلام هارون - رحمه الله -.
الرابعة: حفظُ الفائدة عن طريق التقنية الجديدة، و ذلك من خلال برامج الحاسب الآلي، فإنَّ هناك برامج في (الشبكة) لتقييد الفوائد العلمية، و لكن لا أظنها أحفظُ للفائدة من الطرائقِ الأُوَل.
الخامسة: حفظ الفائدة من خلال التسجيل الصوتي، و حاصلها: أن القاريءَ يجعلُ معه عند القراءة آلةً لتسجيل الصوت، فإذا مرَّ بفائدة حفظها بصوته في تلك الآلة، و يُشار إلى أنه ينبغي ملاحظة ما يلي:
أولاً: ذكرُ الفائدة كاملةً.
ثانياً: ذكرُ المصدر: \" الكتاب \" (مجلد / صفحة)، المؤلِّف، و يُستحسنُ ذكر الطبعة.
ثالثاً: نسخُ الفوائد كتابةً بعد الانتهاءِ من الحفظ لها في الآلة.
السادسة: حفظُ الفوائد كَحِكَمٍ, في مجلس أو مكتب، تُعلَّق أو تُظهر موضوعةً على مكان بارز.
هذا ما سنح في البالِ تقييدُه على عُجالةٍ, من الأمر، و انشغالٍ, من الذهن، و لولا أن استدعى ذلك مني شريفٌ سَنيَّ النَّسَبِ لما كان التقييدُ منبعثاً مني، و لكن لزوم الإشارة كافٍ, في تحرير العبارة، نفعني الله بما كتبتُ، و عامةِ من وقفَ عليها.
و الله أعلمُ، و هو الموفق، لا ربَّ سواه، و لا مُرشِد إلا هو، و صلى الله و سلم على سدنا و نبينا محمد، و على آله و أصحابه أجمعين، و الحمدُ للهِ ختماً كمُبتدءٍ,.